كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : ظلت الازمة الحكومية بكل تشعباتها تراوح امس، وبَدا أنّ الاوراق التي تستخدم لتعبئة الوقت قد استنفدت، على الاقل حتى الآن، ما دلّ الى انّ هذه الازمة ما تزال في مربعها الاول ولم تغادره على رغم كل ما جرى من لقاءات ومفاوضات وتحركات في كل الاتجاهات منذ البدايات والى اليوم. وذهب مراقبون الى التأكيد انّ الازمة ما تزال في النقطة صفر، لأنّ الواضح هو انه الى التمسّك برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لتأليف الحكومة الجديدة من جهة وتمسّك الحريري نفسه بشروطه من جهة ثانية، جاء موقف وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو أمس المشخّص للأزمة بقوله انّ اللبنانيين ”يريدون ان يخرج “حزب الله” وايران من بلادهم ومن نظامهم الذي يمثّل قوة عنيفة وقمعية”، ليدلّ الى ان لبنان يقف أمام أزمة سياسية طويلة لن يتركز الاهتمام عليها كأزمة أُم، بل على متفرعاتها من قضايا حياتية ومعيشية، ما يعني أنها ستظل تراوح في متاهة طويلة.
وفي انتظار ثبوت الخيط الابيض من الخيط الاسود من فجر الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، تتعدد الروايات وتتناقض بين متفائلة ومتشائمة إزاء مصير هذا الاستحقاق، في ضوء اجتماعات تعقد بين المعنيين علناً حيناً وبعيداً عن الاضواء أحياناً. ومنها كان اجتماع مساء أمس في “بيت الوسط” بين الحريري والمهندس سمير الخطيب، جاء بعد اجتماع للأخير مع الوزير علي حسن خليل ومعاون الأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين خليل مساء أمس الأول.
وكذلك جاء اجتماع الحريري والخطيب بعد لقاء انعقد مساء امس الاول بينه وبين الوزير جبران باسيل برعاية رجل الاعمال علاء الخواجا، الصديق المشترك لهما، ودام نحو 3 ساعات لم تتبلور خلاله اي اجوبة نهائية متبادلة على القضايا المطروحة بين الرجلين حول الحكومة العتيدة وطبيعتها وحجمها ودورها.
لكنّ مصادر الطرفين لم تؤكد حصول هذا الاجتماع.
إذا صدقت النيّات
وأبدت مصادر متابعة لحركة الإتصالات تفاؤلها بالمسار الذي اتخذته المفاوضات في الساعات الأخيرة، وقالت لـ”الجمهورية”: “إذا صدقت النيّات فسنكون امام حكومة أسرع مما نتوقّع بعد تذليل كثير من العقبات، وأوّلها مشاركة الحريري الفاعلة في المفاوضات وعرضه شروطه على الطاولة وهو مدار أخذ ورد بين الاطراف المشاركة”.
وأضافت هذه المصادر: “على عكس ما كان في السابق، فإنّ اياً من القوى السياسية لا تتمسّك بأسماء، امّا الحقائب فهي قابلة للبحث باستثناء ما هو متفق عليه، والثابت انّ حجم الحكومة هو 24: ثلثان تكنوقراط وثلث سياسي من وجوه جديدة، وهذه الحكومة التي اتفق الجميع على ان لا يكون لأيّ مكوّن منها حسابات شعبوية وفئوية وانتخابية، ستلقى على عاتقها المهمات الانقاذية الصعبة وإجراءات موجعة تنفذها بكل جرأة، أمّا عمرها فلن يتجاوز ال 6 أشهر”.
وأوضحت المصادر “انّ المفاوضات جدية ودقيقة هذه المرة ويجب ان تؤدي الى نتيجة، وإلا فإننا نضيّع فرصة كبيرة وتثبت أطراف اساسية أنها تناور وتلعب في الوقت الضائع، وعندها سنكون أمام مرحلة اكثر صعوبة”.
المجتمع الدولي
في المقابل، قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ “المجتمع الدولي متخوّف جدّاً من حجم الأزمة التي بلغت الواقع في لبنان، وعلى مستقبل لبنان ومصيره، لأنّه يدرك أنّ كلّ فريق متمسّك بوجهة نظره ما بين الحكومة “التكنو-سياسية” وحكومة التكنوقراط، ما يجعل الأمور تتّجه من سيّئ إلى أسوأ، فيما لبنان في صلب الانهيار وهو يتّجه إلى مزيد من الإنهيارات”.
وفي المعلومات ايضاً أنّ “المجتمع الدولي سيقدّم تصوّراً لمخرجٍ ما، لكن حتى اللحظة لا توجد أي خطوة عملية”.
وأضافت المصادر: “على المستوى الداخلي، فإنّ كل فريق ما زال متمسّكاً بوجهة نظره، الحريري متمسّك بحكومة التكنوقراط ولا يريد أن يعطي أي غطاء لمرشّح سنّي خارج سياق حكومة اختصاصيين مستقلّين، و”حزب الله” والعهد متمسّكان بحكومة تكنو- سياسية. هناك شدّ حبال كبير، وحتى الآن لا يمكن الكلام عن أي تقدّم، ولكن بدأت المخاوف في الداخل اللبناني والخارج بالتوسّع أكثر فأكثر مع اقتراب الانهيار الشامل. وهناك مَساع لكسر هذا الواقع، وتشكيل الحكومة قبل نهاية السنة”.
خرق محدود
وعلى وَقع عدم تعليق مصادر “بيت الوسط” تأكيداً او نفياً لحصول اللقاء بين الحريري والخطيب، أفادت معلومات ليلاً أنّ خرقاً محدوداً قد تحقق، على حد ما أبلغ الخطيب الى من التقاهم بعد لقائه الحريري من دون كشف التفاصيل التي أدّت الى هذا “التوصيف” الجديد في ظل الأجواء المتشنجة التي سادت خلال ساعات ما قبل اللقاء عقب ردة فعل تيار “المستقبل” على مقدمة نشرة الاخبار في محطة “OTV” أمس الأول، ما رفع منسوب التوتر بين الطرفين الى حدود غير مسبوقة.
حراك يكسر المحميّات
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أكد امام نقابة المحامين أمس “اننا جميعنا نريد الإصلاح، برغم من المعوقات أمام مجرى الأحداث. لقد أتى الحراك اليوم ليكسر كثيراً من المحميات ويزيل كثيراً من الخطوط الحمر، وستشهدون في المرحلة المقبلة ما يرضيكم ويرضي جميع اللبنانيين”.
وأضاف: “بالطبع هناك الكثير من “الشواذات” التي تحتاج الى إصلاح، ونحن لا نصطدم فقط بالفاسدين الموجودين في الحكم أو الذين كانوا في الحكم، لكننا نصطدم بحماية المجتمع لهم. فهل يمكننا أن نحاكم الاشخاص بتهمة الفساد من دون دلائل؟ لا، لا يمكننا ذلك. نريد ان يقاوم الشعب معنا. وهناك أيضاً الفساد القانوني، مثلما يحصل عند بيع قطعة من الارض وتسجيلها لدى الكاتب العدل لأكثر من مرّة من دون تسديد الضريبة. لهذا أقول لكم الاعتراض وحده لا يكفي”.
وتطرّق عون الى الحريات في لبنان، فاعتبر أنّها “وصلت الى حدّ الفوضى”، ولفتَ الى “عدم وجود صحافيين في السجون لأنّ حرية التعبير مؤمّنة لهم”، وقال: ”يتعرضون لنا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أحد يتعرض لهم، لكنّ الحرية التي دافعنا عنها تجاوزت حدودها، بعدما باتت الشتيمة جزءاً من حرية الإعلام، وهذا غير مقبول”.
وعن الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، أشار الى أنّها “كبرت كثيراً نتيجة تراكم عمره عشرات السنين”، موضحاً أنّه حذّر من انفجارها في أكثر من مناسبة.
ورأى أنّ “الشائعة اليوم تغلب الحقيقة”، لافتاً الى وجود “عدد كبير من القوانين التي لا تنفّذ، ومنها ما هو صادر منذ عام 1943، وهي متعلقة بالترويج السيّئ للعملة الوطنية، ويجب محاكمة من يقوم بمثل هذا الأمر”.
قطع طرق
وعاوَد عدد من المحتجّين إقفال الطرق ليل أمس، وتحديداً في الناعمة، حيث أقفلوا الأوتوستراد الساحلي في الاتجاهين احتجاجاً على الاوضاع الاقتصادية المتدهورة، وارتفاع الأسعار. كذلك أقفل محتجّون في الشمال طريق المنية – العبدة عند جسر المحمرة، ونصبوا خيمة وسط الطريق، احتجاجاً على ارتفاع سعر ربطة الخبز، والاوضاع الاقتصادية الصعبة.
كذلك نصبوا خيمة اعتصام امام مركز شركة “ألفا”، إلى جانب الطريق العام في عرقة – منيارة، كذلك أُقفلت طريق الكولا وقصقص باتجاه شاتيلا.
وعلى الأثر، نبّه تيار “المستقبل” من “مُنتحلي صفة التيار يوجّهون دعوات باسم ”المستقبل” عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى إقفال الطرق في المدينة الرياضية وقصقص والمزرعة”، مشدداً على أنّه “غير معني بهذه الدعوات لا من قريب ولا من بعيد”.
ونهاراً، جال عدد من المحتجّين في جونية على منازل النواب في كسروان لأخذ تواقيعهم على لائحة مطالبهم وعلى رأسها تشكيل حكومة تكنوقراط، وكانت أولى المحطات مكتب النائب شامل روكز الذي وقّع العريضة، فالنائب نعمة افرام الذي وقّعها أيضاً، ليتوجهوا بعدها إلى منزل النائب شوقي الدكاش في العقيبة الذي وقّع العريضة.
وكانت الاحتجاجات في قصر العدل في بيروت ملفتة، إذ دخل عدد من المحتجّين إليه للمطالبة بفتح تحقيقات في عدد من ملفات الفساد، ولاسيّما منها التهرّب الضريبي ومحطات الصرف الصحي والنفط والكهرباء، وألصقوا اللافتات على الجدران مطالبين بقضاء عادل ونزيه. وفتح على الأثر عناصر قوى الأمن الداخلي الذين يحمون القصر تحقيقاً في الحادثة، وطلبوا من المتظاهرين نزع اللافتات.
الافراج عن مساعدة للجيش
من جهة ثانية أفرجت الولايات المتحدة أمس عن 100 مليون دولار كمساعدات للقوات المسلحة اللبنانية، والتي حجبها البيت الأبيض الشهر الماضي.
وقالت وسائل إعلام أميركية إنّ إدارة ترامب قدّمت بـ”صمت” أكثر من 100 مليون دولار مساعدات عسكرية إلى لبنان، بعد أشهر من التأخير غير المبرر.
وصرّح اثنان من موظفي الكونغرس ومسؤول في الإدارة الأميركية، أنه تم تقديم مبلغ 105 ملايين دولار من أموال التمويل العسكري الأجنبي للقوات المسلحة اللبنانية الأسبوع الماضي، وتم إخطار المشرّعين بالخطوة أمس.
الوضع المعيشي والاقتصادي
وفيما استمرت الانظار شاخصة نحو نتائج اجتماع بعبدا المالي، لمعرفة ما اذا كانت هناك خطوات عملية سيتم اتخاذها، برزت امس على المستوى الحياتي إشكالية سعر ربطة الخبز، ربطاً بارتفاع سعر الطحين، وكلفة إنتاج ربطة الخبز بسبب ارتفاع أسعار مكونات الربطة بالاضافة الى الطحين. وقد نجح وزير الاقتصاد، بعد مفاوضات مع اصحاب المطاحن والمستوردين واصحاب الافران، في الابقاء مؤقتاً على سعر الربطة كما هو.
في الموازاة، لم تثمر انتظارات المواطن، الذي كان موعوداً بفض مناقصات استيراد البنزين مباشرة من قبل وزارة الطاقة أمس، في كسر احتكارات الشركات الخاصة التي تكوّن فيما بينها ما بات يُعرف بكارتل النفط. فقد قررت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني تأجيل فض العروض الى الاثنين المقبل.
وعلى رغم انّ بستاني قدمت تبريراً لهذا التأجيل، بالتأكيد ان شركتين طلبتا منحهما مزيداً من الوقت لاستكمال ملفاتهما للمشاركة في المناقصة، إلّا أنّ خطوة التأجيل أثارت الشكوك وعلامات الاستفهام لدى الناس، خصوصاً أنّ “مَن كَواه الحليب ينفّخ على اللبن”. وطُرحت اكثر من نظرية في شأن ما اعتبره البعض الاسباب الحقيقية للتأجيل.
في المقابل، لا تزال المشكلة التي فجّرت الأزمة وأدّت الى إضراب محطات الوقود ليومين قبل تجميد الاضراب مؤقتاً، تراوح مكانها.
وقد أعلن ممثل موزّعي المحروقات بعد لقاء بستاني أمس، “اننا لا نزال على موقفنا، والحلّ هو أن تدفع الفاتورة 100 % بالليرة اللبنانية”، لافتاً الى انّ “هناك كميات قليلة من المحروقات في بعض الشركات، ولذلك حصل بعض التقنين. ولكن اليوم (أمس) الجميع تَسلّم المحروقات، ونأمل ألّا يتكرّر الإضراب”.
الى ذلك، لم يطرأ أي جديد على الوضع المالي والمصرفي، واستمرت الاجراءات التقشفية التي تتخذها المصارف على حالها، في حين انّ سعر دولار السوق السوداء بقي يدور حول مبلغ الألفي دولار، مع تفاوت في أسعار الشراء والبيع بين صرّاف وآخر.