أيام قليلة تفصلنا عن يوم الثاني من آيار (مايو) المقبل موعد تطبيق المرحلة الثانية والأكثر تشدداً من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
هكذا قررت إدارة الرئيس الأميركي ترامب فرض حصارها على الشعب الإيراني من خلال وقف كلي للصادرات النفطية الإيرانية التي تقدر بحوالي 1.7 مليون برميل يومياً حسب إحصاءات شهر آذار (مارس) الماضي، كما أقدمت وفي خطوة لافتة على رفع الإعفاءات التي كانت تقدمها لثماني دول أبرزها الصين والهند وتركيا واليابان. صحيح أن معظم هذه الدول، وأبرزها الصين، رفضت مثل هذه العقوبات، وأيدتها روسيا، معتبرة ان الإجراءات الأميركية ستؤدي الى تفاقم الإضطرابات ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما ستطاول أسواق الطاقة العالمية.
ليس من الصعب التكهن بطبيعة الرد الإيراني والخطوات التي قد تتخذها طهران لمواجهة هذه الإندفاعة الأميركية المتهورة والتي تنذر بعواقب وخيمة على أمن المنطقة واستقرارها؛ وقد بدا ذلك واضحاً من خلال تصريحات القيادات الإيرانية حيث أكد السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ان تشديد العقوبات الأميركية لن يمر دون رد، وذلك في تغريدة نشرها على حسابه على “التويتر” باللغة الإنكليزية، في رسالة واضحة للرئيس ترامب، وقال “هذا العدوان لن يبقى دون رد والأمة الإيرانية لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة هذا الحقد الأمريكي”.
فيما وجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني سهامه الى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين ستعوضان غياب النفط الإيراني في الأسواق العالمية، كاشفاً أن الدولتين تدينان بوجودهما لإيران التي رفضت دعم خطط للرئيس العراقي صدام حسين بغزوهما عام 1990، مشيراً إلى أن الدولتين أصبحتا عدوين للشعب الإيراني بتأييدهما للخطوة الأمريكية. في حين نبّه جواد ظريف وزير الخارجية الذي يزور نيويورك حاليا من خطورة الأوضاع عندما اعتبر أن “على الولايات المتحدة أن تعلم أنها إذا أرادت دخول مضيق هرمز فعليها التحدث الى من يحميه وهم الحرس الثوري”.
ولكن ما هي احتمالات الرد الإيراني في حال جرى منع صادرات نفط إيران الذي يشكّل عوائده حوالي 44 بالمئة من إجمالي عائدات الدولة الإيرانية، والذي سيؤدي إلى كارثة اقتصادية كبرى.
هل سيعمد الحرس الثوري الإيراني إلى اغلاق مضيق هرمز ومنع مرور حوالي 18 مليون برميل من صادرات السعودية والكويت والإمارات والعراق عبره، خاصة في ظل التصريحات المتكررة للجنرال علي رضا تنكسيري قائد سلاح البحرية في الحرس الثوري الإيراني بأن جيش بلاده سيغلق هذا المضيق إذا جرى منع تصدير النفط الإيراني؟
هل ستكون الدبلوماسية أحد الحلول الممكنة وبالتالي إعلان طهران الإنسحاب رسمياً من الإتفاق النووي، والعودة الى عمليات التخصيب لليورانيوم وبمعدلات مرتفعة تؤدي الى بناء ترسانة نووية عسكرية؟
وفي حال فشل الدبلوماسية هل سيكون الخيار العسكري هو الحل الوحيد بإطلاق يد الحرس الثوري الإيراني، والفصائل العراقية والسورية واللبنانية (حزب الله)، والفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي)، والحوثية (حركة أنصار الله) المتحالفة معه، لشن هجمات ضد أهداف أميركية وإسرائيلية في مختلف ارجاء المنطقة وربما العالم أيضاً؟
لقد باتت منطقتنا على شفير الهاوية بعد أن بلغ جنون ترامب ذروته؛ وإذا كان مضيق هرمز ممر دولي يجب أن يظل حراً ومتاحاً لكل الجهات التي تستخدمه، وأن إغلاقه يشكل اختراقاً للقانون الدولي على حد قول الإدارة الأميركية، ولكن هل يجوز فرض عقوبات تجويعية أحادية الجانب على ثمانين مليون إيراني بشكل يتعارض مع كل المواثيق الدولية؟
لقد شكّل تعيين الجنرال حسين سلامي قائداً للحرس الثوري الإيراني في اليوم الذي أعلن فيه وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو رفع الإعفاءات عن ثماني دول تستورد النفط الإيراني، مؤشراً واضحاً وصريحاً على أن إيران لن ترفع الأعلام البيضاء في وجه إعلان الحرب الأميركية على وحدة أراضيها ومنعاً في تجويع شعبها مما يعني أن هناك خطة واضحة للرد وضعها الجنرال سلامي المحسوب على جناح الصقور الذي بات يملك اليد العليا في دائرة إتخاذ القرار في طهران، وهو الذي هدّد أكثر من مرة بمحو الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة من الخريطة إذا ما اعتدت على ايران، ونصح الإسرائيليين بتعلم السباحة للهرب عبر البحر المتوسط للنجاة مما هو قادم.
هناك العديد من الأهداف الأميركية التي يمكن أن يستهدفها الجنرال سلامي في المنطقة، أبرزها أكثر من 5500 جندي وثلاثين قاعدة عسكرية أميركية في العراق، وحوالي 2000 جندي أميركي شمال وشرق سورية، والعديد من القواعد الجوية والبحرية الأميركية في الكويت والعراق وقطر والإمارات والبحرين، وأخرى غير رسمية معلنه في السعودية، ومن غير المستبعد أن تكون هذه القواعد وجنودها هدفاً لهجمات في حال صدر قرار ترامب الذي يشعل فتيل حرب ستكون نتائجها كارثية على الدول العربية، الى جانب دول غرب أوروبا التي تستهلك 13 مليون برميل يوميا، وربما يصل سعر البرميل الى مئة دولار على الأقل من جراء هذه الأزمة مما سينعكس سلباً على اقتصادها.
لقد قرعت طبول الحرب وعلى الإدارة الأميركية ووكلائها في المنطقة تحمل كل النتائج التي ستترتب عليها؛ فيما لا يبقى لإيران وحلفائها سوى خيار المواجهة لعلّهم ينقذون هذه الأمة من الإذلال والإهانات التي وصلت إليها.
**