مَن قال يا حالماً بالشرب من رأس العين، إن أحلام العصافير لن تَنسفها الغِربان في رمشة عَين، وإذا بالليل يُسقط ستاره قبل منتصف الظهيرة، وإذا بيَدٍ خفية تُصَيِّرُ جواربَ الحلم الحريرية مصفاةَ اغتيال؟!
هنالك، تحت سماء بلدة كفرمتى في قضاء عاليه، إمتدت يد الغدر والحقد لتنتشل الشابين رامي أكرم سلمان وسامر نديم أبوفراج من بين أهلهم وأصحابهم ورفاقهم في الحزب الديمقراطي اللبناني بعد وقوعهما في الكمين المسلح الذي استهدف موكب الوزير صالح الغريب في عملية اغتيال واضحة المعالم والتي جاءت عقب زيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى منطقة الشحار الغربي وقطع الطريق أمامه من قبل مسلحي الحزب الاشتراكي.
هي جريمة تَعصر القلب، وتُشهرالمناديلَ للأعلى.. طاحونة الدموع تَطحن، وصور شهداء الغدر والحقد ترفع في ساحات الجبل..
رامي، سامر، وقبلهما الشهيد محمد أبوذياب وغيرهم من الذين قضوا على أيدي الإجرام هي حكايات تُضْمِر أكثر مما تَكشف، وتَجْتَرّ أكثر مما قد يُصَوِّر لك عقلُكَ عن مدى الإحتقان الذي بات يسيطر على عقول قطاع الطرق ومحرضيهم، ولا غرابة، أن الأمر عندما يتعلق بفك العزلة والإنفتاح بين أبناء الجبل، أو لِنَقُلْ تكريس معنى “المصالحات” التي أثبتت هشاشتها، فإن المسألة تَقول الكلمةَ الأخيرة فيها حسابات أخرى..
بعيداً عمَّن يُصَدّق ومن يُكَذِّب، فإن مِن غير العدل ولا مِن الحكمة أن يحصل ما حصل في كفرمتى والذي يشكل وصمة عار على جبين من يعيش اليوم في سِجن المصحّات النفسية تِلك التي تَعِدُ بأيّ شيء إلا بالعودة إلى الحالة الطبيعية لطالِب الشفاء..
قد يكون الحنين الى زمن الميليشيات قد أطلّ من جديد أمام عاصفة الحقد التي لا تشاء إلا أن تُهَرِّبَ الممكن وتُفَصِّل المحال على مقاسات ساحات الفتنة.. تَخفت أضواء “المصالحة” ّ التي قيل إنها كانت ساطعة كالثريا، وتَهيج موجة العزلة الحالفة أن تأخذ معها كل شيء، كل شيء..
عاد قطاع الطرق إلى لعبة يعشقوها، رغم أنها لم تعد في أوانها. لقد مضى زمن البلطجية الى غير رجعة.
اليوم، يقفون هؤلاء عراة ووحيدين مصرّين على إنكار الواقع، الزمن لن يعود إلى الوراء. لكن هؤلاء، في زمن السلم، وبعد أن تقهقر وضعهم في الجبل، قرروا أن يقولوا للجميع إن “الجبل لوحدنا” ولا مشكلة في تويتر البلاد، وإعادة أهلها إلى أجواء الحروب، وكسر هيبة الدولة وسقوط شهداء وتقطيع أوصال الجبل. المهم ألا تُمس امتيازات الآحادية.
لا شيء يَبقى غير جذوة السؤال تلك التي أَقْسَمَتْ ألا تنطفئ، وإن انطفأت الأنفاسُ والروحُ: أليس هو الحقد صانع الشر بامتياز وهو الذي كشف كذبة العيش المشترك والإنفتاح لمصلحة توسيع رقعة التسلط على الناس وحريتهم وحقوقهم وقرارهم وأملاكهم؟.
ما جرى أمس في الجبل لم يكن حدثاً أمنياً عابراً، ثمة زعامة تتراجع، وزعامات أخرى صاعدة، وزعامة يمثلها وليد جنبلاط، المستعد للتضحية بأيّ شي وأيٍّ كان لاستدراج الحماية، وزعامات يمثلها الوزيرين طلال ارسلان ووئام وهاب اللذان تعقد عليهما الآمال في وقف مسار الإنحدار نحو قاع تدميري لا قعر له. جل ما في الأمر هو وقف الهستيريا المستشرية فالرؤوس الحامية لا تلد غير الفتن.