كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: كلما اقترب اثنين استشارات التكليف كلما اتضحت حقيقة المواقف إزاء ترشيح الرئيس سعد الحريري للرئاسة الثالثة من جهة وإزاء الحكومة العتيدة شكلاً ومضموناً والمشاركة فيها من عدمها، وكذلك إزاء مصير هذا الاستحقاق الحكومي برمّته. وطالع هذه المواقف حتى الآن يلقي على مصير هذه الاستشارات شيئاً من الغموض والضبابية، في الوقت الذي بدأ التنافس على جنس الحكومة قبل تأليفها وهو خلاف تغلّفه المصالح السياسية لهذا الفريق او ذاك، والمناورات التي يحاول أصحابها التلاعب بمصير البلد الواقف على شوار الانهيار، الأمر الذي قد يضيع ما يلوح في الأفق من فرص لإنقاذه.
منذ تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، الاثنين المقبل، صار المشهد الداخلي متأرجحاً بين التكليف والتأليف، ومجالس السياسة على اختلافها والصالونات زاخرة بسيناريوهات تطوّق البلد بسلبيات على كل المستويات! ولكن بعد الموقف الذي عبّر عنه “التيار الوطني الحر” بلسان رئيسه الوزير جبران باسيل أمس، بما تضمّنه من توجّه نحو عدم المشاركة في حكومة بحسب مواصفات رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بدأت علامات الاستفهام ترسم حول استشارات الاثنين وما إذا كانت ستُجرى في موعدها المحدد، أم انها ستخضع لتأجيل جديد.
باسيل، بَدا من خلال تعبيره عن موقف “التيار”، وكأنه ألقى كرة النار الحكومية في يد الحريري، مركّزاً على خيارين يقبل بهما التيار معاكسين لرغبة رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري بحكومة اختصاصيين برئاسته، مفادهما: إمّا حكومة اختصاصين من رأس الحكومة الى أعضائها، وإمّا حكومة سياسيين من رأس الحكومة إلى أعضائها.
والملاحظ أنّ موقف باسيل هذا، جاء على مسافة أيام قليلة من لقاء طويل جمعه بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، واستكمل أمس الاول بلقاء بين باسيل ومسؤول “وحدة الارتباط والتنسيق” وفيق صفا، قيل انّ تواصلاً هاتفياً قد حصل خلال اللقاء بين باسيل ونصرالله، الذي سيطلّ بدوره اليوم بموقف وصِف بالمهم على الصعيد الحكومي، قد يتقاطع مع الموقف الذي عبّر عنه باسيل أمس.
واذا كان اللقاء الطويل في عين التينة أمس، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وباسيل، قد جال على الوضع الحكومي بكل ملابساته وتعقيداته، فإنه حمل في جانب منه تقديراً من التيار للموقف الذي عبّر عنه بري، من خلال الرسالة التي بعث بها أمس الاول إلى باسيل، وعبّر فيها عن الحرص على حكومة بشراكة “التيار الوطني الحر” فيها.
ووصفت مصادر أجواء اللقاء، الذي شارك فيه وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن بـ”الإيجابية والمريحة”، أكدت تقاطع الموقف بين الجانبين على تشكيل حكومة بمهمة وحيدة وأساسية هي إنقاذ البلد، وإخراجه من حال الاهتراء الذي يعانيه في شتى مفاصله الاقتصادية والمالية، علماً أنّ معاناة الناس صارت تفوق أي قدرة على الاحتمال.
الاستشارات
والواضح من موقف باسيل، أنّ عدم الاستجابة للخيارين اللذين طرحهما، لا تعزّز فقط عدم مشاركة “التيار” في الحكومة، بل تؤكد توجّهه إلى عدم تسمية الحريري في الاستشارات الملزمة. وامام هذه الصورة، ينبغي سؤال: أي خلاصة ستنتهي إليها استشارات الاثنين؟
الجواب البديهي، أنّ هذه الاستشارات، إذا حصلت في موعدها الاثنين، فخلاصتها محسومة بأنّ الحريري سيتربّع على عرش التكليف، ولكن على نحو مختلف عن المرّات السابقة، بحيث انّ هذا التكليف لن يأتي عبر أكثرية يُعتدّ بها، بل أكثرية متواضعة، لا يمكن إدراجها في خانة الربح للرئيس المكلف، في اعتبارها ستكون ادنى بكثير من نسبة التسمية التي يريدها الحريري عالية وموصوفة.
فإذا ما احتسبت أصوات المُحجِمين عن تسمية الحريري في الاستشارات، بدءاً من “حزب الله” (14 نائباً)، الى “التيار الوطني الحر” (27 نائباً) الذي يبدو انه في هذا التوجّه، الى “القوات اللبنانية” (15 نائباً)، التي أعلنت عشيّة الاستشارات السابقة انها لن تسمّي احداً لرئاسة الحكومة، الى حزب الكتائب (3 نواب)، الذي كان في موقع المعارضة لحكومة الحريري المستقيلة وأعلن عشيّة الاستشارات السابقة انه سيسمّي نواف سلام لرئاسة الحكومة، الى مجموعة من النواب الآخرين مثل اسامة سعد وجميل السيّد وفيصل كرامي وجهاد الصمد وبولا يعقوبيان، وغيرهم، فإنّ مجموع عدد هؤلاء النواب قفز عن الـ60 نائباً. وبديهي القول انّ هذه النسبة العالية من اصوات المُحجمين عن تسمية الحريري، وإن كانت لن تمنعه من الظفر بالتكليف، إلّا انّ مردودها الفوري سيكون محبطاً في الدائرة الحريرية، ومنفّساً لكل الربح المعنوي الذي حققه الحريري منذ 17 تشرين الأول، وبلغ ذروته السياسية مع تفريغه الموصوف لنادي المرشّحين لرئاسة الحكومة من كل الشخصيات التي طرحت بديلة منه على عرش الرئاسة الثالثة.
على انّ قوى سياسية مشاركة في الاتصالات تؤكد أنّ الحريري متحمّس للتكليف والتأليف، لكنه يريد أن يأتي التكليف بنسبة عالية وموصوفة، تُتوّج ما يشعر به من ربح سياسي في فترة الحراك وما تلاها، لكن أن يأتي التكليف هزيلاً فقد تكون نتائجه عكسية عليه. واذا كان بعض هذه القوى لا يستبعد أن يتجاوز الحريري هذا الامر، ليحاول تعويض الخسارة المعنوية بالتكليف الضعيف، على حلبة تأليف الحكومة، فهل سيتمكن من ذلك؟
الحريري يريد حكومة اختصاصيين، وزاده تصميماً عليها بيان مجموعة الدعم الدولية للبنان التي انعقدت في باريس، بما تضمّنه من دعوة الى حكومة عاملة توحي بالثقة والصدقية وتجري الاصلاحات المطلوبة وتراعي مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الاول، لكنّ رغبة الحريري بحكومة الاختصاصيين تصطدم بالرفض، حتى لدى بعض الاطراف التي ستسمّيه في الاستشارات، وتصرّ على انّ وضع البلد الراهن لا تستطيع حكومة تكنوقراط ان تحيد به عن المنزلقات التي يهوي إليها يومياً. وبالتالي، لا بد من حكومة مختلطة من اختصاصيين ومحصّنة بالتمثيل السياسي فيها، حتى ولو من دون حقائب وزارية.
من هنا، فإنّ استشارات الاثنين، إذا بقيت في موعدها، وانتهت إلى تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، الى جانب كونه رئيس حكومة تصريف الاعمال، لا تعني انّ مشوار التأليف الذي سينطلق فيه اعتباراً من الثلاثاء المقبل، مفروش بالورود ومزروع بالمسهّلات التي يريدها، بل على العكس، فإنّ الحكومة التي ينوي تشكيلها تبدو مؤجلة الولادة الى أمد طويل، وفق ما يؤكد شركاؤه المفترضون في تلك الحكومة، خصوصاً انّ محطات شديدة الصعوبة تنتظر الحريري، توجب دقّتها ان تتم مقاربتها بطريقة استثنائية توجِب بدورها توافر المقدار الأعلى من الحنكة السياسية:
ـ الأولى، شكل الحكومة، المحكوم حالياً بمنطقين متباعدين، بل ومتصادمين الى أقصى الحدود حتى الآن، وهذا معناه انّ المفاوضات التي ستدور حول هذه المسألة ستستنزف فترة طويلة من المد والجزر السياسيَّين، قبل الوصول الى بَت شكل الحكومة عبر ابتداع صيغة وسطية بين الطرحين تُطعِّم الحكومة بسياسيين.
ـ الثاني، طريقة اختيار التشكيلة الوزارية، في حال قررت جهات سياسية كبرى الامتناع عن المشاركة فيها والانتقال الى المعارضة، كـ”التيار الوطني الحر”. وايضاً في حال بقيت “القوات اللبنانية” على موقفها المعلن من أنها لن توافق الّا على حكومة اختصاصيين. فأيّ حكومة ستقلّع في غياب المكون المسيحي عنها؟ وأي مجلس نيابي سيعمل في هذا الجو؟
ـ الثالث، تمثيل الحراك، وهو، وإن كان محل إجماع حوله، الّا انه يبدو الاصعب، وخصوصاً لناحية طريقة اختيار ممثل الحراك، وما هي مواصفاته، ومن هو الحراك المحظوظ من بين الحراكات المتعددة الذي سيرسو عليه اختيار ممثّل منه، وماذا عن سائر الحراكات إذا كانت ستقبل به أم لا؟
هذه الاسئلة مشروعة بعدما تبيّن انّ هذه الحراكات ليست مُجمعة على موقف واحد، فلكلّ منها لونه، ولكلّ منها توجهاته وعناوينه التي تفترق مع عناوين الآخرين وتوجهاتهم، والجامع الوحيد في ما بين هذه الحراكات هو النزول الى الشارع فقط.
بعبدا و”بيت الوسط”
وفي أولى ردّات الفعل، اكتفت مصادر وزارية قريبة من القصر الجمهوري بالقول لـ”الجمهورية”: “انّ موقف باسيل يعّبر عن نفسه، ومفاده عدم الاشتراك في الحكومة المقبلة ولا يحتمل كثيراً من التفسيرات”. مشيرة الى انّ التيار لن يسمّي الحريري في الاستشارات اذا لم يحصل اتفاق.
وعن انعكاس هذا الموقف على مصير الإستشارات النيابية الملزمة، قالت المصادر “ان لا تأثير لِما حصل على مصير الإستشارات فهي في موعدها، وان لا تغيير محتملاً قبل معرفة ما ستكون عليه المواقف، ولاسيما منها مواقف حلفاء “التيار الوطني الحر” في المرحلة المقبلة”.
امّا في “بيت الوسط”، فلم تسجّل المصادر عبر “الجمهورية” أي رد فعل فوري على ما أعلنه باسيل، وقالت انها ترصد المواقف وتنتظر موقف السيد نصرالله عصر اليوم لمعرفة اتجاهات الريح والمواقف. ولفتت الى انها ترصد أيضاً ردات الفعل على مواقف باسيل وما سيليه من ترددات، وفضّلت التركيز على مواقف الحريري وما يمكن ان تنتجه المشاورات الدولية التي يجريها، داعية الى “مراجعة مضمون ما طلبه من المجتمع الدولي والجهات المانحة ومقدرته على مخاطبة أي طرف إقليمي او دولي، وهو ما يؤمل في إمكان معالجة الوضع في وقت قياسي اذا تشكّلت الحكومة التي يريدها لإدارة شؤون البلاد والعباد.
تصنيف… وعجز قياسي
حَذت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني حذو “موديز” في خفض التصنيف. وبعدما خفّضت موديز التصنيف الائتماني الاساسي لـ3 بنوك لبنانية، عمدت فيتش أمس الى خفض تصنيف لبنان من حيث موجوداته بالعملات الأجنبية.
واعتبرت “فيتش”، في تقرير لها، أنّ خفض التصنيف الائتماني للبنان يعكس وجهة نظرها بأنّ إعادة هيكلة ديون الحكومة أو التخلّف عن سدادها أمر محتمل بسبب الخلافات السياسية، والقيود على رؤوس الأموال الفعلية، وتدهور الثقة في القطاع المصرفي الذي سيحول دون تدفّقات رؤوس الأموال اللازمة للبنان لتلبية احتياجاته التمويلية.
وفي سياق الأزمات المالية المتراكمة، أثار كلام وزير المال، إزاء تراجع ايرادات الفصل الأخير من 2019، القلق حيال الرقم الذي سيبلغه عجز الموازنة. وفيما وصل العجز عام 2018 الى مستويات قياسية وبلغ حوالى 6,8 مليارات دولار كان معوّلاً ان يتراجع العجز في 2019 وفق الموازنة الى حوالى 5,4 مليارات دولار فقط. لكنّ تراجع مداخيل الدولة قد يرفع العجز في نهاية العام الى حوالى 7 مليارات دولار، مُتجاوزاً بذلك الرقم القياسي الذي بلغه في العام 2018.