في بقاع الخصب والعطاء، في بلدة الجاهلية المتربعة على سفح جبل العزة والكرامة يقع تمثال شهيد بني معروف محمد أبوذياب الذي كتب حروف اسمه بمداد الذهب على جدران الوفاء والشرف.
هناك يقف “ابوطلال” واقعاً شاهقاً في الواقع، وحقيقة شاهدة لا يمكن أن يبلغ جوهرها الكلام، حتى تخاله كممدوح “المتنبي” إذ قال فيه بأنه تجاوز حد المدح حتى كأنه بأحسن ما يُثنى عليه يعاب، فلا أبجدية قادرة على الإحاطة بما قدم الرجل لبلدته ورفاقه وبني قومه.محمد أبوذياب هو الشهيد الذي صنع الفرق. وها هي دماؤه التي سالت على أرض الجبل تثبت أن فكرة القطيعة وهم، وأنه لا مستقبل إلا مستقبل التلاقي والحوار ، فيقف متربعا على عرش الصواب.
أضعف الإيمان أن نكرّمك أيها الشهيد البطل بتشييد نُصب تذكاري لك مع عميق إدراكنا أنه لا يعادل قطرة دم واحدة من دمائك الذكية التي روت تراب الجبل الحبيب، ولكننا شيّدناه ليبقى شعلة تسطع وتتوهج لتنير الطريق أمام الأجيال الصاعدة فتسير على خطاك في سبيل بذل الذات والالتزام بالقسم الذي طالما رددته يا ” محمد” قولا وجسدته فعلا.
إن استشهادك يا “أبا طلال” هو من أفدح الخسائر، إلا أن مآثرك ومواقفك خلال حياتك الى جانب رفيقك وئام وهاب لهي أكبر تعزية لنا في هذا المصاب الجلل، مآثر نفتخر بها ويفتخر الجبل ولبنان بها وهي التي سوف تخلّد ذكراك الى الأبد وتستجلب أحرّ الرحمات على نفسك الذكية الطاهرة وتعطينا الصبر والسلوان.
لقد سقطت جسداً لا روحاً، وستبقى حياً في ضمير اهلك ورفاقك ومحبيك، إذ كنت الفارس الرائد الذي وعد فوفى وراح يختصر الزمن في عطائه، حتى رفعته الشهادة أيقونة على صدر الجبل وبيارق تلوح في كل مكان.
وها هم أبناء بلدتك الأبية الوفية ورفاقك ومحبوك، يتداعون شيباً وشباباً وأطفالاً، ليمنوا أنفسهم ببعض من الإكرام والتقدير لروحك الطاهرة، من خلال إقامة نصب تذكاري لك، يكون شاهداً للأجيال على عظمة تضحياتك، ويكون أمثولة لكل عابر، إنه بدماء الشهداء الأبطال تحيا الأوطان، وتصان الحرية وتحفظ الكرامات.افتقدوك بني معروف علماً من أعلامهم، انسانا عصامياً مستقيماً كحد السيف، شجاعاً مقداماً لا يهاب الخطر ولا يهون أمام الصعاب، افتقدناك رفيق الدرب، يحظى باحترام وتقدير كل من حوله، يندفع في تنفيذ المهمات الى أقصى الحدود. افتقدناك ابن عائلة كريمة، متأصلة المنبت، انضوى ربانها في معركة الدفاع عن كرامة وعزة الموحدين الدروز فكان عنواناً للمناقبية والإخلاص والولاء، وأبى أن يبارح ميدان التضحية قبل أن يسلمك الأمانة، التي صنتها بالجهد والتعب والعرق، وبالشهادة التي لا تقدر بأي ثمن.
**