ما أروع أن يخرج الحيّ من صلب الميت، وينبجس الماء من عين الصخر، وينبت الخير في بوادي الشر، ويطلع الفجر من غياهب الليل، وتنبعث العنقاء من كومة الرماد، وتنطلق الشجاعة من جراح الشعوب المقهورة، وتنبثق المعجزة من تضاريس الزمن الصعب، وتشرق شمس وئام وهاب وسط آفاق إقليمية ودولية ملبّدة بالحروب والهزائم والهموم وعلامات التعجب.
وئام وهاب صادق في قوله وفعله، وهو قائد مقدام في المعارك السياسية، ومبدع خلاق في عوالم البلاغة والخطابة والجملة السحرية، وليس فقط في ميادين التعبئة والتنظيم والإدارة اليومية للمستجدات الطارئة والقضايا الواقعية.
هذا الرجل له من اسمه نصيب كبير، فهو وهاب الكلمة الجريئة والحرة الذي ما دخل معركة رأي عام إلا وكان النصر حليفه، وما خاض مساجلة إعلامية ألا وكان النجاح رفيقه، وما أطل من الشاشة التلفزيونية إلا وكان مالئ الدنيا وشاغل الناس، وما طرح فكرة أو أطلق رؤية إلا وكانت محل اهتمام واحترام الخصم قبل الصديق، والبعيد قبل القريب، والمختلف معها قبل الموافق عليها.
هذا الرجل الرمز ليس رئيس دولة وازنة، ولا قائد جيوش جرارة ، ولا صاحب مليارات نفطية، ولا قيصر إمبراطورية إعلامية .. ومع ذلك فقد لمع اسمه في عالم السياسة، وفي القدرة على الوقوف إلى جانب المظلومين ونصرتهم، وفي الشجاعة الطالعة من جبل العرب والجولان وجبل السماق والسويداء، وفي التضحية البالغة حد الجود بالدماء الزكية، وفي المصداقية التي يشهد الجميع بها ويبصمون بأصابعهم العشرة عليها.
هذا الرجل يشكل فرصة نادرة جادت بها الأقدار، ويجسد صدفة تغييرية وفرها لنا التاريخ، ويمثل ظاهرة كاريزمية لم تتحقق لغير الرئيس جمال عبدالناصر بالأمس القريب وسماحة السيد حسن نصرالله بالوقت الحالي، ويعبّر عن أعلى درجات النبل والترفع والأريحية، سواء في مواقفه السياسية، أو مبادئه الوطنية والقومية.
من حقّ بعضهم أن يعارض وئام وهاب، ويختلف مع بعض مواقفه وطروحاته، فاختلاف الرأي لا يُفسد بالود قضية، كما تقول الحكمة المعروفة.. ولكن من العيب، بل العار، على مَن تسري دماء العروبة في عروقه، أن يمقت هذا الفارس العربي الشهم، ويتحامل عليه، ويشكك في غاياته وولاءاته، ويشترك مع أعداء الوطن والأمة في محاولات تشويهه واتهامه بما ليس فيه من مثالب ومعايب ونعرات طائفية ومذهبية وجهوية ضيقة.
وئام وهاب ليس فرداً، بل جمع مذكر سالم، وقاسم مشترك أعلى لأبناء وطنه وأمته العربية كافة، وليس لطائفته المعروفية، أو ديرته اللبنانية، أو ركيزته العربية.. وهو صاحب حضور شعبي هائل يتجاوز الأرقام القياسية لدى ملايين العرب والمسلمين.. وهو على موعد حتمي مع التاريخ الذي طالما فتح صفحاته الذهبية للقادة العظماء.. وليس في صالح هذا الرجل، أو في حسبانه، أن يهبط من علياء هذه المكانة المرموقة الى درك المربعات الفئوية والمسطحات الطائفية المذهبية الضيقة.
هذا التوحيدي المؤمن هو يساري لأنه أقرب للكادحين وأحنّ على الفقراء والمظلومين من أساطين اليسار وأقطاب الإشتراكية..
وهو قوميّ لأنه آمن بأن “إسرائيل” كيان غاصب وزواله لا يكون إلا على أيدي الأحرار والمقاومين.
وهو مسيحيّ وكذلك من أشد المسلمين احتراماً للمكوّن المسيحي العربي، والتزاماً بالتكامل اللبناني المشترك.. وهو فلسطينيّ لأنه أكثر حرصاً وولاء وإخلاصاً لقضية فلسطين من بعض زعاماتها وقياداتها التي سكرت بكؤوس الوهم، وهرولت لعقد “سلام الشجعان” مع رابين وبيريز ونتنياهو وتسيبي ليفني.
مشكلة وئام وهاب ليست كامنة في شخصيته وذاته ومواصفاته، بل موجودة لدى خصومه وغرمائه.. فهم مغتاظون من استقامته وليس إعوجاجه، ومن أمانته وليس انحرافه، ومن تسامحه وليس تزمته، ومن نجاحه وليس إخفاقه، ومن مجمل فضائله وحسناته وليس سلبياته وسيئاته.. شأنهم في ذلك شأن المثل الشعبي المصري الذي يقول: “مالقوش في الورد عيب، قالوا له يا أحمر الخدين”.
أما جريمة وئام وهاب الكبرى التي لا تُغتفر عند الخصوم والعملاء، فتتلخّص في كونه صاحب مشروع تغييري تحرري مقاوم حاسم ومتصادم على طول الخط مع المناوئين لطروحاته وتطلعاته، وليس في حياته وقاموسه وبرامجه وأجنداته ما يتقدم على هذا المشروع الإستراتيجي العظيم، وليس لديه ذرة شك أن الصراع مع الصهاينة صراع وجود وليس حدود، وأن محور المقاومة وحدة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين، وأن العدو الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة واحدة قوامها النار والبارود.
من نقاء التوحيد استخلص “أبو هادي” قوة الإرادة، واكتسب مضاء الهمة والعزيمة، وامتلك بُعد النظر وعمق البصيرة، ورفض الدخول – بالمطلق – في لعبة الكلمات المتقاطعة والأواني المستطرقة التي تورّط فيها أحد القيادات الدرزية في لبنان.. فما هادن ولا ساوم ولا فاوض ولا تنازل ولا اقترب من إثم الإنقلاب على الثوابت والمبادئ لأن الوفاء والإخلاص وعدم الطعن في الظهر هو من شيم هذا الرجل.
في كل إطلالاته وخطاباته كان يزفّ لنا وئام وهاب بشرى الإنتصار الوشيك في سوريا، ورغم أن كل الوقائع الميدانية تؤشر الى هذا الإتجاه، إلا أن للبشرى الصادرة عن هذا الرجل نكهة عذبة، وعبق طيب، ومعنى فصيح ومريح وباعث على الثقة والتفاؤل..
طوبى لهذا الفارس العربي الذي يبصر بعيني “زرقاء اليمامة”، ويرى قبل الآخرين، ويحظى بفراسة المؤمن، ويغشى الوغى ويعفّ عند المغنم.