كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : على وقع الحراك الشعبي في الشارع، والعراك الحكومي في كل المقار الرئاسية والسياسية، ستدور اليوم وقائع استشارات التكليف الحكومي في القصر الجمهوري مفتوحة على احتمالات ومفاجآت شتى، منها احتمال ذهاب الرئيس سعد الحريري المنتظر تكليفه الى تسمية شخصية غيره لرئاسة الحكومة قد تكون امرأة تكنوقراطية، حسب ما توقعت بعض الاوساط المعنية ليل أمس، موضحة انّ هذه الامرأة “لديها باع طويل في الشأنين المالي والاقتصادي”. فيما توقعت مصادر أخرى أن يرد الآخرون على خطوة الحريري، في حال حصولها، بتسمية شخصية نيابية تكنوقراطية يقال انها كانت من بين الاسماء المتداولة ايام عزوف الحريري عن قبول التكليف. لكن حتى لحظة بدء الاستشارات كل الدلائل تشير الى انّ الحريري سيكلّف بأكثرية تراوح بين 65 الى 70 أو 72 صوتاً، اللهمّ اذا صحّت التوقعات بمفاجأة للحريري تقلب ظهر المجن في الاستحقاق الحكومي، خصوصاً انّ الرجل يتهيّب من احتمال تعثّره في التأليف نتيجة التباعد الكبير السائد حالياً بين المواقف بين خياره تأليف حكومة الاختصاصيين والخيار الداعي الى تأليف حكومة تكنو-سياسية، تجمع بين السياسيين والتكنوقراط. وقد وصف البعض تأييد كتلة “اللقاء الوطني” برئاسة طوني فرنجية للحريري، وكذلك إيفاد الحريري الوزير السابق غطاس خوري الى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بأنه يقطع الطريق على أي عقدة ميثاقية مارونية ومسيحية في وجه التكليف والتأليف، لأنّ “التيار الوطني الحر” قرر عدم تسمية الحريري، وكذلك عدم المشاركة في الحكومة. وقد أوحى جعجع، بعد لقائه خوري، باحتمال تأييد الحريري بقوله: انّ القول “لا للحريري يعني لا لعون ولا لبري”، الأمر الذي فسّره البعض بأنّ “القوات” ستسمي الحريري في النهاية.
اذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها اليوم، فإنّ الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ستقضي الى تكليف الحريري تأليف الحكومة بأكثرية تربو على الاكثرية النيابية المطلقة ببضعة أصوات، وهي أكثرية تجافي ما يتمنّاه الحريري نفسه الراغب تكليفه بأكثرية موصوفة.
وتأتي استشارات التكليف على وقع استمرار الحراك الشعبي الذي تصاعد عنيفاً في عطلة نهاية الاسبوع، خصوصاً في وسط بيروت، حيث بذل الجيش والقوى الأمنية جهوداً مضنية لحماية المتظاهرين ولعدم المواجهة بينهم وبين مجموعة من المتفلتين الذين أحدثوا شغباً في وسط بيروت..
إلّا انّ المؤشرات تدل الى أنّ النجاح في التكليف قد لا ينسحب على التأليف الذي بدأت تبرز في وجهه عقبات كثيرة، تبدأ بحجم الحكومة ومواصفاتها ولا تنتهي باختيار الوزراء ومواصفاتهم.
وفي بوانتاج أولي، يظهر انّ الحريري سينال تأييد كتل “المستقبل” (18 نائباً) و”التنمية والتحرير” (17 نائباً) و”اللقاء الديموقراطي” (9 نواب) و”الوسط المستقل” (4 نواب) و”التكتل الوطني” (5 نواب) و”الجمهورية القوية” (15 نائباً) و”الكتلة القومية الاجتماعية” (3 نواب)، فضلاً عن تأييد بعض النواب المستقلين، في الوقت الذي سيتصدر لائحة المُمتنعين عن التسمية تكتل “لبنان القوي” و”كتلة الوفاء للمقاومة” و”اللقاء التشاوري” وكتلة “ضمانة الجبل” الى عدد من النواب المستقلين.
وعلمت “الجمهورية” انّ كتلة نواب الكتائب ستبلّغ الى رئيس الجمهورية اليوم تسميتها السفير نواف سلام “على قاعدة المواصفات التي يتمتع بها، وتطابقها مع إصرار الحزب على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة برأسها وأعضائها تستعيد الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها ومواجهة المصاعب المالية والنقدية والتحضير لانتخابات مبكرة، التزاماً منها بمضمون اقتراح القانون الذي تقدمت به كتلة الكتائب لتقصير ولاية المجلس وإجراء الانتخابات المقبلة قبل 6 أيار المقبل تاريخ نهاية عامين من ولاية مجلس النواب الحالي.
بري
وفي هذا الاطار، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره امس انّ الاستشارات الملزمة ستُجرى كما هو مقرر اليوم، لافتاً الى انه وكتلته النيابية ”التنمية والتحرير” سيسمّيان الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة.
وقالت مصادر سياسية معنية بالملف الحكومي لـ”الجمهورية” انّ التكليف سيسير كما هو واضح بطريقة سَلسة، وسينتهي الى أن يحصد الحريري من خلاله نسبة أصوات نيابية تتراوح بين 65 و70 صوتاً، على أن يليها اعتباراً من يوم غد الثلاثاء بدء مرحلة التأليف من خلال الجولة التقليدية التي سيقوم بها الرئيس المكلف على رؤساء الحكومات السابقين، مع ترجيح أن يُحدد موعد الاستشارات النيابية والسياسية التي سيجريها في مقر مجلس النواب قبل نهاية الاسبوع الجاري.
وبحسب المصادر نفسها، انه “بناء على مواقف القوى السياسية والتناقض الواضح في ما بينها، فإنّ مهمة الحريري في تأليف الحكومة ستكون مشوبة بصعوبات كثيرة، خصوصاً لجهة حسم شكل الحكومة المختلف عليه حالياً. ففي مقابل إصرار الحريري على حكومة اختصاصيين، تصرّ شريحة سياسية واسعة على تأليف حكومة تكنوـ سياسية، ويتصدّر هذا الموقف رئيس الجمهورية وكذلك ”الثنائي الشيعي”، ويضاف الى ذلك “عقدة” تمثيل الحراك الشعبي وطريقة اختيار من يمثّله.
وقالت هذه المصادر انه “تبعاً لهذه الصعوبات، فإنّ الترجيحات الموضوعية تذهب الى التأكيد انّ أشهراً عدة هي الفترة المتوقعة لعبور الحكومة حقل الالغام السياسية الكامنة في طريقها، إلّا اذا طرأ أحد أمرين:
ـ الأول، الاتفاق السريع على تشكيل الحكومة ضمن مهلة لا تتجاوز أسابيع قليلة، خصوصاً أنّ هناك من يتحدث عن ليونة يمكن أن تطرأ في أي لحظة.
ـ الثاني، أن ينفجر أيّ من الالغام السياسية على طريق التأليف، وهذا الامر قد يفتح الباب على احتمالات أصغرها صعب، ويضع مصير التكليف على بساط البحث.
ودعت المصادر نفسها الى ترقّب ما سيصدر عن الحريري بعد تكليفه من بيان قد يعدّ خريطة الطريق التي سيسلكها في اتجاه توليد حكومته، وتبعاً لمضمونه ستبني القوى السياسية على الشيء مقتضاه.
الحريري في بعبدا
الى ذلك علم انّ عون والحريري التقيا في قصر بعبدا أمس الاول.
وقالت مصادر، ساهمت في ترتيب هذا للقاء، انه تناول التطورات من مختلف جوانبها، ولاسيما منها الوضع الاقتصادي والمعيشي والنقدي المترنّح، وما يمكن ان يحصل من كوارث ما لم يعالج في أسرع وقت ممكن. فالتأجيل من أسبوع الى أسبوع ومن يوم لآخر لم يعد مفيداً، وانّ ما هو منتظر يحتاج الى قرارات سياسية جريئة وسريعة.
وأضافت المصادر: “للأسف، لم ينتج اللقاء قراءة مشتركة للتطورات وطريقة المعالجة، ولكنه فتح الباب على مخارج يمكن التوصّل إليها في ايام إذا صدقت النيّات وأجمع الأفرقاء على تقدير خطورة الوضع، وما يمكن ان تقود اليه محاولات شيطنة الإنتفاضة وفق مشاريع يسعى أصحابها الى زجّها في أتون بعض التصرفات التي هي منها براء”.
وفي معلومات “الجمهورية” انّ اللقاء انتهى الى تفاهم على ان يقود كل من عون والحريري الإتصالات الضرورية لاستيعاب الموقف بسرعة قبل ان تتطور الأوضاع الى ما هو خطير، فردّ الفِعل على طريقة تصرف القوى الأمنية أمس الأول جاء متناسباً والمخاوف التي كانت محسوبة قبل ترتيب اللقاء، من دون إخفاء ردّات الفعل الأممية والدولية المحتملة على ما حصل في وسط بيروت وبعض المناطق رفضاً لطريقة التعاطي مع المتظاهرين.
… والحريري عند بري سرّاً
وفي الإطار عينه، تردّد انّ الحريري زار بري ليل أمس الأول. وعلمت “الجمهورية” انّ اللقاء ناقش سلة من المقترحات التي رغب بري بالبَت بها سريعاً، إذ انّ لديه مجموعة من الأفكار تم تبادلها عبر وسطاء، ويفترض التفاهم في شأنها لفتح الطريق امام مخرج محتمل لتلافي المخاطر المقدرة نتيجة ما بلغته التطورات على اكثر من مستوى.
ردود فعل عربية ودولية
على صعيد المواقف العربية والدولية، اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنّ “ما يحدث في لبنان هو تداعيات نتيجة موقف حصل”. واعتبر خلال كلمته في جلسة سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط في مواجهة التحديات المشتركة ضمن فعاليات “منتدى شباب العالم”، أنه “لو تطوّر الأمر في لبنان لأكثر من ذلك ستكون الأزمة غير مقتصرة على سوريا، وستكون هناك مشكلة كبرى في لبنان”.
وغرّد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش عبر حسابه على تويتر: “شعرتُ بالانزعاج من الهجمات التي حصلت الليلة الماضية (أمس الاول) وما تبع ذلك من استخدام للقوة. أدعو السياسيين الى التحرك بنحو عاجل لتعيين رئيس وزراء يمكنه الحصول على دعم الشعب وتشكيل حكومة شاملة، وذات صدقية وكفاية تحظى بدعم مجلس النواب”.
وأضاف: “هذه الحكومة وحدها قادرة على إخراج البلد من الأزمة ومناشدة الناس للحصول على الدعم، عند البدء بتنفيذ إجراءات الطوارئ والإصلاح”.
لودريان
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان المسؤولين اللبنانيين الى التحرك لوضع حدٍ للأزمة التي تشلّ البلد، في ظل الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل السلطة السياسية.
وقال لودريان خلال برنامج “مسائل سياسية” في راديو “فرانس إنتر”: “يجب أن تتحرك السلطات السياسية لأنّ البلد في وضع حرج”. وشدد على أنّ “الرئيس (ميشال) عون أعلن أنه اعتباراً من الغد (اليوم) سيستأنف المشاورات (لتشكيل الحكومة). آمل أن ينجح في ذلك بحلول عيد الميلاد”.
وقال لو دريان: “بعد وقت قصير، سيجد البلد صعوبة في التزوّد بالمواد الأساسية. كما بدأت بعض الشركات تتوقّف عن دفع الأجور. من المُلحّ جداً التحرك”.
وأضاف انّ “التظاهرات تتجاوز الانقسامات السابقة التي كانت قائمة في لبنان بين الأديان والمناطق الجغرافية (…) هناك وضع جديد بين السكان. إنهم يريدون الشفافية (…) ويريدون التخلص من جهاز يجعل الحكم يقوم على توازن القوى بين المجموعات المختلفة”.