كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: فيما تبدو السلطة تنتقل من مأزق الى آخر سياسي واقتصادي ومالي، أظهرت الإتصالات على خط التأليف الحكومي أمس أجواء تميل الى ايجابية محدودة، وشاعت ليلاً معلومات عن تكريس اتفاق على حكومة اختصاصيين تتكوّن من 18 وزيراً، على ان تصدر مراسيمها في الساعات الـ48 المقبلة بعد استكمال الاتصالات في شأنها. وبرز هذا التطور في ظل تصاعد الحراك الشعبي مجدداً طوال يوم أمس في “يوم غضب” تكررت فيه مشهدية إقفال الاوتوسترادات والطرق في بيروت وضواحيها وعدد من المناطق، واتّسعت معها رقعة معاناة الناس على الطرق المقفلة الى جانب المعاناة، بل الاذلال، الذي يتعرضون له يومياً في المصارف والاسواق وكل نواحي حياتهم. فيما استمعت لجنة الاقتصاد النيابية، في جلسة أمس برئاسة النائب نعمت افرام وحضور اعضائها المنتمين الى مختلف القوى السياسية، الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي قدّم صورة سوداوية عن الوضع الاقتصادي والمالي، مُعدداً أسباب الازمة التي رَدّها الى أمور سياسية محلية واقليمية، لكنه أشار الى انّ احتياطي مصرف لبنان “إيجابي وليس سلبياً”.
أكدت مصادر مطلعة على مفاوضات التشكيل الحكومي لـ”الجمهورية” انّ الحرارة عادت الى خطوط التواصل بين المعنيين بهذا الاستحقاق بزَخم كبير، إذ شهدت الساعات الماضية حراكاً كثيفاً أنتجَ تفاهمات بين الرئيس المكلف حسان دياب والافرقاء الاساسيين تنذر بولادة الحكومة خلال 48 ساعة او اكثر بقليل، ويسبقها بعض الاجتماعات التي سيعقدها دياب وأبرزها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير جبران باسيل. واشارت المصادر الى أن لا تغييرات جوهرية طرأت على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب والاسماء باستثناء امور تتعلق ببعض “الروتوش”، عازية الفرملة التي أصابت عملية التأليف في الايام السابقة الى “بعض الثرثرات وقلة النضج السياسي التي مارسها البعض”.
وفي السياق نفسه علمت “الجمهورية” انّ المعنيين بالاستحقاق الحكومي بدأوا التفتيش عن حلحلة تُفضي الى إنجازه قريباً، حيث انّ الجميع باتوا محشورين في زاوية. في وقت أظهرَ الحراك في جولته هذه المرة انه مَرصوص وتديره غرف خبيرة في مجالات كهذه يساعدها استمرار التدهور في الاوضاع الاقتصادية والمالية. في حين بَدا فريق التكليف الحكومي المَحشور الأكبر لأنه من لون واحد ويفترض ان يشكّل حكومة من لون واحد، ولهذا هو يفتّش عن مخرج لحفظ ماء وجهه.
وتفيد المعلومات ايضاً انّ حركة الاتصالات المنتظرة اليوم ستكون شاملة، حيث يتوقع ان يكون لكلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون وبري ودياب لقاءات سيركّزون خلالها على توليد الحكومة في القريب العاجل لأنّ جرس الانذار السلبي يقرع مالياً واقتصادياً، كما قرع في الأمس من خلال الحراك في الشارع الذي يخشى من تفاقمه خلال الايام المقبلة، ولذلك لا بد من إيجابية احتوائية للوضع.
مرجع مسؤول
ورداً على سؤال عمّا اذا كان تشكيل الحكومة يحدّ من الازمة، قال مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”: مجرد تشكيل الحكومة يحدث صدمة إيجابية بنسبة 50 في المئة، وامّا الـ50 المتبقية فتتطلب جهداً دؤوباً وعملاً حكومياً نوعياً.
ولدى سؤاله: هل هو متفائل بتأليف الحكومة قريباً؟ أجاب المرجع: “الايجابية موجودة، ولكن ما تقول فول تا يصير في المكيول”.
الشارع المُقلق
الى ذلك أقرّت مصادر سياسية بأنّ الشارع أقلقَ السياسيين، وأنه بالتحركات التي حصلت امس، بَدا كأنه استعاد الحيوية التي انطلق فيها في 17 تشرين الاول الفائت، ما يُنذر بتحركات قد تكون اكبر وبنتائج غير محسوبة.
وهذا الامر اشعرَ فريق التكليف بنوع من القلق، كونه يتحمّل مباشرة او مداورة تَبعات كل ما حصل خلال الفترة الفائتة لتكليف رئيس الحكومة، وخلال الفترة المماثلة منذ التكليف وحتى اليوم، بمعنى انّ فريق التكليف استشعَر بأنه سيتحمّل المسؤولية عن الحكومة التي ستتشكّل سواء كانت سلبية ام ايجابية.
وهذا الواقع دفع الى مشاورات حثيثة ضمن هذا الفريق لبلورة مخرج لهذا الانسداد، وتَجلّى ذلك في اللقاء بين بري وباسيل أمس، حيث أشارت المعلومات الى انّ هذا اللقاء تخلله عرض مفصّل لكل مسار التأليف، وبَدا خلاله باسيل عازماً على إطلاق موقف فُهم منه عدم المشاركة في الحكومة.
وبحسب المعلومات، انّ بري خفّف من اندفاعة باسيل مفضّلاً الدخول في فرصة جديدة لاستنقاذ الوضع الحكومي، وتكتّمت المعلومات عمّا طرحه بري، إلّا انها اكدت في الوقت نفسه انّ هناك تقدماً ملموساً قد حصل وهناك ايجابية موجودة، إنما هي ايجابية غير مكتملة حتى الآن، وتتطلب مزيداً من المشاورات اعتباراً من اليوم على مختلف الخطوط، وتحديداً مع الرئيس المكلف.
ولفتت مصادر معنية الى أنّ المخرج يرتكز على تشكيل حكومة برئاسة دياب، وبصيغة ترضي جميع الافرقاء الاطراف. واكدت المصادر انّ الملف الضاغط على التشكيل، هو ما بَلغه الوضع الاقتصادي والمالي من انحدار بالتوازي مع إشارات سوداوية واضحة من المؤسسات الدولية.
وسألت “الجمهورية” مصادر عاملة على خط التأليف عمّا اذا كانت هذه الايجابية التي حُكي عنها أمس، ستؤدي الى ولادة الحكومة هذا الاسبوع، فقالت: “هذا الامر ليس مستحيلاً، وكل شيء مرهون بحركة الاتصالات التي ستجري”.
مسعى بري
وفي رواية أُخرى انّ باسيل أبلغ الى رئيس الجمهورية نتائج لقائه مع رئيس المجلس. وعلمت “الجمهورية” انّ بري وباسيل اتفقا على أن يُبادر بري الى الاجتماع بدياب لإقناعه بإمكان الانتقال بتشكيلته الحكومية من 18 الى 24 وزيراً، على ان يسمّى الوزراء الستة الإضافيون من السياسيين، ما يعني العودة الى صيغة التكنوـ سياسية.
وفيما نجح بري في فرملة الخطوات التصعيدية لباسيل متمنياً عليه تأجيلها، إتصل بدياب ودعاه الى لقاء في عين التينة خلال الساعات المقبلة، فقبل الاخير الدعوة. لكن علم انّ دياب كان وما زال يرفض تشكيلة الـ 24 وزيراً ويتمسّك بحكومة الـ 18 وزيراً.
دياب والخليلين
والى ذلك قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ دياب التقى في منزله أمس على مدى 3 ساعات الوزير علي حسن خليل، موفداً من بري، حيث عرضا للتطورات الحكومية وخلفيات المواقف الأخيرة.
ونقل خليل الى دياب تطمينات بري الى انه “لا يريد إنهاء مهمته قبل البدء بها”، داعياً إيّاه الى التراجع عن بعض الشروط التي كَبّلت مهمته، ومنها الخروج من تشكيلة الـ 18 وزيراً الى تشكيلة الـ 24 وزيراً لتتسِع لبعض الوزراء السياسيين.
وفي المعلومات التي تسرّبت انّ دياب اعتبر مطلب بري “إنهاء لمهمته قبل أن تبدأ”، مؤكداً انه سجّل موقفاً ثابتاً ممّا هو مطروح اليوم، وليس من السهل التراجع عمّا تعهّد به امام اللبنانيين جميعاً، وانّ الخروج من هذا الموقف وتَجاوزه سيعدّ خروجاً على التزاماته التي يعتقد انها من العناصر التي يمكن ان توحي بالثقة للبنانيين والخارج والجهات المانحة من دول ومؤسسات.
وفي المواقف، اتصل الرئيس سعد الحريري العائد من باريس ببري أمس، واتّقفا على لقاء بينهما في الساعات المقبلة. وقال الحريري في دردشة على هامش اجتماع كتلة “المستقبل” انّ “أساس الحل هو تشكيل حكومة جديدة، وليس تعويم حكومة استقالت بطلب من الشارع”، لافتاً إلى أنّه “يقوم بتصريف الأعمال بنحو كامل بحسب الدستور، أمّا إذا كان المطلوب أكثر فلا مشكلة”. ورأى أنّ “الأساس هو تشكيل حكومة جديدة، وكفانا “لَف ودوران” حول أساس الحل. أساس الحل هو تشكيل حكومة جديدة، الرئيس المكلّف حسان دياب لديه مهمة تشكيل حكومة مع مَن سمّوه لهذه المهمة، فليشكّل الحكومة مع فخامة الرئيس ونقطة على السطر”.
باسيل
ومن جهته، دعا باسيل الرئيس المكلّف حسان دياب الى “ألّا يضع التكليف في جيبه ويقول لا يمكن أن ينزعه أحد مني، فالناس يمكن أن تنتزعه وكذلك عدم إعطاء الثقة في المجلس النيابي”. وكذلك دعا الى “التوصّل الى صيغة، وأن يشكّل دياب الحكومة في أسرع وقت ممكن لتنال الثقة في المجلس النيابي، ونحن بدورنا نعطيها الثقة اذا ما توافرت فيها شروط النجاح، وأهمها وضع خطة مالية اقتصادية تُخرجنا من الوضع الحالي، وإلّا تكون استمراراً للسياسة المالية السابقة”.
وقال باسيل بعد الاجتماع الاسبوعي لتكتل “لبنان القوي”: “إنّ كل كلام عن عدد وحصص و”ثلث معطّل” غير صحيح وتشويه للواقع، فلا مطالب لنا لا عدداً ولا أسماء. ولم نختر أيّ اسم لا من التيار او قريب من التيار”.
ولفت إلى انّ “رئيس حكومة تصريف الأعمال وبعض وزرائها يقومون بتعطيل الأعمال بَدل تصريفها. وطلبنا تفعيل حكومة تصريف الأعمال ليس من باب تعويمها ولا يعني تأخير ولادة الحكومة الجديدة. ونفى أن يكون “التيار” غَيّر رأيه لجهة تأييده حكومة تكنو- سياسية او سياسية، مؤكّداً “اننا لم نغيّر رأينا”.
الحراك
وعلى جبهة الحراك الذي كان قد دعا إلى “أسبوع الغضب”، وبعد انتهاء المهلة التي أعطاها المنتفضون للسياسيين لتأليف الحكومة، اشتعلت الساحات مجدّداً صباح أمس، مُعيدة في اليوم الـ90 على انطلاق الإنتفاضة الشعبية مشهدية إقفال معظم الطرق الأساسية والدولية والفرعية في مختلف المناطق.
ووقع إشكال مساءً بين المواطنين وعناصر مكافحة الشغب في محيط مصرف لبنان في الحمرا، بعدما حاول بعض المحتجّين تكسير الجدار لدخول باحة المصرف الداخلية. ورشق المتظاهرون القوى الأمنية بالحجارة والمفرقعات النارية، وألقت عناصر قوى الأمن القنابل المسيّلة للدموع لتفريق المحتجّين. ولاحقاً، شهدت الحمرا أعمال شغب، حيث اعتدى عدد من المتظاهرين على بعض المحال والمصارف.
وفي جلّ الديب، كما في جونية، تجدّد زَخم الإنتفاضة حيث أقفلت الطرق عند أوتوسترادي جل الديب وزوق مصبح. فيما نزلت وفود من مختلف الأحياء الشعبية في طرابلس وضواحيها الى ساحة النور للانطلاق في تظاهرة حاشدة. وأُقفلت الطريق الدولية بالاطارات المشتعلة منذ ساعات الفجر عند جسر البالما حيث سجّل إشكال أثناء محاولة عبور احد المواطنين بسيّارته الرباعية الدفع بالقوة. وفي حلبا، أقفل محتجون من الحراك الشعبي الطريق العام في حلبا وجلسوا على كراسٍ في وسط الشارع.
امّا في صيدا، فأقفل المحتجون فجر أمس بوّابات شركة الكهرباء والمياه ومركز “أوجيرو”. وانطلقت من ساحة ايليا مسيرة طالبية جابَت شوارع المدينة باتجاه عدد من المصارف والمرافق العامة.