هالة القوة التي تمثّلها المقاومة تحضر بكل ثقلها عندما تعلن أن مزارع شبعا لبنانية ونقطة على السطر.
في واشنطن يمكن لترامب و بجرّة قلم أن يقفل أنابيب المال التي تتحرّك من خلالها التجارة العالمية، بلا أن يضطر لتجريد أساطيله أو تحريك صواريخه، خصوصاً بعدما اكتشف أن سلاح واشنطن يشكل عبئاً عليها في المواجهة التي بدأها المحافظون الجدد عام 2000 بقرار غزو أفغانستان ثم العراق وصولاً لعدوان تموز 2006 على لبنان، وعام 2008 على غزة، وظهر أن حروب التدمير الذاتي التي يتيحها التلاعب بالنسيج الاجتماعي لبلدان المنطقة تحت عنوان ” الربيع العربي” وتعميم الديمقراطية، توقع خسائر بشعوب ودول المنطقة، لم تتمكن الحروب الأميركية من إيقاعها، ولو أن هذه الحروب المسماة بالذكية، وقد نجحت بتعميم الإرهاب و الفوضى وضرب المؤسسات الوطنية والنسيج الإجتماعي وتخريب العمران، لم تنجح بتحقيق الهدف المحوري لها، وهو نقل «إسرائيل» من حال القلق إلى حال الاطمئنان.
لقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية بتدمير الكثير من البلدان وتجويع شعوبها، لكن منسوب القلق الإسرائيلي يرتفع، ونجحت بخلق ثقوب وشقوق كبيرة في المواقف العربية من «إسرائيل» والتطبيع معها، لكن مصادر الخطر الحقيقي على «إسرائيل»، ومفاتيح أمنها ليست بيد العربان الذين يعلنون شراكتهم لواشنطن وتل أبيب في الحروب. ونجحت واشنطن وتل أبيب بتوظيف الجماعات التكفيرية المسلحة في تعميم ما سُمّي بالفوضى الخلاقة، لكن النهاية كانت فشل الإرهاب في التحوّل إلى مشروع تقسيم وتفتيت.
لقد تغيّر العالم وتغيرت المنطقة، وفجأة لم تعد مزارع شبعا لبنانية بالمفهوم الجنبلاطي وهي لا يزال ينقصها التوقيع الأميركي كي تصير صفقة من ملحقات صفقة القرن.
بالقلم يستطيع ترامب أن يعلن القدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وأن يعلن اعترافه بضم «إسرائيل» للجولان، لكنه يدرك أنه لا يستطيع تحويل توقيعه إلى توقيع أممي له صفة قانونية تفيد «إسرائيل»، ولن تتمكن «إسرائيل» من توظيف التوقيع الأميركي باستخدام القوة لتهجير السوريين من الجولان والفلسطينيين من القدس، لتهويدهما، بل يزيد العبء على «إسرائيل» في حماية الأثقال الأميركية الناجمة عن إعلان سقوط زمن التفاوض والتسويات، ورد الاعتبار لمنطق صراع الوجود بدلاً من صراع الحدود، وجعل المواجهة قدراً سورياً وفلسطينياً وعراقياً ويمنياً ولبنانياً، ولو تخلّى العربان الآخرون.
إنه قدر المقاومة ان تظل رأس حربة في معركة الدفاع عن الأرض والحدود والنفط والغاز، وبقدر ما تثق “اسرائيل” أن إضعاف حزب الله سيضعف كل قوى المقاومة في المنطقة، تدرك أن خيوط اللعبة بيد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ، وأن إدخال لبنان في أزمة البحث عن هوية مزارع شبعا ممكن، ولكن هذا سيعيد تل أبيب من مباراة استخدام القلم إلى ميدان لا يفيد فيه القلم، ويجب استحضار الطائرات لمواصلة الشوط الأول. بينما تملك المقاومة الخيارات المفتوحة في المكان والزمان، خلافاً لظاهر التعابير العنجهية، وتجرجر الخيبة على “إسرائيل” بعد وقوعها في المحظور.
من الواضح أن السيد نصرالله ليس قلقا. فهو واثق من إمساكه بلعبة المكان والزمان، ومن أن زمن الحبر انتهى، وزمن الدم يتواصل، فعلى من يريد نصراً بلا دماء أن يستعجل الرحيل أو أن يستنجد بحلفاء يدفعون الدم بالنيابة عنه وعن «إسرائيل»، وقد استهلكا معاً قدرات حلفائهما القادرين في تنظيم “داعش” وأخواته من سورية إلى العراق إلى لبنان إلى اليمن؛ وبالتالي لا مواجهة مجدية أو ممكنة مع سيد المقاومة وهو يمسك بلعبة الشرق الأوسط ، فهل تغير الحال؟
**