كتبت صحيفة الجمهورية تقول: فيما يرتفع يومياً عدد الإصابات بالعشرات بفيروس كورونا، ترتفع وتيرة الإجراءات الطبية والوقائية في بيروت والمناطق ويغيب عن الاهتمام أيّ شأن سياسي ويستقر الاهتمام بالشأن الاقتصادي والمالي في الدرجة الثانية، لتتأرجح البلاد بين الأهم والمهم. الأهم هو صحة اللبنانيين المهددة بالوباء القاتل الذي تأكد انه تسرّب الى البلاد من مصادر عدة ومازال يتفشى يومياً، والمهم هو الازمة الاقتصادية والمالية التي تنتظر الخطة الاصلاحية الحكومية ليبنى على الشيء مقتضاه من موضوع حصول لبنان على القروض والمساعدات الموعودة، والتي بدأت تسود مخاوف على ضياعها تحت وطأة الانشغال العالمي بوباء “كورونا” والانهيار الحاصل في الاسواق المالية العالمية والتدني الكبير في أسعار النفط والغاز.
فيما تتواصل الاجراءات الوقائية والطبية لمكافحة فيروس كورونا في البلاد مشفوعة بالتدابير التي تتخذها القوى الامنية والعسكرية في مختلف المناطق، إرتفع امس عدد المصابين بهذا الوباء ليبلغ 304 اصابات بعد تسجيل 37 اصابة جديدة، وسجّل حتى الآن شفاء 8 مصابين ووفاة 4 آخرين منذ تفشّي الوباء حتى الآن. وينتظر ان يمدد مجلس الوزراء في جلسته غداً فترة التعبئة العامة لأسبوعين اضافيين، نتيجة استمرار تسجيل اصابات جديدة يومياً.
أوّل اشتباك
وكان مجلس الوزراء شهد في جلسته امس للمرة الاولى منذ تشكيل الحكومة كباشاً سياسياً تركّز حول مشروع قانون “الكابيتال كونترول”، الذي كان مقرراً في الجلسة السابقة ان يقدّم الوزراء ملاحظاتهم المكتوبة عليه تمهيداً لإقراره في جلسة غد.
وعلمت “الجمهورية” انّ رئيس الحكومة حسان دياب، وبعدما أعطى الكلام لوزير المال غازي وزنة للبدء بقراءة المشروع ومناقشته، وقف الاخير وأعلن سحبه من جدول الاعمال، مؤكداً أنه لم يعد يرغب السير به، فسأله رئيس الحكومة: لماذا؟ فأجاب: “هناك ملاحظات كثيرة عليه، وأنا ما بَقا بدّي إمشي فيه”. وتدخّل وزير الزراعة عباس مرتضى قائلاً: “وفق المادة 174 من قانون النقد والتسليف فإنّ هذا الامر هو من صلاحيات حاكم مصرف لبنان، لماذا نتحمّله نحن كحكومة ونشرّع مخالفات للمصارف؟”. وردّت وزيرة العدل ماري كلود نجم: “انّ هناك اموراً ايجابية فيه واموراً سلبية، صحيح أنّ القانون هو ليس من صلاحياتنا ولكن نحن نستطيع ان نقرّه”.
وسانَد وزير الاقتصاد راوول نعمة وزيرة العدل مدافعاً عن القانون، وعندها طلب دياب من الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكية استكمال تلاوته، فتدخّل وزير الصناعة عماد حب الله سائلاً: “لماذا الاستمرار في مناقشته طالما أن ّصاحب الملف سَحبه، خصوصاً انه مخالف للقانون ونحن لا نريد ان نقدم خدمة للمصرفيين ضد اصحاب الودائع”. هنا توجّه دياب الى وزير المال قائلاً: اذا سحبنا هذا المشروع وأحضرنا النسخة الاولية التي قدّمتها فهل تقبل به؟ فردّ وزنة رافضاً، وقال: “لم يعد هذا مشروعي الاساسي الذي قدمناه لأنكم أدخلتم عليه تعديلات كثيرة”. وهنا غضب رئيس الحكومة ورفع الجلسة.
وقالت مصادر وزارية لـ “الجمهورية”: “انّ القانون المقدّم للكابيتال كونترول عرّابه وزير الاقتصاد راوول نعمة، الذي أعدّه بالتنسيق مع وزيرة العدل ورئيس الحكومة وجمعية المصارف، وهو “من الآخر” لحماية المصارف. وسألت المصادر: “لماذا نقاتل من أجل المصارف ونشرّع سقوفات سحب الودائع والتحكّم بها؟ ولماذا نحوّل السيف المرفوع على رقاب أصحاب المصارف سيفاً مرفوعاً على اصحاب الودائع؟ فبدلاً من أن نعطي المودع حق سحب كل امواله نحن نقلّص له هذا الحق ليصبح على المبلغ المُتاح من المصرف فقط والذي تحكم به بطريقة غير شرعية. فلماذا نمنع عليه تحرير امواله ونحجز عليها لمدة معينة؟ هذا الامر مخالف للقانون، والحكومة لا صلاحية لها به. ونقول لمن يدّعي انّ الحكومة أتت من رحم الثورة لتجنّد نفسها لخدمة المصرفيين ضد المودعين وتحجز أموالهم لمدة 4 سنوات، إنما يظلم الناس. لقد أريدَ من خلال هذا القانون المنسّق بين الحاكم والمصارف تحميله للحكومة وإعطاؤه غطاء حكومياً، وهذا ما لم نقبل به. لقد كشف مشروع القانون هذا المصرفيين داخل الحكومة الذين يعملون لمصلحة المصارف وتشريع ما ارتكبوه من مخالفات بحق المودعين، فهل يقبل رئيس الحكومة ان يكون شريكاً لوجه المودعين؟
ورجّحت المصادر ألّا يُعاد البحث في هذا المشروع، وان يكون قد سحب حالياً من التداول، لكنها تخوّفت في المقابل من “ان تقوم المصارف بردّات فِعل انتقامية تجاه المودعين، وهي أصلاً بدأت بها مع تخلّف الدولة عن سداد ديونها لصالحها.
رواية ثانية
وفي رواية ثانية، قالت مصادر وزارية لـ “الجمهورية” انّ مشروع “الكابيتال كونترول”، كما كان مطروحاً، واجَه اعتراضات قوية من مراجع رسمية وجهات سياسية، ما دفعَ وزير المال الى طلب سحبه من على طاولة مجلس الوزراء. ولفتت الى انّ المشروع كان في عدد من جوانبه يراعي مصالح المصارف ويشَرعن سياسة التقنين المالي التي تعتمدها، على حساب المودعين وحقوقهم. وأشارت المصادر “انّ المصارف تفرض حالياً وبقوّة الأمر الواقع قيوداً غير مشروعة على السحوبات والتحويلات”، وتساءلت عن “الحكمة في أن تتم قَوننة تلك القيود المخالفة أصلاً للدستور، وتحويل القانون الجديد سيفاً مرفوعاً على رؤوس المودعين، بدلاً من ان يبقى الضغط متركّزاً على المصارف بسبب عدم انتظامها تحت سقف الاصول َوالموجبات المترتبة عليها في تعاطيها مع المودعين”. وكشفت المصادر “ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ” أقرّ بأنّ مشروع الكابيتال الكونترول هو لمصلحة المصارف”.
وأوضحت اوساط مطلعة انّ مشروعاً آخر سيكون موضع درس في مجلس الوزراء لاحقاً، الّا انها استبعدت ان يتم ذلك قريباً لأنّ الشروط السياسية تبدو غير متوافرة حالياً لإقرار الكابيتال كونترول، تجنّباً لتكريس مخالفات الأمر الواقع السائد”.
التعبئة ومساعدة المنكوبين
وفي سياق البحث في أزمة كورونا وما آلت إليه حتى الآن في ظل الاجراءات المتخدة، علمت “الجمهورية” انه تم اتخاذ قرار بتمديد التعبئة العامة لمدة اسبوعين إضافيين بعد التاسع والعشرين من هذا الشهر، مع الاستمرار في اقفال المطار والحدود البرية والبحرية والمائية، وسيعلن عن هذا الامر في جلسة مجلس الوزراء المقرة غداً.
وعلمت “الجمهورية” انّ وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية طرح في مستهل الجلسة خطة لمساعدة العائلات المنكوبة، طالباً مبالغ مالية لتأمين حصص غذائية لها، فأبلغه رئيس الحكومة انه نسّق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لتعديل المادة 32 من قانون البلديات بشكل يتيح لها استخدام الاموال المخصصة لها في تقديم مساعدات غذائية واجتماعية.
وخلال الجلسة أبلغ وزير الزراعة الى المجلس أنه يتلقى اتصالات عدة من أصحاب مزارع البقر الذين يتكبّدون خسائر كبيرة من جرّاء الحجر المنزلي والاقفال، فقرر السماح لهم بنقل الحليب من المزارع الى المعامل شرط ألا يكون داخل آلية النقل أكثر من شخصين والسائق ضمناً. كذلك بالنسبة الى مراكز تربية النحل في نقلها والاعتناء بها. وسمحَ لأصحاب محلات الطيور ان يفتحوا للاهتمام بالطيور في وقت الخدمة فقط وتقديم الطعام والشراب من دون إتمام حركة بيع او غير ذلك.
وعلمت “الجمهورية” انه تقرّر تخصيص مبلغ يفوق الـ 15 مليار ليرة لتأمين حصص غذائية ستوزّع على اكثر من مئة الف عائلة موزّعة على كل البلدات اللبنانية، وستقدم لكل عائلة سلتان، واحدة غذائية وأخرى للتعقيم والتنظيف قيمتهما 180 الف ليرة. وسيكون عدد المستفيدين منها نحو 500 الف شخص باحتساب العائلة مؤلفة من 5 افراد، وسيتم تعقيم الحصص الغذائية في وزارة الشؤون الاجتماعية قبل توزيعها.
وقد أعلن وزير الشؤون رمزي مشرفية أنّ تنفيذ هذه العملية سيتم عبر البلديات والمجالس الاختيارية في القرى بإشراف مراكز الخدمات الانمائية وفروعها والجيش اللبناني، وبالاستعانة مع “داتا” برنامج العائلات الاكثر فقراً بعد فلترتها.
وعلمت “الجمهورية” انّ جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً مؤلف من 11 بنداً، وهناك اتجاه الى تعيين نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة ولجنة الرقابة على المصارف والاسواق المالية.
الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية
إقتصادياً ومالياً، يُفترض أن يكون مشهد إقدام صاحب سيارة الأجرة على حرق سيارته أمس، بعد تحرير محضر مخالفة في حقه بسبب نقله أكثر من راكب في سيارته العمومية، بمثابة جرس إنذار للحكومة لكي تَعي عمق الأزمة المالية والمعيشية التي يواجهها قسم كبير من اللبنانيين، خصوصاً مع بدء كارثة كورونا، التي جاءت بالتزامن مع أزمة ركود اقتصادي مخيف، مصحوباً بإعلان الدولة اللبنانية إفلاسها، وعدم قدرتها على دفع ديونها.
في هذا المناخ المأزوم، تمضي وزارة الشؤون الاجتماعية في رسم معالم خطة المساعدات للعائلات المنكوبة، وهي الخطة التي يفترض ان يبدأ تنفيذها قريباً جداً، وفق ما كشفت مصادر متابعة لـ”الجمهورية”.
وأوضحت المصادر نفسها انّ إحصاء العائلات المُحتاجة سيبدأ من خلال لوائح الأكثر فقراً المتوافرة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن سيتمّ تعديلها لتشمل عائلات جديدة، أصبحت ضمن عديد المحتاجين جرّاء الأزمة الأخيرة، وسيتمّ دمجها مع اللوائح التي تعمل عليها البلديات حالياً، من أجل إيصال المساعدات الى أكبر عدد ممكن من الاشخاص.
وأوضحت المصادر انّ تمويل برنامج المساعدات سيتمّ من خلال مصادر عدَّة تتضمّن مساهمة حكومية، وتبرعات من أفراد، ومساهمات من المنظمات الدولية سواء عبر هبات أو قروض.
إحتياطي مصرف لبنان
في الملف المالي، وبعدما ساد جدل في الاوساط القانونية والمالية حول قانونية استخدام الاحتياطي الالزامي الموجود في مصرف لبنان، أكدت دراسة قانونية تنشرها الجمهورية، انّ القانون لا يسمح باستخدام هذا الاحتياطي، ولو انّ الأزمة خانقة والظرف استثنائي.
وهذه الدراسة تعني انّ مصرف لبنان، الذي تبيّن انه يملك حالياً حوالى 23 مليار دولار، لا يستطيع ان يتصرّف سوى بمبلغ 5 مليارات دولار. امّا ما تبقّى (18 مليار دولار) فهو مجموع الاحتياطي الالزامي الذي أودعته المصارف مقابل الودائع الموجودة لديها. هذا الاحتياطي، وفق الدراسة القانونية، لا يمكن التعاطي معه كأنه مجرد وديعة، كما هي حال شهادات الايداع. وبالتالي، فإنّ التصرّف في هذا الاحتياطي لا يعني فقط هدر ما تبقّى من ودائع الناس، بل يعتبر ايضاً مخالفة قانونية، مع ما يَستتبع ذلك من مسؤولية يتحمّلها من يتخذ قرار التصرّف بهذا الاحتياطي.
التشريع الإلكتروني
على الصعيد التشريعي، وفيما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عزمه “عقد جلسات نيابية تشريعية ورقابية اذا اقتضى الأمر، من خلال تقنية الفيديو كونفرنسنغ video conferencing عبر مؤسسات متخصّصة، الأمر الذي يوفّر وقتاً وكلفة انتقال الأشخاص الى مكان واحد، علمت “الجمهورية” انّ فريق “تكنولوجيا المعلومات”، أي الـIT الخاص بالموقع الالكتروني الرسمي للبرلمان، تواصَل مع النائب نديم الجميّل بصفته رئيس لجنة التكنولوجيا والمعلوماتية وبدأ العمل على تنظيم برنامج تطبيقي إلكتروني لعقد جلسات إلكترونية للنواب فيما بينهم واستئناف العمل التشريعي في البرلمان، والعمل جار على قدم وساق لخلق منصّة تواصل إلكترونية بين رئيس المجلس والهيئة العامة النيابية.