جلسة مجلس الوزراء المخصصة لمناقشة الموازنة بقيت في العموميات ولم تدخل الى قلب المشكلة وفي بلد يعيش ظروفاً اقتصادية ومالية صعبة وفي ظل ظرف اقليمي استثنائي مفتوح على كل الاحتمالات بقي النقاش في العموميات وأخذ أكثر من ساعتين في سجالات ونقاشات حول التسريبات ومَن يقوم بتسريب محاضر جلسات مجلس الوزراء بالاضافة الى اتهامات متبادلة بأن المواقف داخل مجلس الوزراء شيء وخارج مجلس الوزراء شيء آخر والبعض يريد أن يحقق بطولات مستغلاً وجع الناس وأوضاعهم الاقتصادية.
جلسة مجلس الوزراء عُقدت في أجواء متشنجة بين وزراء حركة أمل والتيار الوطني الحرّ وتحديداً بين وزيري المالية والخارجية علي حسن خليل وجبران باسيل، وقد شنّ الوزير علي حسن خليل هجوماً لاذعاً على وزراء التيار الوطني الحر دون ان يسمّيهم متهماً اياهم بالتفتيش عن بطولات وهمية، حتى ان الوزير علي حسن خليل وقبل دخوله الى الجلسة أبلغ الصحافيين أنه يريد أن يتحدث بكل التفاصيل وتبيان الحقائق، مشيراً الى أن الأجواء الايجابية التي سادت جلسة بعبدا تبدّلت في السراي الحكومي أمس معتبراً ان الموازنة تتضمن خطوات اصلاحية جدية لكن بعض الزملاء اختاروا ان يتعاطوا بالاعلام مع هذا النقاش، ولذلك فأنا مضطر كوزير للمالية وأمثل كتلة نيابية وحركة سياسية أن أقول ان كل المزايدات حول موضوع الجيش والأجهزة الامنية هي في غير محلها، وتحدثت اكثر من مرة حول هذا الموضوع، وأقول ليس صحيحاً على الاطلاق ان هناك استهدافا او مساً بالجيش وعلينا ان نتابع وندقق الأرقام بالموازنة، وهناك الكثير من البنود او بعضها طرأت عليها زيادات وفي بعض البنود حصل فيها تخفيض في كل ادارات الدولة مثل نفقات البنزين والمحروقات وهي طالت الجيش كما غيره. اما الحديث عن رواتب واجور وتعويضات وتقاعد كل هذا الكلام يُراد منه خلق بلبلة. وانتقد خليل بعض الوزراء دون ان يسميهم غامزاً من قناة الوزير الياس بو صعب الذي يحاول تسجيل انتصارات وهمية في موضوع الجيش والقوى الأمنية وهذا غير صحيح. ورداً على سؤال بأن الموازنة لم تطل معالجة الدين العام فأكد ان هذا الكلام غير صحيح وهناك محاولة لنقل النقاش حول البنود المتعلقة باعتمادات الى منحى مناطقي وطائفي في بعض الاحيان وهذا امر معيب والاشارة الى ان هناك استهدافا لمنطقة معينة وانه تم سحب اعتمادات لمنطقة مثل طريق القديسين او مرفأ جونيه، وهذا الكلام معيب على مطلقيه لان من يقرأ الموازنة بشكل جيد يرى كل بنودها وهذان المشروعان بالتحديد اموالهما متوفرة ويمكن عقدها حتى قبل إقرار الموازنة لان القانون يقول ذلك.
وأبدى خليل خشيته عن حقيقة نوايا البعض مشيراً الى ان هذا البعض ليس لديه خبرة في ادارة المال العام وفي كيفية ادارة الموازنات، ويوقع تياراته وحركاته السياسية فيها، وتمنى أن لا تكون مشكلة إثارة طريق القديسين لها علاقة بالتلزيمات والتلزيمات بالتراضي.
كلام الوزير خليل أحدث سجالاً حاداً داخل مجلس الوزراء شارك فيه الوزير علي حسن خليل من جهة والوزيران جبران باسيل والياس بو صعب من جهة أخرى وأشار الوزير باسيل بأنه ليس صحيحاً بأن هناك محاولة لإفشال عمل الوزير خليل وأنا معه في الموضوع المتعلق بتخفيضات رواتب في مجالات عديدة. ونتيجة الخلافات فان النقاش بقي في العموميات ولم يصل الى البنود الهامة وأُقفل النقاش عند المادة العاشرة على أن تُستأنف جلسات مجلس الوزراء أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد ويمكن ان تمدّد لمدة يومين وأكثر. وبعد الانتهاء من الموازنة في السراي ستُعقد جلسة في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون لإنجازها بصورتها النهائية وتحويلها الى مجلس النواب. واللافت امس كان استقبال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى العسكريين النواب في قصر بعبدا وطرح معهم موضوع الموازنة والتخفيضات المتعلقة بالاسلاك العسكرية. وانتقد اللواء جميل السيد ومن أمام قصر بعبدا الموازنة واعتبرها موازنة على الفقراء وليس لمصلحة الشعب اللبناني داعياً رئيس الجمهورية الى تصحيحها وإدخال بنود لصالح المواطنين وعموم الشعب اللبناني. وقد أثار كلام السيد انزعاجاً لدى وزير المالية علي حسن خليل الذي ردّ على السيد متهما كلامه بالشعبوية.
وفي ظل هذه الاجواء المتوترة تُستأنف جلسات الحكومة اليوم على وقع اعتصام دعت اليه النقابات العمالية في رياض الصلح حيث تم نصب الخيم وسيستمر الاضراب طوال أيام مناقشة الموازنة. واللافت أنه بعد النقاش الواسع في بنود الموازنة ظهر بأن هناك خلافا جذرياً بين فريقين يملك كل واحد رؤية اقتصادية مغايرة للآخر وبالتالي فان موضوع الموازنة لن يمر بالسهولة التي يتصوّرها البعض رغم الضغوط الدولية والتمنيات بإقرارها كي يحصل لبنان على أموال سيدر لكن اجواء النقاشات وما يسرّب يوحي بأن القوى السياسية لا تبالي ولا تعطي الاهمية لمعاناة الشعب اللبناني ويبدو ان القوى السياسية ومن خلال الموازنة حيث يحاول كل فريق تحصين وضعه وكسب نقاط لصالحه كي يستخدمها في المعارك المقبلة وأهمها معركة التعيينات الإدارية التي ستكون أكبر من معركة الموازنة وخصوصاً على المواقع المسيحية والدرزية حيث يسعى التيار الوطني الحر الى تغييرات في معظم مراكز الفئة الاولى المسيحية تحت حجة ان معظم المدراء عُينوا ما بين العام 1990 الى 1993.
المصدر: الديار- رضوان الذيب
**