هناك مناخ يخيّم على لبنان منذ شهور ينذر بأن البلد بات على أبواب الإفلاس والانهيار، وإن الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هو في فرض مزيد من الرسوم و الضرائب وتحديدا على الطبقات الفقيرة، كضريبة المحروقات وضريبة القيمة المضافة الإضافية، وزيادة فاتورة الكهرباء وتسريح آلاف الموظفين تحت شعار إعادة هيكلة القطاع العام، وتخفيض الرواتب أو تجميدها، وفرض ضرائب على رواتب التقاعد، كل ذلك من بوابة موازنة 2020؛ و بقوة التهديد الخارجي بتخفيض التصنيف الإئتماني للبنان والتشكيك بقدرته على سداد ديونه الأمر الذي سيؤدي في هذه الحالة الى ارتفاع أسعار الفوائد على ديونه وبالتالي انهيار وافلاسه.
بالطبع انه مشهد تشاؤمي قاتم يساهم في تعزيزه عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين يتصدرون كل يوم شاشات التلفزة متحدثين عن الاعباء التي باتت تثقل الشعب والخزينة والتي لا قدرة للبنان على تحملها في حين ان ثروات بعض الزعماء و الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتت تستحوذُ على كامل الأرباح التراكمية للمصارف والتي تعادل أكثر من مئة مليار دولار.
في لبنان، لا شيء يُفقَد، ولا شيء يولد من عدم، التحوّل بات نوعا من التذاكي و الشطارة لتكديس الثروات حتى بات الفقر على ضفة واحدة هي الشعب والخزينة، اما الغنى والبذخ على الضفة الأخرى لدى المترسملين الجدد من أصحاب النفوذ والسلطة والعقارات والمصالح والشركات والمصارف.. الخ.
أمام هذا الواقع المر يطرح السؤال حول قدرة اللبنانيين على التكيّف مع هذا الستاتيكو المعيشي المأزوم في ظل انتشار الأمراض والاوبئة والتلوث فيما الجهات المعنية تقف عاجزة عن ايجاد الحلول الملائمة للحد قدر الإمكان من تداعيات هذا الوضع الخطير الذي يبدأ بانتشار النفايات على الطرقات ولا ينتهي بتلوث المياه وتهديد صحة المواطن.
المطلوب ليس استرداد الأموال العامة التي نُهبت طيلة السنوات الماضية؛ فهذا أمر من نسج الخيال في بلد تنعدم فيه المساءلة والمحاسبة؛ وإنما المطلوب ببساطة وضع خطة طوارئ اقتصادية تسمح بفتح أبواب تنعش الاقتصاد وتزيد من مداخيل الدولة، والاقلاع عن سياسة ربط أرباح المترسملين الجدد بخسارة الشعب والخزينة واستبدال هذه السياسة التجويعية بربط مصالح هؤلاء المترسملين بديمومة الشعب والخزينة بعد أن صارا على “الحديدة”؛ فالمصيبة تجمع والجميع بات في القارب نفسه ، وإن بدأ النزيف الكبير فلن يبقى لأحد شيئا.
**