كتبت “الجمهورية” تقول:استمرت أزمة التكليف والتأليف في مراوحة أمس، ولم يكسرها اللقاء المفاجئ الذي انعقد في القصر الجمهوري بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، الذي لم ينته الى أي نتائج تبعث على التفاؤل بإمكان إنجاز الاستحقاق الحكومي قريباً. ودَلّت المواقف والتطورات الى أنّ المواقف ما تزال متباعدة، سواء حول شخصية رئيس الحكومة المكلف، في ضوء عزوف الحريري عن قبول هذه المهمة لاعتقاده أنّ “الظروف ليست ملائمة”، أو حول طبيعة هذه الحكومة من حيث حجمها ونوعية وزرائها والمهمات التي تنتظرها.
شكّل اللقاء بين عون والحريري بعد ظهر أمس الحدث السياسي الأبرز على ساحة الازمة الحكومية، الباحثة عن حل يُفضي الى تأليف حكومة جديدة.
وبعد اللقاء قال الحريري: “سنُكمل المشاورات الحكومية مع بقية الافرقاء “وهَيدا الشي الوحيد يَلّي بَدي قولو”.
وعلمت “الجمهورية” أنّ عون طلب أن يستمع من الحريري أين أصبحت الاتصالات حول الاستحقاق الحكومي؟ وما هي وجهة نظره لجهة تشكيل حكومة تكنوقراط خالية من السياسيين أو تكنوسياسية؟ واذا كان فيها وزراء تكنوقراط فمَن سيختارهم؟ وعلى أي أساس؟ وهل هم يمثّلون أحزاباً أو قريبين منها أو لا لون لهم ولا رائحة؟ وماذا ستكون مهمات الحكومة اذا كانت تكنوقراط صافية؟ وكيف سيؤمّن الغطاء السياسي لها لتعبر في مجلس النواب أو تصمد قراراتها في البرلمان؟ واذا كان الحراك الشعبي من ضمنها فبمَن سيتمثّل وكيف طالما حتى الآن لا قيادة سياسية له؟”.
وفي المعلومات أيضاً أنّ عون والحريري أجريا عملية تقييم للمرحلة الحالية ودقتها وخطورتها، وطريقة فرملة الانهيار الاقتصادي أو تأخيره بسلسلة إجراءات مُلحّة على المدى القصير، الى حين تشكيل الحكومة التي ينادي البنك الدولي بضرورة استعجالها.
لا تقدّم
وقالت مصادر متابعة للاتصالات لـ”الجمهورية”: “لا تقدّم على صعيد التفاوض، فلا الحريري يريد العودة على رأس حكومة مطعّمة سياسياً من أحزاب، ولا الكتل النيابية الكبيرة، وفي مقدمها “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحركة “أمل”، مقتنعة بحكومة تكنوقراط، لأنها تعتبر انّ الهدف الخارجي الأساس منها هو إبعاد “حزب الله” عن السلطة التنفيذية وإقصائه ومقاصصته، وبالتالي يكون الحزب قد سَلّم رقبته لمَن يريدها”.
وأشارت المصادر الى “انّ الحريري، الذي كان قد أبلغ الى الوزير جبران باسيل و”الخليلين” انه لا يرغب بالعودة الى رئاسة الحكومة، لم يُبد هذه الرغبة صراحة لرئيس الجمهورية، وأبقى على قنوات التفاوض مفتوحة على رغم من أنّ أفق الحلول حتى الساعة ما زال مقفلاً”.
ورأت المصادر “انّ الامور لا يمكن ان تطول لأنّ الوضع مختلف هذه المرة، والجميع يعملون على حَدّ سَيف الانزلاق الاقتصادي والمالي والنقدي الخطير”.
وعُلم انّ عون كان قد تشاور والحريري هاتفياً قبل لقائهما، حيث استوضحه موقفه من الوضع الحكومي، فبَدا الأخير رافضاً فكرة ترؤسه الحكومة الجديدة، متذرّعاً بأنّ “الظروف ليست ملائمة”.
بري يضغط
في غضون ذلك عُلم انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يعمل بنحو مكثّف وضاغط على الحريري لِثَنيه عن عزوفه عن الترشح لرئاسة الحكومة، وهو في هذا الصدد على تواصل مباشر معه، سواء عبره شخصياً حيث قال له ما مفاده: “أنا معك غَصب عنّك”، أو عبر الوزير علي حسن خليل الذي التقى الحريري أكثر من 5 مرات في الأيام الاخيرة، إضافة الى لقاء عقد مساء أمس بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين خليل.
لكنّ مصادر “بيت الوسط” لم تشأ الإشارة لـ”الجمهورية” الى لقاء الحريري وخليل وما نسج عنه من سيناريوهات ومعلومات، وقالت: إنّ “بيت الوسط” بَراء من كل ما جرى تَداوله من سيناريوهات حول اللقاء وما حَمله، إن حصل، من دلالات وإشارات “ملغومة” معروفة المصادر والغايات”.
مجموعة أسماء
وتفيد المعلومات انّ الحريري، وخلال مناقشاته مع القوى السياسية، يطرح مجموعة من الاسماء لترؤس الحكومة، والتي لا تعتبر من الصف الاول، وهو الأمر الذي لا يَلقى قبولاً لدى الآخرين، وتحديداً بري و”حزب الله”.
وكذلك الأمر مع فريق رئيس الجمهورية، الذي بدأ يميل لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، علماً انّ هذا الفريق بدأ في الفترة الاخيرة التفكير بالذهاب الى خيار آخر، وهو أمر عَدل عنه “التيار الوطني الحر” بعد نصيحة تلقّاها من “حزب الله”.
ووصف بعض المشاركين في الاتصالات مع الحريري، قراره بالعزوف بأنه محاولة هروب من تَحمّل المسؤولية وإلقاء الجمرة في أيدي الافرقاء الآخرين، وقد سمع كلاماً مباشراً بهذا المعنى. واكدت مصادر معنية بحركة الاتصالات انّ الامور، على رغم من انها تبدو شديدة الصعوبة حالياً، إلّا أنها ليست بالضرورة مقفلة، وثمة محاولة يقوم بها بري لدفع الحريري الى مسؤولياته.
وقال بري أمام زواره أمس: “أنا مع سعد الحريري على راس السطح، وعندما سأذهب الى الاستشارات سأسمّي و”كتلة التحرير” سعد الحريري. وأنا لا اقول ذلك بناء على مصلحة شخصية، أنا أسعى لمصلحة بلدي”.
وسُئل بري: في حال رفض الحريري تسميته؟ فأجاب: “أنا معه غَصب عنّو”.
موفد لماكرون
وعلى صعيد المواقف الدولية، كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى لـ”الجمهورية” انّ فرنسا دخلت على خط الأزمة الحكومية بقوة وبسرعة قياسية، دافِعة في اتجاه الإسراع في معالجتها.
وقالت انّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيوفِد مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف فارنو، الى لبنان لهذه الغاية.
وأكدت انّ باريس لا يمكنها التفرّج على ما يجري من دون ان يكون لها دور في تقريب وجهات النظر، وتسهيل المشاورات الجارية، لتستعيد المؤسسات الدستورية اللبنانية دورتها الطبيعية.
وفي المعلومات انّ السفارة الفرنسية باشرت التحضير للقاءات من اللقاءات التي سيعقدها فارنو، وهي ستشمل، الى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، عدداً من الشخصيات اللبنانية المؤثرة.
الوضع المالي
ويوماً بعد آخر، تَتظهّر خطورة الوضع المالي في البلد، بالتماهي مع الاجراءات التي تتخذها المصارف، ومن ضمنها وقف كل التسهيلات للأفراد والمؤسسات. وهذا القرار ستبدأ تداعياته في الظهور تباعاً مع الوقت، حيث سيؤدي الى شَلل تام في الماكينة الاقتصادية، ويضرب المؤسسات، ويزيد من مخاطر انتشار الافلاسات في القطاعات كافة.
وفي المؤشّرات، وعلى عكس سياسة التطمين التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طوال الفترة الماضية، بدأ في هذه المرحلة اعتماد لغة مختلفة أقلّ ما يقال فيها إنها تعكس حجم المخاوف والقلق القائمة. فقد اعتبر سلامة أنّ “وضع لبنان صعب للغاية، ولكن رغم ذلك يستمر القطاع المصرفي في البلاد في تقديم خدماته للزبائن”.
وعن أزمة البلاد الاقتصادية، قال إنّ “حل الأزمة مسؤولية السياسيين والزعامات في البلد”، مشيراً إلى أنّ “الحلول لا تأتي خلال أيام”. لكنه شَدّد على “ضرورة استعادة الثقة بقدرة البلاد على تجاوز الأزمة، عبر تناول واقعي للمشكلات القائمة، والسعي لتقديم حلول لها”.
“موديز” تخفض تصنيف أكبر 3 بنوك في لبنان
في غضون ذلك، خفضت وكالة “موديز انفستورز سيرفيس”، التصنيف الائتماني لأكبر 3 مصارف في لبنان من حيث الأصول إلى مستويات أعلى للمخاطر، وهو ما يعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية، بينما تتضرّر البلاد من الاضطراب السياسي.
وتأتي هذه الخطوة بعدما خفّضت “موديز”، الثلاثاء الماضي، تصنيف لبنان الائتماني إلى Caa2، مشيرة إلى تنامي احتمالات إعادة جدولة ديون ستصنّفها على أنها تخلف عن السداد.
وقالت موديز إنها خفّضت تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى بنوك عوده وبلوم وبيبلوس إلى Caa2 من Caa1، وخفّضت أيضاً تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية إلى Caa3 من Caa1، مشيرة إلى محدودية الدعم السيادي لمثل تلك الودائع.
وأضافت: “ينعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية على الجدارة الائتمانية للبنوك الثلاثة، نظراً لانكشافها الكبير على الدين السيادي اللبناني، وهو المصدر الرئيسي للمخاطر التي تتهددها”، وفق ما نقلت “رويترز”.