كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: على رغم التفاؤل بما تمّ التفاهم عليه بين المعنيين لإنجاز الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، ما زال الحذر يسود غالبية الاوساط المعنية به لثلاثة اسباب: الاول، مدى النجاح في الوصول الى تجسيد الوقائع على الارض بدءاً من استشارات التكليف الاثنين المقبل. والثاني، خلافات لا تزال موجودة في الطريق ولم تُعالج بعد، لوجود كثير من الشياطين في التفاصيل. والثالث، قدرة الشارع على نسف ما اتُفق عليه في الايام المقبلة. وإذ اكّدت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” أنّ الأمور قد حُسمت من العمق، فإنّ الرئيس سعد الحريري في مواقفه وتصرفاته ما زال يعكس وجود التزامات لديه، ولكنه في الوقت نفسه ما زال يرغب ضمناً بتولّي رئاسة الحكومة، فكأنّه يفاوض على أسماء أُخرى ليردّ المسألة اليه في النهاية، خصوصا أنّ هناك مخاوف جديدة من بروز عِقَد في وجه التأليف تحت ذريعة عناوين خلافية اساسية، ما يعني انّ هناك صواعق في الطريق الى إنجاز الاستحقاق الحكومي لم تُنزع بعد.
بعد 36 ساعة على تحديد موعد الإستشارات النيابية المُلزمة، والتي شملت مهلة شبه نهائية لحسم المواقف من تسمية من يُكلّف بتأليف الحكومة العتيدة، قالت مصادر وزارية مطلعة على أجواء بعبدا لـ”الجمهورية”، انّ “الدوائر المعنية بالإجراءات التحضيرية للاستشارات قد اتُخذت من اليوم على مختلف الصعد الإدارية والإعلامية”. وأضافت: “انّ رئيس الجمهورية باشر عملية رصد دقيقة للمواقف منها ومن المرشحين لتولّي هذه المهمة، وهو ينظر بإهتمام الى النتائج المترتبة عليها، متمنياً انجاز الإستحقاق الدستوري تمهيداً لدخول المرحلة التالية بسلاسة. فالجهود التي بُذلت للوصول الى هذه المرحلة يجب ان تثمر فلا تذهب سدى”.
ونقل زوار عون عنه اعتقاده، “انّ مهمة التأليف ستكون سهلة متى تمّت هذه الإستشارات. فهي البوابة او المعبر الإجباري للمرحلة التي تليها، وانّ عبورها سيشكّل رسالة الى العالم كله بإمكان انقاذ الوضع ومواجهة ما تشهده البلاد من مظاهر الأزمة الاقتصادية والنقدية”.
يوم ميت
في هذه الاثناء، قالت مصادر وزارية عاملة على خط المشاورات لـ”الجمهورية”، انّ يوم امس كان ميتاً بكامله على مستوى المشاورات، حيث لم يحصل اي تواصل بين الاطراف المعنية حول الشأن الحكومي. واشارت المصادر، الى “انّ الفترة الفاصلة من اليوم وحتى موعد الاستشارات الملزمة الاثنين المقبل، هي فترة ترقّب حذر، على رغم الايجابيات التي أُمكن بلوغها في الساعات الاخيرة، على صعيد حسم اسم المهندس سمير الخطيب مرشحاً وحيداً حتى الآن لرئاسة الحكومة الجديدة”.
وقالت المصادر، انّ تحديد الاثنين المقبل موعداً للاستشارات الملزمة لا يزال محل تساؤل لدى مختلف الاوساط السياسية، مقروناً بالاستغراب لإبعاد الموعد بهذا المقدار من الايام، فيما كان في الإمكان ان يتمّ تحديد الموعد امس الخميس او اليوم الجمعة، “فسنستفيد من الوقت وننهي التكليف خلال هذا الاسبوع وننتقل الى الخطوة الثانية، أي تأليف الحكومة، مع بداية الاسبوع، خصوصاً انّ الاجواء توحي باتفاق حول مختلف الامور، ان كان على صعيد عدد وزراء الحكومة من 24 وزيراً (18 اختصاصياً و6 وزراء سياسيين)، اضافة الى حقائب كل طرف مع مقعد وزاري للحراك الشعبي”.
وعلى رغم من الايجابيات الشكلية على مسار التأليف حتى الآن، فأنّ المصادر الوزارية تبدي خشيتها من أن تكون الفسحة الزمنية الممتدة حتى الاثنين مفتوحة على سلبيات غير متوقعة، من شأنها ان تزيد الامور تعقيداً إذا حصلت، وبالتالي تعيد الامور الى السلبية الكبرى التي ستكون مُكلفة وترخي على البلد عموماً جواً غير محمود”.
وانتقدت المصادر ما تناهى اليها، من أنّ مردّ تحديد الاستشارات الملزمة الاثنين المقبل الى سفر الوزير جبران باسيل الى الخارج.
ورداً على سؤال، قالت المصادر نفسها، انّ الحريري اكّد امام “الخليلين” انّه بعد تحديد موعد الاستشارات ولقائه الخطيب، سيُصدر بياناً يعلن فيه تبنّيه ترشيحه ودعم كتلة “المستقبل” له، الّا انّ ذلك لم يحصل، وهو امر يبعث على التساؤل والحذر. وقالت: “انّ عدم إصدار الحريري حتى الآن أي موقف علني وواضح يؤكّد فيه دعم ترشيح الخطيب لرئاسة الحكومة، هو مؤشر غير مطمئن”، مبدية خشيتها من “ان يكون خلف ذلك، امعان في مناورات يقوم بها البعض”. وتوقفت عند “عدم صدور اي موقف عن دار الفتوى يدعم الخطيب”.
وعمّا تردّد عن انّ كتلة “المستقبل” قد لا تسمّي الخطيب في الاستشارات الاثنين، قال مرجع مسؤول لـ “الجمهورية”: “حتى الآن اسم الخطيب هو الوحيد في نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، لا نقف عند بيان رؤساء الحكومات السابقين، لأنه بيان معنوي ولا تأثير له، الّا انّ المسألة الشديدة الحساسية، هي ان لا تبادر كتلة “المستقبل” الى تسمية الخطيب في الاستشارات الملزمة، ذلك انّ عدم حصول هذه التسمية، معناه مشكلة كبرى. فعدم التسمية معناه عدم منح الخطيب الغطاء السنّي، وهذا بالتأكيد سيفتح على مشكلة أكبر ان تمّ تكليفه بمعزل عن اصوات كتلة “المستقبل”.
وعمّا اذا كان الحريري لا يزال وارداً ترؤسه الحكومة الجديدة، قالت مصادر سياسية معنية بحركة الاتصالات لـ”الجمهورية”: “على رغم من أنّه أبلغ الى الخليلين انّه ليس في وارد ترؤس الحكومة، فإنّه لا يزال المرشح الاول، وفي اي حال يجب ان نراقب الشارع بنحو حثيث، خصوصاً انّ ثمة معلومات تؤكّد انّ تحرّكات تصعيدية يجري التحضير لها خلال نهاية الاسبوع، وتحديداً ما بين الاحد والاثنين، وجانب كبير من هذه التحرّكات يقوم بها مناصرون للحريري، سواء في بيروت او البقاع وطرابلس وما بين بيروت والجنوب”.
موقف الحريري
وفي هذا السياق، تنتظر الأوساط الحكومية والسياسية ما سيكون عليه موقف الحريري، الذي سيبنيه في اجتماع مرتقب لكتلة “المستقبل” قبل الاثنين. وقالت مصادر “بيت الوسط” لـ”الجمهورية”، ان “ليس على لائحة مواعيد الحريري اليوم اي موعد لمثل هذا الإجتماع”. ولم تشأ هذه المصادر نفي او تأكيد المعلومات التي قالت بإنعقاده الأحد المقبل، رافضة الربط بين هذا الموعد واي حراك في الشارع.
ورداً على سؤال أكّدت المصادر لـ”الجمهورية”، انّ الحريري ما زال على موقفه الداعم للخطيب، وهو ما أكّده في الدردشة مع الإعلاميين بعد لقائه ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط امس الاول، وانّ موقفه لم يتغّير حتى الآن..
وصدر عن هيئة شؤون الإعلام في تيار “المستقبل” ليل أمس البيان الآتي: “يؤكّد تيار “المستقبل” أنّه غير معني لا من قريب ولا من بعيد، بما يتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من بيان منسوب الى ما يسمّى “الهيئة الداعمة للشيخ سعد الدين رفيق الحريري” يدعو إلى مسيرة في اتجاه “بيت الوسط”، صباح السبت في 7 كانون الأول الجاري (غداً)، تحت عنوان “معك يا شيخ سعد” ودعم الطائفة السنّية. ويهمّ تيّار “المستقبل” التأكيد أنّ الدعوة صادرة عن جهة مجهولة وهي غير موجودة في الاساس، وينبّه المحازبين وكافة المواطنين الى وجوب عدم التعامل معها”.
.. وقرار ميقاتي
الى ذلك، وغداة بيانه والرئيسين السابقين للحكومة فؤاد السنيورة وتمام سلام، قال الرئيس نجيب ميقاتي أمس، إنّ كتلة “الوسط المستقل” برئاسته إتخذت قراراً بتسمية الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة “لكي يكمل المسيرة التي يقودها منذ ثلاث سنوات عند التسوية الرئاسية، لأننا لسنا في مرحلة تسمح بإجراء تجارب”.
وسُئل ميقاتي عن إمكان ترشيح الخطيب، فقال: “الخطيب يملك كل مقومات الاحترام، ولكن مقومات حمل الأعباء في هذه الظروف السياسية أمرٌ آخر. فالمرحلة الحالية صعبة. ولا يكلّف الله نفساً الّا وسعها”. وقال: “المطلوب حكومة إستثنائية لإنقاذ البلد، وليس الامر مرتبطاً فقط بشخص رئيس الحكومة، بل بالتركيبة الحكومية، وما نراه حالياً لا يوحي بأنّ الامور متجّهة نحو الوضع الانقاذي”.
وعن مسار الاستشارات الاثنين المقبل، قال ميقاتي: “لا يمكن التكهن مسبقاً بما قد يحصل، وما اذا كانت الامور ستسلك طريقها الواضح، فالامور مرهونة بأوقاتها، خصوصاً انّ الكتل النيابية لم تعلن بعد مرشحها، على عكس ما كان يحصل سابقاً. ربما هناك اسماء سياسية اخرى قد تظهر”.
“القوّات” لن تسمّي
من جهته قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع: “الويل لأمة سائسها ثعلب وفيلسوفها مشعوذ وفنّها فنّ الترقيع والتقليد. ويلٌ لأمة حكومتها حكومة التقليد والترقيع وإعادة استنساخ القديم من جديد”.
وأكّد جعجع بعد اجتماع تكتل “الجمهورية القوية” في معراب برئاسته، أنّ “ما يجري اليوم هو قمّة انعدام الإحساس مع الناس، واللامسؤولية، هو قمّة خداع الناس والاستمرار تماماً في النهج نفسه الذي كان سائداً، ولو بوجوه جديدة شكلاً، قديمة ممارسة وأسلوباً”. واعتبر أنّهم “يتحدثون عن حكومة تكنوسياسية وعن ممثلين للحراك في محاولة لتقزيم المبادئ العامة للثورة”، مشدّداً على أنّ “الوضع الاقتصادي المعيشي في مكان، وقوى السلطة تتصرّف كأنّها تعيش على المريخ”، ومعتبراً أنّ “سلوك السلطة الحاكمة كفيل وحده بإشعال أضخم الثورات من دون منّة من أي سفارة أو أي جهة أخرى”. وأبدى جعجع تفاؤله بلبنان جديد. معوّلاً على الإنتفاضة الشعبية، وقال: “صحيح أنّ ليل الوطن حالك، لكن فجر لبنان الجديد الذي يحلم به الثوار سيبزغ”.
ولاحقاً، أصدر تكتل “الجمهورية القوية” بياناً لفت فيه الى أنّه “إنطلاقاً من الطريقة التي تمّ التحضير فيها للاستشارات النيابية، وانطلاقاً من عدم دستورية الخطوات التي اتُبعت، خصوصا لجهة تبدية التأليف على التكليف، وانطلاقاً من الضرب بعرض الحائط بكل مطالب الناس وتمنياتهم بحكومة اخصائيين مستقلّين يتمتعون بالصدقية والشفافية وبعيدين عن تأثير جماعة السلطة، وانطلاقاً من حاجة البلاد إلى حكومة تستطيع إخراج لبنان من الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية والمطلبية غير المسبوقة، فإنّ التكتل اتخذ قراراً بعدم تسمية أحد في الاستشارات التي سيشارك فيها نواب تكتل الجمهورية القوية”.
الاقتصاد والمال
على الصعيد الاقتصادي والمالي، برز أمس استقبال وزير المال علي حسن خليل المدير الإقليمي للبنك الدولي ساروج كومارجاه والمدير العام للشؤون المالية والتنافسية والابتكار الفونسو جارسيا مورا مع وفد، وجرى عرض للأوضاع الراهنة واستطلاع المخاطر جراءها، ونقل الوفد الى خليل “تأكيد البنك الدولي واستعداده للمساعدة ودرس تأثيرات الأزمة التي يمرّ بها لبنان على الطبقات الفقيرة والسيناريوهات المطلوبة لمواكبتها وطريقة المعالجة وسبلها”.