مما لا شك فيه أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية ضد الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس هي استهداف سياسي مباشر ورسالة واضحة لرئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والغاية الفعلية هي تطويق لمحور المقاومة وحلفائه في لبنان، ودق جرس إنذار عملي للأحزاب والتيارات السياسية التي تجاهر بعدائها للسياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة، ولإشعار رئاسة الجمهورية بأن الخطر الحقيقي يقترب وبأن التهديد القادم من البيت الأبيض جدي وسيطال جميع حلفاء “حزب الله” ما لم يبدلوا موقفهم السياسي الملتزم باحتضان المقاومة والدفاع عنها.
بالمقابل يرى البعض بأن هذه العقوبات لا علاقة لها بكل هذه الثرثرة الداخلية عن محاربة الذين يساندون المقاومة سياسياً، وإنما تندرج في سياق الإصلاحات الداخلية المطلوبة ومحاربة الفساد والحد من الزبائنية في توزيع المناصب والحصص الوزارية ومدّ اليد على المال العام، لذلك يبدي هؤلاء تفاؤلاً حذر بأن تشمل هذه اللائحة القوى والأحزاب والجمعيات التي تدور في فلك الإدارة الأميركية والأشد إخلاصاً لأهدافها وأجنداتها والتي هي الأكثر فساداً في الواقع السياسي والتي تعاقبت على الحكم في مختلف العهود والحكومات منذ التسعينات وحتى الأمس القريب.
وكانت إدارة بوش الإبن قد فرضت في العام 2007 عقوبات على رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، بسبب مواقفه السياسية المناوئة لسياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ليتكرّر المشهد نفسه مع الرئيس ترامب بشكل صريح وواضح، فهو يتّهم الوزيرين السابقين خليل وفنيانوس بالعقوبات، بحجة أنهما من داعمي المقاومة سياسياً، ولكن الغاية هي ترهيب جميع مَن يساندون المقاومة كخيار سياسي ومحاولة شلّهم وإسكاتهم تحت طائلة اتهامهم بالفساد والإرهاب ومعاقبتهم مالياً ومصرفياً وضرب مصالحهم لخنقهم اقتصادياً ولدفع جمهورهم إلى الإبتعاد عنهم.
هناك حقيقة واضحة يجب أن لا تغيب عن بال الكثيرين عند تقييم المشكلة الأساسية والتي تتلخّص بالهيمنة الأميركية وتدخلها السافر والوقح في الشأن الداخلي اللبناني والتهديد الذي يمثله العدو الصهيوني باعتباره مصدر الخطر الرئيسي على السيادة اللبنانية الذي يتحرّك ويتمدّد تحت مظلة هذه الهيمنة ووكلائها المحليين، وبالتالي فإن محاولات حرف الأنظار نحو آفة الفساد، الذي يتغلغل داخل النظام السياسي وفي المجتمع اللبناني لتغطية التدخل الأميركي والغربي، يشكّل عنوان المرحلة المقبلة لفرض “قانون قيصر” وتحقيق صفقة القرن وتفكيك التحالفات الوطنية بهدف عزل المقاومة وخنقها وإضعافها شعبياً وسياسياً داخل المؤسسات اللبنانية.
فهل تفعل العقوبات الأميركية فعلها وتحقّق مآربها؛ وهل تنجح من خلال سياسة الترغيب والترهيب في تحويل اتجاه جهات وشخصيات وأحزاب لبنانية إلى استرضاء ترامب المتغطرس، والتقيد بلوائح الممنوعات التي يفرضها عبر التهديد بالعقوبات، ولكن فليتذكر الجميع أن حصيلة الخضوع والرعب لم تكن في التجارب السابقة إلا مزيداً من الغطرسة الأميركية والتمادي في الاستباحة والعدوان الإسرائيلي ويخطئ كل مَن يظن أن الإستسلام والإنبطاح يمكن أن يحمي رؤوس أو يبعد خطراً أو يفكّ حصاراً لأن ما يريده ترامب ونتنياهو هو الخضوع التام، وما على المعنيين سوى الإختيار بين الكرامة والمذلة.