لو كتبنا خبرا قبل عشر سنوات نقول فيه إنّ طائرتين مُسيّرتين صغيرتين اخترقتا المِنطقة الحدودية من قِطاع غزة باتّجاه العُمق “الإسرائيلي”، وعادتا إلى قاعدتهما بعد إنجاز مهَمّتهما دون أن يتمكّن الجيش الإسرائيلي من إسقاطهما، لاتّهمنا الكثيرون بالمُبالغة، وربّما الجُنون أيضًا، أو الاثنين معًا، ولكن هذا ما حدث بالأمس، واعترفت السلطات الإسرائيليّة وإعلامها به رسميًّا.
المقاومة في قِطاع غزة والضفّة الغربيّة تطوّر أدواتها، وتحدّث أسلحتها، استعدادا لمواجهة أيّ عدوان صهيوني محتمل، وأخذ زمام المبادرة إذا لزِمَ الأمر، ممّا يثير قلق القيادة الإسرائيليّة ومخاوفها، حتى أنها بدأت تتبنّى استراتيجيّة تأجيل أيّ مواجهة في قِطاع غزّة لأطول فترة ممكنة تجنّبا للخسائر الكبيرة.
تطوّران مهمان وقعا في الضفّة والقِطاع في الأيّام الستّة الماضية:
الأوّل: تنفيذ عمليّة قنص لجندي إسرائيلي ومحاولة اختطافه ثمّ قتله قرب مستوطنة غوش عتصيون في الضفّة يوم الخميس الماضي، نفّذتها خليّة يعتقد أنّها تابعة لحركة “حماس”.
الثاني: محاولة أحد عناصر حركة “حماس” في قِطاع غزّة اجتياز الحدود بزيّ الجناح العسكريّ وبندقيّة رشّاشة أمس الأوّل السبت، وإطلاقه النّار قبل استشهاده على جنود إسرائيليين من وحدة جولاني الخاصّة، وإصابة ثلاثة منهم، أحدهم برتبة ضابط.
العمليّة الأولى تؤشر على عزم حركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” نقل المواجهات إلى الضفّة الغربيّة، وهذا أكبر تهديد للأمن الإسرائيلي والسلطة الفِلسطينيّة وقوّات أمنها معا، أمّا العمليّة الثانية التي وقعت على حدود القِطاع فتؤكّد أنّ حركة “حماس” لم تعد تخشى الرّد الانتقامي الإسرائيلي، بل ربّما تسعى إليه لقصف تل أبيب ومدن أخرى بمِئات القذائف والصّواريخ.
بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يدرك جيّدا جميع هذه الحقائق، ولو كان يخامره أيّ أمل بتحقيق انتصار سريع ومضمون ضِد حركات المقاومة الفِلسطينيّة، وفي القِطاع خصوصا، لما تردّد في إرسال طائراته ودبّاباته لاجتياحه، وتعزيز فرص فوزه في انتخابات الكنيست في 17 من أيلول (سبتمبر) المقبل.
المقاومة بشقّيها اللبناني والفِلسطيني لم تعد تكتفي باستراتيجيّة الرّدع، وباتت تخطّط لاستراتيجيّة هجوميّة موازية عنوانها الأبرز التوغّل في العمق الفِلسطيني المحتل وتحرير مدن ومستوطنات سواء في الشمال أو الجنوب.
الخبراء العسكريّون في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيليّة أكّدوا أنّ خسائر الجيش في أيّ حرب قادمة ستكون أعلى أربع مرّات من أيّ حروب سابقة، بسبب تطوّر القدرات الهجوميّة لحركات المقاومة في قِطاع غزّة تحديدا.
إطلاق طائرات مسيّرة من القِطاع في مهمّات رصد واستطلاع، وعودتها إلى قواعدها دون أن ترصدها الرادارات، أو تسقطها صواريخ القبّة الحديديّة، يعكِس تقدّما نوعيّا في تجهيزات المقاومة عالي المستوى والدقّة.
سبحان مغيّر الأحوال، فالصواريخ لم تعد عبثيّة وباتت مجهّزة برؤوس متفجّرة بأحجام تصِل إلى 500 كيلوغرام، والطائرات المسيّرة أصبحت تحِل محَل البالونات الحارِقة، والطائرات الورقيّة المفخّخة.
إنّها إرادة المقاومة، والاعتماد على النّفس، وإسقاط الرّهان على كل الأنظمة العربيّة والانضمام إلى محور المقاومة، الذي بات الحَليف القويّ الذي لا يساوم على الحقوق المشروعة، ويوجّه بوصلته نحو تحرير الأرض والمقدّسات.
المصدر: جريدة رأي اليوم
**