ألقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الاحتفال بعيد الجيش الذي أقيم في ثكنة شكري غانم في الفياضية، الكلمة الآتي:
“هنا في مدرسة الوطنية، حيث تنصهر القلوب بالمبادئ والعزم والإرادة، نقف مرة جديدة أمام دفعة من شباب قرروا سلوك الدرب الصعب في حياتهم العملية، والدرب صعب لأنها ليست مهنة كسائر المهن ولا يمكن حتى اختصارها بمهنة، فالجندية حياة وطريقة عيش، وهي الوحيدة التي ترتبط تسميتها الوظيفية بالحياة، فيقال الحياة العسكرية.
أيها الضباط الخريجون،
لا شك أن الخيارات كانت أمامكم عديدة، ومروحة الاختصاصات واسعة، غالبيتها قد تكون أسهل وأكثر راحة، وربما أفضل من نواح عدة. ولكن اختياركم الحياة العسكرية، إن دل على شيء فعلى شجاعة وإقدام وروح معطاءة ووطنية صافية.
وفي احيائكم اليوبيل الماسي للاستقلال” واختياره عنوانا لدورتكم تؤكدون التزامكم صون الوطن والدفاع عن استقلاله وسيادته مهما غلت التضحيات.
ومع رفع يمينكم وتلاوة قسمكم ستبدأون مسيرة حياة فيها الكثير من التعب والتضحيات وفيها أيضا الامتحان الحقيقي لتلك الميزات، فإن نجحتم ستربحون راحة الضمير النقي والحر، ومن تجربتي أقول لكم إنه الربح الأثمن، فاسعوا لتحصلوا عليه.
لقد أثبت جيشنا الوطني على مر السنوات والأزمات أنه فوق المصالح والتجاذبات، وأنه ضمانة الوطن. وهو قد حقق خلال السنتين الماضيتين مكاسب وانجازات يشهد له بها، فحرر جرودنا الشمالية والشرقية من الإرهاب، وتمكن هو وسائر القوى الأمنية، وبعمليات استباقية نوعية، من القضاء على معظم الخلايا النائمة للإرهابين وشلِّ حركتهم، محققين للبنان أمنا ثمينا تسعى اليه جميع الدول. هذه الانجازات تتطلب كل الوعي والحكمة للمحافظة عليها، وهي تستكمل بإبقاء العين ساهرة على حدودنا الجنوبية، مع وجود عدو يتربص بنا وينتهك باستمرار القرارات والمواثيق الدولية وخصوصا القرار 1701، وتدعم أيضا بتثبيت الأمن والاستقرار في الداخل؛ فالأمن خط أحمر ولا تهاون مع أي محاولة للتلاعب به، فشعبنا يستحق أن يعيش بأمان ويمارس كافة حقوقه بحرية ومن دون خوف في أي منطقة كان من لبنان، أضف الى ذلك أن الأمن هو الركيزة الأساس لأي ازدهار وأي نهضة، فلا اقتصاد يقوم في بلد أمنه مهتز.
أيها الضباط الخريجون
أيها العسكريون
من هذا الصرح الذي لطالما خرج أبطالا قدموا للوطن أثمن ما لديهم، أتوجه اليوم لكل أبناء السلك العسكري، نحن يا رفاق السلاح لسنا أبناء مهنة أو وظيفة، وإن كنا نعيش من راتب ونتكئ على تقديمات ممنوحة لنا وهي حقنا، ولكننا في أساسنا وجوهرنا أبناء قسم وأبناء الشرف والتضحية والوفاء، أقسمنا يمين القيام بالواجب كاملا للذود عن الوطن وحمايته. والأخطار التي يتعرض لها الوطن ليست بالضرورة عسكرية فقط، فالأخطار الاقتصادية أشد قساوة وأشد فتكاً، وهي أخطر ما يعاني منه لبنان اليوم، وتطال الجميع. فهل ننكفئ أمامها؟ هل نتركه لمصيره؟ هل نرفض تضحية بسيطة ببعض المكتسبات ونحن الذين لم نبخل بها بالدم وبالحياة؟ يمر لبنان بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية قاسية، بعض أسبابها فرضته حروب المنطقة والوضع الاقتصادي العالمي، وبعضها الآخر نتيجة سنوات وسنوات من تراكم الأخطاء، ولكننا قادرون على تجاوزها وإنقاذ الوطن من براثنها إذا عقدنا العزم على ذلك.
والتضحية المرحلية مطلوبة من كل اللبنانيين بدون استثناء لتنجح عملية الانقاذ، فإن لم نضحِّ اليوم جميعا ونرضى بالتخلي عن بعض مكتسباتنا فإننا نخاطر بفقدها كلّها، حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة وما يمكن أن تفرضه علينا من خطط اقتصادية ومالية قاسية. وفي الأزمات يظهر معدن الشعوب، وكلي ثقة بصفاء معدن شعب لبنان العظيم وبقدرته على مواجهة الواقع بعزم وصلابة، والنهوض من الكبوات.
أيها الحضور الكرام،
لا ينفع لبنان في هذه المرحلة أن يستحضر البعض لغة الماضي، وممارساته، عازفا على وتر الحساسيات، وطاعنا في صميم إرادة العيش المشترك ومتطلباته، التي ثبتها اتفاق الطائف.
إن كل ممارسة من هذا النوع، إن كان في السياسة أو في الادارة، تؤذي الحياة الوطنية، وتهدد بإبطاء مسيرة النمو والخروج من دوامة الأزمة الحالية، ويجب أن تتوقف في الحال. فاتفاق الطائف الذي التزمت بتطبيقه في خطاب القسم، والتزمت به الحكومة كذلك في بيانها الوزاري، يشكل مظلة لنا لحماية الميثاق الوطني، عبر صون حقوق الجميع، وإحقاق التوازن بين مختلف شرائح المجتمع ومكوناته. ولا يمكن بالتالي لأي ممارسة أو موقف، أن يناقضا روحيته.
أيها العسكريون
كونوا أكيدين، انني من موقعي ووفقا لمسؤولياتي، سأسهر على الدوام لتبقى حقوقكم مصانة وكراماتكم محفوظة، كما تحفظون كرامة الوطن بتضحياتكم.
هنيئا للجيش، لذوي الضباط الخريجين وللبنان واللبنانيين هذه المناسبة العزيزة، التي تذكرنا بأن للوطن سياجا، وللشباب قدوة، وللأمن عيونا ساهرة وارادة لا تلين.
عشتم، عاش الجيش وعاش لبنان”.