أوصى المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، “التعبئة العامة” لمواجهة الحالة الطارئة التي فرضها تفشّي فيروس “كورونا.
ولكن ماذا يعني “إعلان التعبئة العامة” وبماذا تختلف عن حال الطوارئ؟
ينص الدستور على حالتي إعلان حالة الحرب والتعبئة العامة في البلاد، وهي صلاحية منوطة بمجلس الوزراء ضمن المواضيع الـ 14 التي تحتّم على الحكومة إتّخاذها بموجب ثلثي عدد الأعضاء الذين يؤلّفونها قانوناً، لأنّ الموضوع يعتبر من المواضيع الأساسية وذات أهمية كبيرة ويشمل الأراضي اللبنانية كافّةً أو بعضاً منها وفقاً للقرار الذي يصدر.
لكن الإختلاف يبدو واضحاً بين إعلان حال الطوارئ الذي يعني أن تتولّى السلطة العسكريّة العليا زمام الوضع، وبين إعلان التعبئة العامة الذي يشير الى خطر داهم معيّن على البلاد والناس أو على قطاع معيّن، كالصحة، ويهدف إلى تنفيذ كل الخطط التي وضعتها الحكومة، ومنها فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتوزيعها والإنتاج الصناعي والمواد الأوليّة، وتنظيم ومراقبة وسائل النقل وكل ما يمتّ إلى الإتصالات أيضاً، فضلاً عن أحكام واسعة ترتبط بمصادرة الأشخاص والأموال أو فرض خدمات على أشخاص معنويين، كالإدارة المباشرة من الدولة على القطاع الإستشفائي أو الصحي أو الإستهلاكي لفترة معيّنة.
لذلك فإن حالة التعبئة تنطبق على كل ما يتعرّض له لبنان جراء فيروس كورونا والذي بات يهدّد كامل الأراضي اللبنانية، ويشمل كافة القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة وتحوّله إلى خطر داهم يهدّد حياة اللبنانيين.
وإذا كان هناك مَن يعتقد بأن التعبئة العامة محدودة في موضوع معيّن وعند انتهائه تنتهي هذه التعبئة بقرار من مجلس الوزراء، وأنّ حال الطوارئ لها صلاحيّات واسعة للسلطة العسكريّة، لكن وبالعودة الى قرار حكومة الرئيس دياب باللجوء إلى التعبئة العامة في البلاد نعتبر أن التعبئة العامة ليست المرادف التنفيذي لإعلان حالة الطوارئ وإن كان من شأن التعبئة العامة أن تمنح الجيش صلاحيات استثنائية ميدانياً، وتصبح معها القوانين المدنية كأنها معلّقة، فيما القرار طوع السلطة التنفيذية التي تصدره في شأن القطاعات في البلاد، ومنها قطاعات الإنتاج المتعلّقة بالطاقة وتوزيع الطحين والأدوية على سبيل المثال.
وللحكومة في ظلّ هذه التعبئة أن تتّخذ تدابير خاصة في شكل مباشر، والأساس هو أن يكون التنفيذ في عهدة القوى المسلّحة لأهداف محدّدة. إذ قد يتطلّب الأمر حظر التجوّل في أماكن معينة أو ساعات معينة أيضاً، أو منع التجوّل من ساعة الى ساعة وتعطيل كل الإدارات العامة باستثناء إدارة ما أو أكثر وحظر.
إن “قانون الدفاع الوطني” يدمج حالتي إعلان الطوارئ والتعبئة العامة من حيث الشكل، ولكن مع تغيير كبير في المضمون لجهة الصلاحيات الممنوحة للقوى المسلحة. فالقانون لا ينصّ على أنه في حالة إعلان التعبئة يتم تسليم القوى المسلّحة زمام الأمور، إلا أنه يؤكد على جملة من الأحكام التي يمكن لمجلس الوزراء اتّخاذها، بعد العودة إلى المجلس الأعلى للدفاع، ومنها مراقبة النقل ومصادرة “الأشخاص والأموال”، وفرض بعض الأعمال على الأشخاص المعنويين والحقيقيين.
وفي هذا الإطار، تنصّ المادة الثانية من قانون الدفاع الوطني، على أنه “إذا تعرّض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر”، يمكن إعلان:
أ- حالة التأهب الكلي أو الجزئي للحد من تعرض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة.
ب – حالة التعبئة العامة أو الجزئية لتنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة.
ويشير البند الثالث من البند نفسه إلى إمكانية إعلان أحكام خاصة تهدف إلى:
أ – فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها.
ب – فرض الرقابة على المواد الأولية والإنتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها.
ج – تنظيم ومراقبة النقل والإنتقال والمواصلات والإتصالات.
د – مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين. وفي هذه الحالة، تراعى الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ.
لقد إرتفع وباء كورونا الى مستوى التحدي في العالم وهو ما يتطلب أعلى درجات الإنتباه والحيطة عند اللبنانيين والتوقف عن المزايدات السياسية والعمل بمسؤولية وطنية من خلال التعاون مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية المولجة بتطبيق الإجراءات التنفيذية الكفيلة للحد من انتشار فيروس كورونا فيما يبقى تعاون المواطن الأساس في تخطي هذه المحنة التي تضاف على أوضاعه المعيشية الصعبة.