كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تنطلق الحكومة اليوم في اسبوعها الثاني بعد نيلها الثقة لتحضير الخطوات العملية للبدء بالمعالجة الفاعلة للأزمة الاقتصادية والمالية التي تُشغل اللبنانيين وتثير المخاوف من الانهيار، متسلّحة بالمواقف السياسية الداعمة لها، والتي عبّر عنها صراحة امس الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بدعوته الجميع الى اعطائها “فرصة منطقية معقولة لتمنع الانهيار والسقوط”. في مواجهة الدعوات الى شيطنتها، التي يُطلقها البعض في هذا الصدد، مستنداً الى بعض المواقف الخارجية الضبابية إزائها. فيما يُنتظر ان يشكّل الحراك الشعبي الرقيب الدائم على الحكومة لدفعها الى الانجاز، والتي لم يمحضها الثقة، وسيبدأ اليوم جولة جديدة من الاعتصامات والتحرّكات والضغط لإستصدار قرار بحماية الودائع المصرفية واسترجاع مبلغ الـ 27 مليار دولار التي حُوّلت الى الخارج العام الفائت.
يبدأ الاسبوع الجاري اقتصاديا ومالياً من حيث انتهى الاسبوع الفائت، في التركيز على ملف استحقاق اليوروبوند في 9 آذار المقبل، والقرار الذي ستتخذه الحكومة حيال الدفع، او طلب التأجيل، وبدء التفاوض مع المقرضين.
والى ذلك، يُتوقّع ان يطفو الى السطح موضوع التعاون مع صندوق النقد الدولي الذي يصل وفد منه الى بيروت لتقديم الدعم التقني، بناء على طلب لبنان مشورة الصندوق حيال معالجة الأزمة المالية الحادة. وبناء على ما سيعرضه صندوق النقد، يمكن ان تتطوّر الامور لاحقاً، لجهة اتخاذ قرار بالتعاون مع هذه المؤسسة الدولية لرسم ودعم وتنفيذ خطة انقاذ شاملة يحتاجها لبنان بإلحاح وسرعة.
وفي معلومات لـ”الجمهورية”، انّ لبنان يعمل على تكوين ملفه في شأن سندات اليوروبوند، ليس كمسألة منفصلة عن وجوه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة على اكثر من مستوى للبحث مع وفد صندوق النقد في ما يجب اتخاذه من قرارات لمواجهة الوضع والخروج من النفق. ولفتت مصادر مطلعة، الى انّ الأزمة على الابواب وانّ البتّ بالدفعة الأولى من سندات اليوروبوند في التاسع من الشهر المقبل لا يمكن البحث فيه بمعزل عن الدفعتين الأخريين، فمصيرهما واحد ولا يمكن تجزئته، وهو ما يفرض ضرورة اتخاذ قرار سريع وغير متسرّع.
في المقابل، قالت المصادر نفسها لـ”الجمهورية”، انّ ممثلي صندوق النقد الدولي في بيروت انجزوا الدراسات الأولية ووُضعت على خط التشاور مع إدارة الصندوق تمهيداً لمفاوضات مجدية وسريعة في بيروت، لأنّ الوقت لا يسمح بكثير من التريث والتمهل في اتخاذ القرار الحاسم سلبًا ام ايجابًا.
الكهرباء
والى ذلك، يُنتظر ان تولي الحكومة ملف الكهرباء اهتماماً كبيراً في سياق معالجة الازمة المالية، لانّ هذا الملف هو في رأي الجميع المسبب الرئيسي للأزمة، حيث يستنزف مالية الدولة ملياري دولار سنويًا منذ سنوات طويلة. وفي هذا الصدد، يردّد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره “أنّ أي معالجة نقدية، ووقف تفاقم الأزمة وتنامي الدين، لا تستقيم ابدًا من دون إيجاد حل جذري للكهرباء”.
ويؤكّد أنّه ذاهب الى معركة الكهرباء، وأنّ قراره ان “لا صوت في المرحلة المقبلة، يعلو فوق صوت معركة توفير الكهرباء، بأسرع ما يمكن وبأرخص ما يمكن”. معتبراً “أنّ الحل الأمثل لهذه المشكلة، هو بناء معملين دائمين للكهرباء، ومن الآن نقول لا للبواخر، لانّها جرصة، ولا للحلول الموقتة في ملف الكهرباء، لأنّ الموقت دائم في لبنان”.
“فرصة معقولة”
وفي جديد المواقف السياسية، كان البارز نهاية الاسبوع تشديد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الذكرى السنوية لـ”القادة الشهداء” على انّ “هناك إجماعاً على صعوبة الوضع، لذا يجب فصل الملفات الاقتصادية عن الملفات السياسية، لأننا في الملفات السياسية مختلفون في الكثير منها”، داعياً الى “إعطاء الفرصة لهذه الحكومة بمهلة منطقية ومعقولة، لتمنع الانهيار والإفلاس والسقوط. إذ في حال فشلت، ليس من السهل أن يأتي أحد على حصان أبيض لتشكيل أخرى”، وإلى “وضع المزايدات وتصفية الحسابات السياسية جانباً، لأن لا انتخابات قريبة”، منبّهاً إلى أنّ “الفشل نتائجه على مستوى الوطن وليس على الأحزاب السياسية الداعمة للحكومة فقط”.
ونبّه من أنّ “التحريض عبر تسمية الحكومة بأنّها حكومة “حزب الله” يؤذي لبنان وعلاقاته العربية والدولية. “حزب الله” يدعم هذه الحكومة ويريد نجاحها، لكنّ الجميع يعلم أنّها ليست حكومة “حزب الله” ومن الكذب توصيفها بأنّها حكومة “حزب الله”، فإنّ هذا الأمر لا يؤذينا بل يؤذي البلد”.
وتوجّه نصرالله إلى القوى السياسية المعارضة للحكومة، قائلاً: “أتركوا هذه الحكومة تعمل، رغم أننا نتطلّع إلى أكثر من ذلك، فتعالوا وساعدوها لأنّها إذا استطاعت إنقاذ لبنان من الانهيار فهي تقدّم خدمة كبيرة للّبنانيين”. وشدّد على ضرورة “معالجة ما يُشغل بال الناس وخصوصاً الوضع المعيشي والاقتصادي والنقدي”، وقال: “كلنا مسؤولون”.
معضلة “الميدل ايست”
من جهة ثانية، كاد قرار تجاري اتخذته شركة طيران الشرق الاوسط (“الميدل ايست”) امس، يتحوّل أزمة تداخلت فيها الابعاد السياسية بالحسابات المالية. وبدا واضحاً انّ جهات سياسية حاولت تصفية حساباتها مع ادارة الشركة الوطنية، مستفيدة مما اعتبرته ثغرة يمكن النفاد منها لتنفيذ الضربة. هذه الثغرة ظهرت من خلال القرار الذي اتخذته الشركة بحصر تسعير وقبض ثمن بطاقات السفر بالدولار. وجاء هذا القرار في الاساس لمعالجة مشكلتين:
– المشكلة الاولى تتعلّق بما أثارته مكاتب السفر والسياحة لجهة المطالبة بتوحيد معايير دفع ثمن بطاقات السفر، حمايةً للقطاع.
– المشكلة الثانية ترتبط بتراجع عائدات شركة “الميدل إيست”، بسبب تراجع الحركة نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلد، ونتيجة الخسائر المستجدة التي تتكبّدها الشركة جراء الفارق في سعر الدولار الرسمي والدولار في السوق الموازية. اذ انّ استمرار قبض الشركة بالليرة، مقابل دفع فواتيرها بالدولار، يزيد من الضغط على وضعها المالي.
لكن قرار توحيد الاسعار بالدولار أثار عاصفة اعتراض شعبية، تلقفتها قوى سياسية واستغلتها لركوب الموجة. وكان يُتوقّع ان تتحول القضية أزمة وطنية تدفع بها قوى سياسية نحو مزيد من التأزيم لتحقيق مكاسب مزدوجة، على المستوى الشعبي للظهور بمظهر المدافع عن حقوق الناس، وعلى المستوى السياسي لتوجيه ضربة الى ادارة الشركة المحسوبة في رأي هذه القوى على الرئيس سعد الحريري.
وهذه المشهدية قرأها رئيس الحكومة حسان دياب، واستشف مخاطرها اذا لم تُهمد في مهدها، وقرّر التدخّل السريع طالباً من “الميدل ايست” التراجع عن قرار التسعير والقبض بالدولار. وهذا ما حصل فوراً.