كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تستمر السلطة في الدوران داخل حلقة مفرغة متجاهلة كل ما يضرب البلاد من ازمات، وعاجزة عن توفير المعالجات حتى لأبسطها، ومطلقة العنان للشلل الذي يصيب سلطتها التنفيذية بفعل الخلاف على طبيعة المعالجة القضائية المطلوبة لحادثة قبرشمون، والتي لا يجوز أن تعطل جلسات مجلس الوزراء الذي كان يُفترض ان يكون المبادر منذ البداية الى وضع اليد على هذه الحادثة التي هدّدت السلم الاهلي، فيما يبدو الآن كمن يقف في موقع المستقيل من مسؤولياته وصلاحياته.
برزت مساء أمس مؤشرات الى احتمال توافر توافق بين الافرقاء والمعنيين على مخارج للأزمة، اذ نشطت لهذه الغاية الاتصالات في مختلف الاتجاهات هادفة الى ايجاد مخارج بما يتيح عودة مجلس الوزراء الى جلساته المتوقفة منذ اكثر من ثلاثة اسابيع، بفعل الخلاف على طبيعة المعالجة القضائية لتلك الحادثة، والذي يشطّر الحكومة الى شطرين متناقضين يهدّدان بانفراط عقدها، أو على الاقل استمرار إنعدام إنعقاد جلساتها الأسبوعية مثلما هي حالها الآن.
وبدا من هذه الإتصالات، أنّ ثمّة مبادرة جديدة يُعمل على بلورتها وتتيح انعقاد مجلس الوزراء ليتخذ القرار المناسب في شأن المعالجة القضائية لحادثة قبرشمون. وكان البارز في هذه الاتصالات زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يرافقه الوزيران أكرم شهيب ووائل بو فاعور، لرئيس الحكومة سعد الحريري في “بيت الوسط”، وبحضور النائب السابق باسم السبع. وتناول البحث خلال اللقاء الذي تخلله عشاء، مجمل الأوضاع العامة وآخر التطورات السياسية.
وفي هذه الاثناء، زار المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، العائد من الدوحة رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” النائب طلال ارسلان في خلدة. وقالت مصادر تتابع الاتصالات لـ “الجمهورية”، انّ اللقاء كان مبرمجاً قبل ان يغادر ابراهيم بيروت في اليومين الماضيين الى الدوحة، وهو كان ينتظر من إرسلان جواباً حول خطوة تسليم المطلوبين ليمثلوا امام قاضي التحقيق العسكري الذي احيل اليه الملف عبر مفوض الحكومة لديها القاضي بيتر جرمانوس.
وحسب مبادرة ابراهيم الأخيرة، فانّه سيلي التحقيق الذي سيستأنف في المحكمة العسكرية، البت في الخطوات اللاحقة سواء بالنسبة الى محاكمتهم امام المحكمة العسكرية أو إحالة الملف الى المجلس العدلي أو القضاء العادي حسب الصلاحية، وبناء على نتائج التحقيقات المجمّدة في المحكمة العسكرية منذ إحالة المدّعي العام التمييزي بالإنابة القاضي عماد قبلان الملف اليها.
الاولوية القصوى
وأسفت مصادر سياسية مطلعة للتأزّم السياسي الحاصل على أكثر من مستوى وصعيد، من حادثة البساتين، إلى تعطيل جلسات الحكومة، وصولاً إلى نبش الملفات التي تثير الحساسيات الطائفية وفتح نقاش في “جنس الملائكة” على غرار تفسير المادة 95 من الدستور، وكأنّ هناك من يريد عن سابق تصور وتصميم تسخين الوضع السياسي لسبب او بلا سبب. واستغربت المصادر عبر “الجمهورية” هذا التفسير المستجد للمادة 95 خلافاً للتفسير المعطى منذ إقرار “اتفاق الطائف” إلى اليوم، وكل ذلك من أجل إثبات وجهة نظر معينة، بما يُذكّر بالمطالعة القانونية التي أثارت ما أثارته من ردود فعل حول صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف إبّان فترة تأليف الحكومة. وتخوفت المصادر نفسها من عودة الفرز الطائفي والمذهبي، والذي أطلّ برأسه في أكثر من محطة في الأشهر الأخيرة، من الكلام عن السنّية السياسية والمارونية السياسية، إلى رفض تأجير المسلمين في الحدث، وصولاً إلى المادة 80 في الموازنة والمادة 95 في الدستور، في محاولة لإحراج المسلمين من زاوية انّ كل من لا يتبنى التفسير المستجد هو ضد التعايش، وكذلك إحراج المسيحيين من زاوية انّ كل من لا يماشي هذا التفسير هو متخاذل.
واعتبرت هذه المصادر، “انّ الأولوية القصوى في المرحلة الحالية يجب ان تكون إنهاء التعطيل الحكومي، الذي يشكّل المدخل الوحيد لإعادة الاستقرار السياسي تمهيداً لترسيخ الاستقرار الاقتصادي الذي اهتزّ كثيراً بسبب اهتزاز الانتظام المؤسساتي، خصوصاً انّ الوضع الاقتصادي سيئ وكانت الأنظار مشدودة الى ترجمة موازنة 2019 باستقطاب استثمارات “سيدر” ووضع موازنة 2020، فإذا بالبلاد تعود أدراجاً إلى الوراء من خلال عودة نغمة التعطيل في لحظة دقيقة اقتصادياً”.
عون والموازنة
وقالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لـ”الجمهورية”، إنه “سيوقّع قانون الموازنة بالتأكيد”، مستغربةً الجدل الحاصل حول إمكانية امتناعه عن توقيعه، “إذ إنّه كان من الأكثر المستعجلين لإقرارها، فكيف يوقِفها؟”.
وإذ أكّدت أنّ الموازنة “دُقِّقَت لأنّ خطأ يشوبها، وبالتالي يجب التأكّد من عدم إحتوائها أخطاء أخرى”، لفتت إلى أنّ “دائرة الشؤون القانونية في القصر الجمهوري تدقّق في كلّ القوانين الواردة إلى رئاسة الجمهورية”. وسألت: “لماذا الحديث عن تأخير في توقيعها، على رغم من أنها وصلت إلى الرئاسة منذ يومين؟”. وطمأنت المصادر الجميع الى أنّ “الموازنة تُدرس وسيوقّعها الرئيس “ما يعتلوا همّ”، فمن يسعى إلى إقرار 3 موازنات في 3 سنوات بعد 19 عاماً بلا موازنات، ومن يسعى إلى تصحيح الحسابات المالية لتحقيق الإنتظام في الشأن المالي، هل يوقف موازنة؟”.
ورداً على من يدعو الى توقيع الموازنة قبل غد الخميس لنشرها في “الجريدة الرسمية”، أوضحت المصادر نفسها أنّ “نشر الموازنة ممكن في أيّ وقت، ولا مهلة زمنية لذلك، ويمكن نشرها عبر ملحق للجريدة الرسمية”، مشددة على أنّ “أحداً ليس حريصاً على مصلحة البلد والإنتظام العام والدستور أكثر من الرئيس الذي حلف اليمين ويعرف الدستور ويلتزمه”.
قمة روحيّة
من جهة ثانية، ووسط الشلل الحكومي الذي تعيشه البلاد منذ أحداث الجبل الاخيرة وما رافقها من تداعيات، شهدت دار طائفة الموحدين الدروز في فردان قمة روحية مسيحية – إسلامية قبل ظهر أمس، بدعوة من شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن الذي افتتحها بكلمة أكّد فيها “انّ الاحتكام إلى الدولة ليس خياراً ينتقيه هذا الطرف أو ذاك، بل هو التزام بالعقد الاجتماعي الذي ارتضاه الشعب الذي هو مصدر السلطة”.
ودامت القمة نحو ساعتين تبادل فيها المجتمعون وجهات النظر، معربين عن أسفهم “لتعثر الدولة، وللظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد فيما الشعب موجوع ومجروح”، ومناشدين رئيس الجمهورية “حماية الدستور واتفاق الطائف”. وأكّدوا في بيان “انّ أي إساءة الى العيش المشترك في أي منطقة من لبنان وخصوصاً في الجبل، هي إساءة الى لبنان الفكرة والرسالة، وان إطلاق وصف الـ”كنز” على مصالحة الجبل التاريخية هو أبلغ تعبير عن أهميتها في أبعادها الوطنية”. وأعربوا “عن ألمهم الشديد لحادثة البساتين المؤسفة التي أدّت بنتائجها إلى تعطيل عمل الحكومة الذي هو حاجة ماسة للإستقرار السياسي والأمني وللنهوض الإقتصادي”. ودعوا “إلى إيجاد الحل المناسب والسريع لكي تستعيد البلاد حياتها الطبيعية”.