كتبت صحيفة “الديار” تقول: نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فرض أجندة الإستشارات النيابية المُلزمة على الطبقة السياسية اللبنانية، إذ أن هذه الإستشارات تأتي قبل ساعات قبل زيارته الثانية الى لبنان في أقلّ من شهر. وإذا كان بعض الغموض ما يزال يلفّ مواقف بعض القوى السياسية، إلا أنه وبغياب ايّ مُفاجأت، فإن لقب دولة الرئيس سيذهب هذه المرّة الى السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب.
الغموض الذي عمّ موقف “نادي رؤساء الحكومة السابقين”، مدعوما من دار الفتوى، في اليومين الأخيرين انجلى مع إعلان تبنّى ترشيح السفير مصطفى أديب البارحة. هذا الأخير، كان قد وصل أوّل من أمس الى بيروت قادماً من المانيا بعد أن تمّ إبلاغه بالتوجّه لتكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.
المعلومات المتوافرة تُشير إلى أن تكليف مصطفى أديب أصبح شبه محسوم، خصوصًا أن المكوّن السنّي تبنّاه، ولكن أيضًا تجمع أديب علاقة قوية مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومع الوزير جبران باسيل حيث شارك مصطفى أديب في مهرجان للتيار الوطني الحرّ في حضور باسيل.
هذا الأمر، يدفع الى القول، أن مصطفى أديب سيحصد اليوم أصوات كل من ”المستقبل”، “حركة أمل”، “التيار الوطني الحرّ”، “حزب الله” والمردة. أمّا موقف ”القوات” و”الإشتراكي” فلم يصدر عنهما ايّ موقف، ويبقى رهينة السيناريو المطروح.
سيناريو الحكومة
تقول المصادر، أن السيناريو المطروح أن لا يتخطّى عمر الحكومة في حال تمّ تشكيلها بضعة أشهر، وذلك بهدف القيام بثلاث مهام أساسية:
-أوّلا : القيام ببعض الإجراءات الإصلاحية السريعة، بهدف إكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإنقاذ لبنان.
- ثانيا : تحضير مشروع قانون إنتخابي جديد سيكون محوره لبنان دائرة واحدة.
- ثالثا : الإشراف على الإنتخابات النيابية المُبكرة.
هذا الإتفاق هو نتاج التواصل الفرنسي مع كل من السعودية وإيران والذي أفضى الى إعطاء لبنان الفرصة الأخيرة، بعد أن كانت الأفق مسدودة بالكامل خصوصا أن المواقف الضبابية لبعض القوى السياسية وعلى رأسها “القوات اللبنانية” التي التقى رئيسها سمير جعجع السفير السعودي منذ يومين، والتي كان نوابها يتّجهون نحو مُقاطعة الإستشارات المُلزمة ومعهم “الحزب الإشتراكي” نتيجة عدم قدرتهم على حصد العدد الكافي من الأصوات لتكليف مُرشحهم نواف سلام على أن تكون الحكومة خالية من أي تمثيل حزبي خصوصا من “حزب الله”.
إلا أن مصدراً مُطّلعاً قال للديار، ان الضغط الفرنسي هو الذي أدّى الى ترشيح مصطفى أديب على أن يكون التأليف لاحقاً، خصوصا أن هذا التأليف محفوف بنفس التحدّيات التي واجهت حكومة دياب من ناحية التمثيل الحزبي. ويُضيف المصدر أن حزب الله يُصرّ على تمثيله وإن بشخصيات غير حزبية، كذلك الأمر بالنسبة الى التيار الوطني الحرّ الذي لن يتأخر في كشف أوراقه سريعاً مع مُطالبته بوزارات “الطاقة” و”الخارجية” و”العدل”. هذا الواقع سيُعيد سيناريو تأليف حكومة دياب الى الواجهة، وبالتالي يرى المصدر أن التأليف سيمّتدّ الى بعد الإنتخابات الأميركية.
لخطة انقاذية
وتؤكد مصادر اقتصادية مطلعة على مسار المفاوضات السابقة مع صندوق النقد الدولي، أن الأخير لا يزال ينتظر اقرار السلطتين التنفيذية والتشريعية للإصلاحات المطلوبة دولياً من لبنان، كما تؤكد هذه المصادر، أن لا مفرّ من اعتراف المؤسسات المالية والمصرفية بأرقام الخسائر المقدرة من قبل الصندوق والتي تضمنتها الخطة الحكومية للتعافي الإقتصادي. لذا، المطلوب خطة انقاذية مالية واقتصادية مع صندوق النقد وانهاء المفاوضات بسرعة لتصل المبالغ الموعودة الى لبنان.
هذا، وأكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الحكومة الجديدة ينتظرها برنامج كامل للإصلاح ضمن خطة إنقاذية للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
سيناريو إسقاط العهد
تقول مصادر مُطلعة متُشائمة على هذا الصعيد، أن لا شيء سيتغيّر عمليا مع تسمية مصطفى أديب. لذا، هناك سيناريو ينصّ على إسقاط العهد من البوابة الإقتصادية من خلال ضغوطات خارجية.
وينصّ السيناريو على زيادة الخناق على لبنان، من خلال وقف مجيء الدولارات بشكل شبه كلّي وهو ما سيضرب احتياط مصرف لبنان بشكل سريع مع الإبقاء على إمداد الشعب بمساعدات إنسانية تسمح له بالعيش بالحدّ الأدنى. هذا الواقع سيكون له تبعيات على صعيد الغضب الشعبي الذي سيتحوّل تلقائيًا ضدّ الرئيس عون وعهده.
ولا يُخفى على أحد أن خيار الشرق لتخطّي الأزمة الإقتصادية في هذه الحالة، سيُواجه من قبل الأميركيين بضغوطات كبيرة قد تصل إلى حدّ ضرب “إسرائيل” لأي باخرة أو شاحنة قد تأتي من الشرق، خصوصًا من إيران التي أبدت استعدادها لمساعدة لبنان. وتُظهر التحليلات أن الرئيس الأميركي الذي كان ينوي نزع لبنان من يدّ إيران قبل منتصف شهر أيلول، سيُكرّس نفسه للإنتخابات الأميركية التي ستجري في تشرين الثاني ومن بعدها سيُعاود (مع إرتفاع حظوظه في السباق الرئاسي) الضغط على لبنان، ممّا سيُعطي هذا الأخير جرعة “أوكسيجين” للملمة الوضع الداخلي. وبالتالي، لم يعد أمام الرئيس عون إلا إظهار المرونة في عملية التأليف، وذلك تفاديًا لسيناريو العزل الذي تحدّث عنه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والذي بتنا نرى تطبيقه على الأرض.
تعاميم مصرف لبنان
تزامنا مع التطورات، أصدر مصرف لبنان عددا من التعاميم التي تحمل الأرقام تعميم وسيط 567، 568، 569، والتعميم الأساسي رقم 154. وتكمن أهمية هذه التعاميم أنها تحوي على خطّة لإعادة النهوض بالقطاع المصرفي بمعزل عن كل ما يحدث على الصعيد السياسي. فالمصرف المركزي طالب المصارف برفع رأسمالها تحت طائلة الخروج من السوق، كما طالبها برفع سيولتها لدى المصارف المراسلة وداخلياً من خلال قرار يُعتبر مدخلاً لإستعادة الأموال المُهرّبة. هذا القرار ينصّ على الطلب من المودعين الذي حوّلوا أكثر من 500 ألف دولار أميركي إلى الخارج، أن يعمدوا إلى ردّ 15 % إلى المصارف المحليّة على أن يشمل القرار السياسيين، وأصحاب المصارف والمديرين التنفيذيين (30 %)… وإذا كان هذا القرار غير مُلزم قانونيا، إلا أن فتح تحقيق بشرعية هذه الأموال كفيل بدفع المعنيين بردّ هذه الأموال الى لبنان.
المُتضررون من هذا القرار، بدأوا حملتهم على حاكم مصرف لبنان خصوصا من ناحية الفوائد على هذه الأموال حيث يتّهم هذا البعض “المركزي” بمخالفة القوانين من ناحية التساوي بين المواطنين وغيرها من الحجج التي تخفي حقيقة واحدة وهي مدى تضرّرهم من هذا القرار.
أيضاً، يتساءل البعض عن أن يكون بعض هؤلاء ممن أخرجوا أموالهم من لبنان، وبالتالي، لا قدرة لمصرف لبنان على تطبيق تعاميمه قانونا! إلا أن المخرج القانوني ينصّ على فتح تحقيق لدى هيئة التحقيق الخاصة التي أعطاها القانون 55/2016 إمكانية تجميد هذه الأموال في الخارج وإستعادتها بإشراف القضاء بالطبع. من هذا المُنطلق، يُمكن وضع هذه التعاميم في خانة بين الترهيب والترغيب، خصوصًا أن المصرف المركزي طلب من المصارف إعطاء تعهد خطّي بإرجاع هذه الأموال بعد نهاية الخمس سنوات على أن تكون الحسابات التي ستوضع فيها غير خاضعة للقرار الأساسي 13100 والذي يُحدّد سقف الفوائد.
حسابيا، على 6 مليارات دولار أميركي خرجت من لبنان بعد تشرين الأول 2019، يُمكن القول، أن هناك ما يُوازي المليار إلى 1.8 مليار دولار أميركي ستعود الى لبنان في المرحلة المُقبلة، وهو ما سيُشكّل نفحة “أوكسيجين” للقطاع المصرفي وللإقتصاد اللبناني عامّة.
إجراءات حكومية ضرورية
هذه التعاميم، لا يُمكن لها وحدها أن تُخرج لبنان من أزمته، وبالتالي، هناك إلزامية وجود حكومة للقيام بإصلاحات تُخفّض من عجز الموازنة وتُرسي الحوكمة الرشيدة في القطاع العام، وتؤسّس لإقتصاد مُنتج. هذه الإجراءات إذا ما تمّت (بالإضافة الى تعاميم المركزي) تعفي لبنان من حاجته الهائلة الى دولارات خارجية والى طبع الليرات التي تفتح الطريق أمام انزلاق غير مسبوق للتضخّم المُفرط.
عملياً، لا تزال الحسابات السياسية أقوى من الوعي الإقتصادي لدى المسؤولين، وبالتالي، فإن سيناريو حلّ خارج إطار الصراع الإقليمي هو أمر يستبعده بعض الخبراء السياسيين، ويفرض ترفّع هائل من قبل المعنيين. وبالتالي، فإن التوقّعات هو الذهاب نحو سيناريو تشاؤمي يبدأ بفوضى أمنية وأزمة إقتصادية خانقة وصولا الى حرب أهلية كان قدّ نبّه منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بإنتظار ما ستؤول اليه المُعطيات السياسية، يعيش المواطن حالة من عدم اليقين بمستقبل أقلّ ما يُقال عنه أنه سوداوي، وبين ظروف إقتصادية خانقة بدأت ملامحها بترك أثار إجتماعية مع طلبات هجرة بمئات الألوف.