منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، تتعامل الإدارة الأميركية بشكل غير مسبوق عن باقي الادارات الأميركية في نسج خيوط السياسة الخارجية لواشنطن التي باتت تميل إلى تقليص منسوب الحروب العسكرية في مقابل زيادة وتيرة الحروب الاقتصادية ضد الدول المناوئة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تتسم بالهيمنة والامساك بمفاصل حساسة وحاسمة في الحياة المالية والاقتصادية و الأمنية والعسكرية والدبلوماسية على مساحة العالم.
لن يتردد ترامب في استخدام سياسة القوة مع كل من يرفض سياسة الرضوخ لإملاءات الولايات المتحدة الأميركية ، لذلك رأيناه يرفع سقف المواجهة مع إيران، بشكل زاد من نسبة الخطورة المحدقة للأمن الإقليمي والدولي، سواء من خلال إسقاط الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما وفرض العقوبات أو مؤخراً من خلال قراره بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية مما أدى ونتيجة هذه التصرفات الأميركية إلى ارتفاع وتيرة التهديدات بين واشنطن وطهران.
وبهدف الحد من الإجراءات “الترامبية” هددت الجمهورية الاسلامية في ايران بإغلاق مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترًا عند أضيق نقطة له، ويملك قناة شحن بعرض ميلين فقط والذي يعطي لإيران اهمية متقدمة كونها تعد الدولة الساحلية التي يقع المضيق في مياهها الإقليمية، حيث تشرف على المضيق كل من دولتي عُمان وإيران اللتين حددتا امتداد مياههما الإقليمية بـ12 ميلاً بحرياً، ومن ثم تلتقي مياههما الإقليمية في منطقة المضيق لمسافة 15 ميلاً بحرياً حيث تختفي المياه الدولية.
تدرك طهران قواعد اللعبة الاميركية الجديدة في المنطقة معتبرة ان ترامب قدّم خدمة للجمهورية الاسلامية الإيرانية؛ على حد قول الامام الخامنئي؛ بتخليه عن القفاز الناعم الذي كانت تستخدمه الحكومات السابقة. وأمام ما يحصل من توتر بين الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك من القدرات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية المتقدمة؛ وبين الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي تحوز على منظومات متكاملة من الأسلحة المتطورة من السفن الحربية والغواصات والزوارق السريعة والصواريخ والطوربيدات البحرية والألغام البحرية وسلاح الطيران التابع للقوات البحرية، التي تجعلها قوة اقليمية وازنة في المنطقة والتي تمكنها في أي وقت من إغلاق مضيق هرمز الذي يعتبر أهم ممر مائي في العالم نظراً للحجم الهائل من صادرات النفط التي تعبره يومياً وكذلك الواردات الضخمة لدول الخليج العربي؛ وبصرف النظر عن الخيارات المتاحة عند الطرفين سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، هل قانون البحار يكفل لإيران إغلاق مضيق هرمز؟
يشكل المضيق في مفهوم القانون الدولي جزءاً من أعالي البحار، والذي يعطي جميع السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
وبطبيعة الحال تنطبق على مضيق هرمز حالة المضيق الذي يقع بين أراضي دولتين فيكون، والحالة هذه، خاضعاً لسيادة واختصاص الدول الساحلية على مقدار بحارها الإقليمية أو إلى الخط الوسط لمجرى المياه حسب اتساع المضيق. وبما أن اتساع المضيق حوالي 23 ميلاً، فإنه يقع ضمن المياه الإقليمية الإيرانية والعمانية معاً.
وقد أقرت اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة لسنة 1958 مبدأ المرور البريء في المضايق في الفقرة الرابعة من المادة “16”. وقانون البحار يكفل نظام المرور في المضايق المستخدمة للملاحة الدولية. لكنه يؤكد أن الدول المساحلة للمضايق تمارس سيادتها وولايتها رهناً بمراعاة ما نصت عليه الاتفاقية. ووفقاً للمادة 38 من اتفاقية قانون البحار، فإن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية بما فيها بالطبع مضيق هرمز، سواء أكانت هذه السفن تجارية أم حربية، تتمتع بحق المرور العابر دون تمييز ووجود عراقيل ودون الإخلال بقوانين وأنظمة الدولة الساحلية وأمنها.
وبالاستناد إلى مواد هذه الاتفاقية الدولية المذكورة، يمكن القول أنه من حق إيران التي يعتبر المضيق جزءاً من مياهها الإقليمية وتمارس سيادتها عليه كونها الدولة الساحلية له، أن تستخدمه سلمياً وعسكرياً وفق مصالحها، وأن تمنع أي دولة أجنبية من دخول الجزء الذي تمارس سيادتها عليه في حالة الطوارئ أو إذا شعرت أن السفن التابعة للدولة الأجنبية لا تلتزم بالمرور العابر الذي نص عليه قانون البحار.
وفي حين تؤكد المادة 33 من الاتفاقية المذكورة على “حصانات السفن الحربية والسفن الحكومية الأخرى المستعملة لأغراض غير تجارية” طبعاً من قبل الدولة التي يكون لها الحق في استعمال مياهها الإقليمية؛ حرّم قانون البحار على السفن الأجنبية الحربية الدخول إلى البحر الإقليمي لدولة ما وعدم الالتزام بقوانين وأنظمة هذه الدولة الساحلية ودون أخذ إذنها، وبالتالي يجيز للدولة الساحلية أن تطلب من السفينة الحربية مغادرة البحر الإقليمي على الفور، وهذا ما أكدته المادة 30.
وبالتالي وفق ما يقر القانون الدولي؛ لا يحق لواشنطن تهديد إيران والرد عليها، لأن الخطوة الإيرانية في حال اقدمت على اقفال مضيق هرمز فإنها لا تجافي القانون الدولي على عكس ما تقوم به الإدارة الأميركية التي تخرق هذا القانون على اعتبار ان الولايات المتحدة الأميركية ليس لها حدود قريبة من مضيق هرمز ولا سيادة لها عليه، بل إنها مثلها مثل أي دولة تسمح لها إيران بالمرور العابر.
لذلك يعتبر عدد من الخبراء في القانون الدولي انه في حال اقدمت طهران على اغلاف مضيق هرمز تكون قد التزمت بقانون البحار بعكس أميركا التي تخرق هذا القانون الذي لا يسمح بتهديد أمن دولة العبور؛ الأمر الذي يحتّم على ترامب وبعيدا عن منطقه القائل بقانون القوة أن يلتزم بالمادة 39 من قانون البحار الذي تلزم سفنه وبوارجه وطائراته في حالة المرور العابر مراعاة المضي دون تأخير عبر المضيق أو فوقه، والامتناع عن أي تهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد سيادة ايران المحاذية للمضيق أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي.
ان عدم الاتزانِ الاميركي وصلَ الى حدِّ دعمِ انقلابٍ عسكريٍ في فنزويلا، بعدَ ترنحِ خطوتِهم الاولى معَ رَجُلِهم خوان غوايدو.. ففي فنزويلا نجح الجيشُ في احباط الخطوةَ الاميركيةَ كما اعلنَ وزير الدفاعِ والرئاسةُ الفنزويلية.. ووجهوا صفعةً لواشنطن التي اكتفت باعلانها مراقبةَ الامورِ عن كَثَب.. فهل نشهد السيناريو نفسه على المقلب الايراني من خلال احباط المساعي الاميركية في ظل ما كشفه الامام الخامنئي عن أن “العدو يبدو انه لا يكشف عن استعدادات عسكرية للحرب لكن ينبغي الحفاظ على جهوزيتنا”؛ أم أن المنطقة مقبلة على حرب من بوابة هرمز بعد فشل مرحلة “الأخونة” و “العثمانية الجديدة” بمسمّى “الربيع العربي”؟
**