كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: على رغم الهم الطاغي نتيجة جائحة كورونا التي ما تزال تقضّ مضاجع اللبنانيين، فإنّ احداث امس كشفت عن وجود فجوات عميقة بين اهل السلطة على مستويات عدة تتخفّى وراء الخلاف الناشب على كثير من الملفات وفي مقدمها الملفين المالي والمصرفي وخطة الحكومة الاصلاحية الاقتصادية والمالية، والمساعدات المقررة للعائلات المحتاجة، والتي على هزالها قد لا تصل الى أصحابها قبل زوال الوباء الكوروني.
وفيما نعى رئيس مجلس النواب نبيه بري الهيركات داعياً الى قراءة الفاتحة عليها بعد دفن “الكابيتال كونترول”، شنّ رئيس الحكومة حسان دياب هجوماً دفاعياً مستغرباً “الحملة السياسية التي تعرضت لها الحكومة تحت عنوان رفض “الهيركات”، في الوقت الذي شنّ مصرف لبنان هجوماً مضاداً على جزء من الخطة الانقاذية التي وضعت الحكومة مسودتها الاولى.
وعلمت “الجمهورية” أنّ البحث انطلق عن بدائل لـ”الهيركات” وانّ هناك مسعى جدياً لتشكيل نوع من تحالف عابر للكتل السياسية للتصدي لأي احتمال للاقتطاع من اموال المودعين وفي المقابل طرح بدائل للهيركات على المجلس النيابي.
وقال مشارك بارز في هذه المبادرة لـ”الجمهورية”: “انّ البدائل موجودة، وانّ اي خطة ستطرح يجب ان ترتكز على إحصاء جدي ورسمي لموجودات الدولة ومصرف لبنان والمصارف قبل الشروع في اي اجراء تنفيذي”. وأضاف: “انّ الاكتفاء برفض الهيركات يبقى ناقصاً ما لم يطرح شيء بديل، وان على الدولة ان تتحمل المسؤولية الاكبر، وان تتشارك مع مصرف لبنان والمصارف والمالية العامة لإنتاج الحلول وليس مصادرة اموال الناس لأنها ترتكب بذلك مخالفة دستورية اولاً، وتقضي على اي إمكانية لاستعادة الثقة بلبنان وبالنظام المالي والمصرفي، اضافة الى انها تدمّر ما بقي من اقتصاد، وبذلك يصبح خيار الهيركات المرفوض خياراً انتحارياً”.
وعلمت “الجمهورية” انّ رئيس الحكومة حسان دياب سيوجّه كلمة الى اللبنانيين غداً يتحدث فيها عن ازمة كورونا وخطة الاصلاح المالي.
وقد استغرب دياب، خلال جلسة مجلس الوزراء برئاسته أمس “الحملة السياسية التي تتعرّض لها الحكومة تحت عنوان رفض “الهيركات”، مؤكّداً أنه سيتناول “هذا الموضوع بشكل مفصّل في وقت قريب، ولن ندخل في سجال لأننا سنردّ بطريقة علميّة من دون استنفار العصبيّات”.
وقال: “يكفي اللبنانيين أزمات متراكمة وأزمات مستجدة، وهُم لم يعودوا يتحملون استخدامَهم متاريس بشريّة خدمةً لمصالحَ شخصية”.
وتناول دياب توزيع المساعدات المالية، مشيراً إلى أنّ “الحكومة استعجلت التحضيرات لتوزيع المساعدات المالية على العائلات المحتاجة، لكن بعد عملية التدقيق التي قام بها الجيش اللبناني، تبيّنَ أنّ اللوائح التي قدّمتها بعض القطاعات تتضمّن أخطاء كبيرة وكثيرة. لذلك، سنُضطر إلى تأجيل توزيع المساعدات في انتظار انتهاء الجيش من تنقيح اللوائح”.
بري
في هذا الوقت بَدت عين التينة متحفزة امام أولويتين:
ـ الأولى عقد جلسة تشريعية لإقرار جملة من القوانين الملحة، وثمة خيارات عدة تدرس لطريقة عقد هذه الجلسة إن بالشكل التقليدي من خلال انعقاد الهيئة العامة في مبنى المجلس، او من خلال عقد جلسة عن بُعد، وفق التقنيات المتاحة.
ـ الثانية، أولوية حماية أموال المودعين، وضرورة السعي لإعادتها إلى أصحابها بعيداً عن أي خطوات او إجراءات تمس بها.
واذا كان بري قد أطلق الرصاصة الأخيرة على “الهيركات”، ونعاها نهائياً، إلّا أنه ما زال ينتظر من الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة في قطاعات عدة، وفي مقدمها قطاع الكهرباء، الذي ان استمر على ما هو عليه فمعنى ذلك أننا نفتح المجال لعجز إضافي بنحو ملياري دولار، علماً انّ هذه الخطوات الاصلاحية لا ينتظرها اللبنانيون فقط بل المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، تبعاً للوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها. وبالتالي، فإنّ الكرة في ملعب الحكومة.
ودعا بري امام زواره امس الى “قراءة الفاتحة على “الهيركات” والترحّم عليه مثلما جرى الترحّم على “الكابيتال كونترول”، لافتاً الى أنّ “الأمور إذا سلكت طريقها الطبيعي يُمكن تحقيق الانقاذ، على رغم أنّه ليس سهلاً ولكنّه ليس مستحيلاً”، ومشدداً على “وجوب السير في الإصلاحات وتطبيق القوانين على الجميع، خصوصاً في موضوع الفساد ومكافحة الهدر وإصدار القوانين المطلوبة، شرط عدم المس بأموال المودعين التي هي قدس الأقداس”.
وإذ سأل عن “طريقة تغطية الفجوة المالية المقدرة بنحو 59 مليار دولار، وهل ستتم بأموال المودعين؟”، أشار الى أنّ “هناك أموراً عدة يمكن اللجوء إليها من مكافحة الفساد وسدّ أبواب الهدر والحسم من الفوائد وضخ سيولة جديدة بعد دمج المصارف وتنقيتها”، مؤكداً أنّ “هذه إجراءات وأفكار لا يمكن حتى صندوق النقد الدولي أن يرفضها، وهي تعيد الثقة وتجعل الخارج ينظر إلينا بطريقة مختلفة”. وأكد “ضرورة أن نخطو على المستوى الداخلي خطوات تقنع الخارج وإلّا ستكون المساعدات على باب الله”. وجزم بأنّ “الخطة الاقتصادية التي يتمّ مناقشتها في مجلس الوزراء ليس وزير المال مَن اقترحها، وهو لم يقل أيّ كلمة في موضوع الهيركات”.
وكان بري قد ترأس اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس خُصّص لدرس القوانين المحالة من الحكومة والقوانين المعجلة المكررة المتراكمة. وأشار نائب رئيس المجلس النائب إيلي الفرزلي، بعد الاجتماع، الى أنّ بري ينوي الدعوة الى جلسة تشريعية إذا توافرت الظروف، وفقاً للمخطط المرسوم قبل شهر رمضان.
”هجوم مضاد” لمصرف لبنان
الى ذلك، دخل مصرف لبنان امس على خط النقاشات والجدل الدائر حول الخطة الانقاذية التي وضعت الحكومة مسودتها الاولى، من خلال هجوم مضاد شنّه على جزء من الخطة يرتبط بإعادة هيكلة البنك المركزي.
وفيما تحدثت الخطة عن “خسائر” ضخمة في مصرف لبنان ينبغي تعويضها، رفض الأخير هذا الكلام، وأكد في بيان أصدره انّ هذه الارقام لا يمكن اعتبارها بمثابة خسائر، وفق المعايير المحاسبية العالمية المعتمدة في المصارف المركزية، بل تدخل ضمن المطلوبات والموجودات، ويمكن تغطيتها من مخزونات مؤقتة أو محدّدة، يتم ترحيلها إلى السنة أو السنوات التالية، وربما يتم تعويضها مقابل جزء أو كل الأرباح السنوية المستقبلية. وقد ينتج عن ذلك حقوق ملكية سلبية بانتظار استكمال العملية.
وشرح مصرف لبنان انه “خلال الأزمات المالية، قامت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بعدد من العمليات غير التقليدية ذات الحجم غير المسبوق”. وبالتالي، اعتبر انّ ما يوصف بأنه خسائر يُسجّل “ضمن الاصول التي تمثّل قيمة الحسم في التحويلات المستقبلية إلى الخزانة اللازمة لإعادة بناء الاحتياطات”.
حمود لـ”الجمهورية”
وفي السياق، أشار الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”الجمهورية” الى انّ النظام المحاسبي الخاص بالمصارف المركزية يسمح لها بتحويل أرباحها وخسائرها الى موجودات ومطلوبات، تظهر في موازنتها العمومية، بحيث تصبح الخسائر موجودات لها والارباح مطلوبات لها. وشرح “انّ البنك المركزي في موجوداته ومطلوباته هو ملك الدولة وجزء من وجودها. وبالتالي، مخطئ من يظنّ انه بشَطب مديونية الدولة تجاه المركزي يعني انّ مديونية الدولة انخفضت، وبالتالي على الدولة ان تطلب من البنك المركزي المساعدة في إيجاد الحل لمشكلتها، والتي تتمثّل بديونها الكبيرة وعدم قدرتها على الاستمرار في دفع خدمة الدين، على أن تبدأ المعالجة أولاً من خدمة الدين، كما على الدولة ان تطلب من المالية تأمين التوازن في ماليتها”.
كورونا
وفي جديد جائحة كورونا اعلنت وزارة الصحة امس تسجيل 9 اصابات جديدة مثبتة ليرتفع العدد الاجمالي للاصابات الى 641، وذكرت ان 7 من الاصابات المسجلة هي للمقيمين في لبنان، بينما تم تسجيل حالتين من اللبنانيين الوافدين الخارج. ولفتت الى تسجيل حالة وفاة ليرتفع عدد الوفيات الى 21 منذ انتشار المرض في 21 شباط الفائت. وأعلنت أن الفحوص التي أجريت للركاب الذين وصلوا أمس في 13 نيسان في الرحلات الآتية من كل من باريس وجدة والغابون جاءت كلها سلبية.
الاجتماع الامني
وفي سياق متصل قالت مصادر شاركت في الاجتماع الأمني الموسّع في السراي الحكومي برئاسة دياب، امس، انه جرى تقويم التدابير المتخذة في مختلف المناطق تحت مظلة التعبئة العامة، وكان هناك توافق بين قادة الأجهزة على أنّ مستوى التقيّد الشعبي بتلك التدابير مقبول، مع تسجيل نقطة ضعف أساسية، في الشمال.
وفي معرض التدقيق في الأسباب الكامنة خلف الخرق الواسع لقواعد التعبئة في الشمال، علم انّ المجتمعين توصّلوا إلى استنتاج مفاده أنّ الوضع الاقتصادي السيئ جداً هو الذي يدفع كثيرين في تلك المنطقة الى تحدي أنفسهم وكورونا والدولة والإجراءات سعياً الى تحصيل لقمة العيش.
واعتبر المجتمعون أنّ الحل ليس أمنياً فقط، بل انّ مدخله العريض يكون بمعالجة الواقع الاقتصادي والتخفيف من وطأته الحادة على الناس.
وتقرر الاستمرار في التدابير المتخذة، وفق الوتيرة الحالية، على أن يتقرر لاحقاً التخفيف منها او التشدّد بها، تبعاً للمنحى الذي سيتخذه كورونا في الفترة المقبلة.
تعليق الرحلات
وعلمت “الجمهورية” انّ قرار تعليق الرحلات لمدة اسبوعين لم يأت على خلفية ارتفاع عدد الاصابات في صفوف اللبنانيين القادمين من الخارج والذي اعتبر معدلاً مقبولاً، إنما لإفساح المجال امام الاختبارات العشوائية التي ستحصل في مختلف المناطق اللبنانية، حيث تقرر ان تبدأ هذه الاختبارات في 3 محافظات رئيسية هي: عكار والشمال والبقاع حيث سيعطى لكل محافظة 500 فحص PCR يومياً على مدى اسبوع، ومن المتوقع ان تصل دفعة من هذه الفحوص اليوم عبر طائرة مساعدات خاصة قادمة من الصين تحمل 3000 فحص PCR و200 ميزان حرارة سيتم توزيعها، بحيث يصبح مخزون الـ PCR لدى وزارة الصحة 15000. والهدف من هذه الحملة هو معرفة العدوى المجتمعية وتحديد نسبة الوباء في كل منطقة، تمهيداً لاتخاذ اجراءات اكثر تشدداً ولكي يتسنّى للطواقم الطبية والفرَق الموجودة على الارض تنفيذ خطة الحكومة لعودة اللبنانيين من الخارج كي يرتاحوا ويتّبعوا اجراءات الوقاية والحجر.
وفي معلومات “الجمهورية” انّ لجنة المغتربين لم تتخذ قراراً بفتح الحدود بين لبنان وسوريا، وأبقت على الحدود البرية مقفلة أقله لمدة 14 يوماً، وهو تاريخ تعليق الرحلات الجوية.