كتبت صحيفة “الاخبار” تقول: يبدو أن جزءاً لا بأس به من القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء اتخذت قراراً بخوض معركة ضد موظفي القطاع العام، وخاصة العسكريين والامنيين، من باب تحمليهم كلفة خفض عجز الموازنة. وهذه المرة، لا يجري تقديم ذلك تحت عنوان المس بالرواتب والأجور، بل بضرورة خفض كل التقديمات الإضافية: من تعويضات نهاية الخدمة، إلى الراتب التقاعدي، إلى المنح التعليمية، وكافة “البدلات” التي يحصل عليها الموظفون
التوافق السياسي على موازنة تقشفية باتَ أمراً محسوماً. النقاش ما زال يدور حول حجم التخفيض والبنود التي سيطالها. ويتّضّح أن هناك ضغوطاً من قبِل قوى رئيسية في الحكومة، كرئيسها سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، للمس برواتب الموظفين وأجورهم. الحريري كان واضحاً منذ البداية: يبشّر بإجراءات مؤلمة، رافضاً (في ختام جلسات الثقة على سبيل المثال) تحميل المصارف جزءاً من كلفة الخروج من الأزمة. اما باسيل، فتدرجت مواقفه صعداً ونزولاً. سبق أن امتدح خفض أجور موظفي القطاع العام أثناء زيارته صربيا (عندما كان برفقته رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، متزّعم حزب “كارهي الدولة”). وفي احتفال للتيار يوم 14 آذار الماضي، تحدّث عن حجم القطاع العام وكلفته، وحجم الدين العام وكلفته. عبّر عن تأييده لخفض حجم القطاع العام وكلفته، كما عن ضرورة أن تتحمل المصارف جزءا من مسؤولية التصحيح وخفض العجز. لكنه أول من أمس، أسقط المصارف، ليحصر أمر خفض نفقات الدولة برواتب الموظفين. قال مهدّدا: “إذا لم يحصل التخفيض المؤقت فلن يبقى معاش لأحد”. تجاهل أن في مقدور الدولة اتخاذ إجراءات لخفض الانفاق، بدل تهديد الموظفين برواتبهم.
خفض الفائدة على الدين العامة بنقطة مئوية واحدة (1 في المئة) يسمح بخفض العجز بنسبة 900 مليون دولار (على ذمة وزير الاقتصاد منصور بطيش). لكن، بدلاً من ذلك، لجأت الدولة، بشخص وزير ماليتها علي حسن خليل، وحاكم مصرفها المركزي رياض سلامة، وبمباركة الرؤساء الثلاثة، إلى الاتفاق مع المصارف على رفع الفائدة على سندات الخزينة إلى نحو 10.5 في المئة في كانون الأول الماضي. المبشّرون بالتقشف وخفض النفقات رفعوا في ذلك الاتفاق حجم النفقات التي ستدفعها الحكومة، من اموال الناس، إلى المصارف وكبار المودعين. لكن باسيل أكمل كمبشّر بالزهد: “أقول للناس إنه لا يجوز النظر فقط الى جيوبهم، فهذا الأمر يجب أن يكون جزءاً ضئيلا مما يجب تخفيضه في الدولة واذا كان يجب البدء بالوزراء والنواب فليكن”. و”خبرية” رواتب النواب والوزراء والرؤساء تبدو رشوة سخيفة للناس، في ظل ارتفاع موجة من الشعبوية تطالب بخفض تلك الرواتب، رغم أن تأثيرها على أرقام الموازنة العامة يكاد يكون لا يُذكر. فأصل “فساد” الموازنة وعجزها هو كلفة الدين العام (أكثر من 32 في المئة من النفقات) والتهرب الضريبي، والنظام الضريبي غير العادل وغير الفعال (راجع ملحق “رأس المال”، عدد اليوم).
كلام باسيل ليس من بنات أفكاره وحده. فهو يعكس نقاشات تخوضها القوى السياسية، حول عدد من الإجراءات التي ستتخذها الحكومة ومؤسساتها. يجري التسويق لذلك على قاعدة أن الإجراءات لن تمس الرواتب والأجور، ولا سلسلة الرتب الرواتب بطبيعة الحال، لكن مصادر وزارية تؤكد التوجه نحو “تدابير قاسية ستمسّ كل التقديمات الإضافية، من منح مدرسية ومحروقات، وتعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد”، كما “إلغاء التدبير رقم 3 في المؤسسات الأمنية، وهو امر بات محسوماً”.
وفي هذا الإطار، عقد ليلَ أمس اجتماع في وادي أبو جميل ضمّ كلاً من الحريري والوزراء علي حسن خليل وباسيل، والنائب جورج عدوان ومعاون الأمين العام للسيد حسن نصرلله الحاج حسين الخليل، للتداول في الموازنة والإجراءات التي يُحكى عنها وتأمين غطاء سياسي لما وصف بالقرارات الموجعة. لا أحد يعطي جواباً واضح حول ما يمكن أن يحصل. وزير المال يرفض الرد على باسيل، مشيراً إلى أنه أعدّ “مقترحاً بإجراءات متكاملة سيتم البحث بها”.
وفيما كان لافتاً دعوة المجلس الأعلى للدفاع للإنعقاد اليوم، علماً أن لا طارئ أمنياً يستدعي اجتماعه. فهل الموضوع يتعلق بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية في النقاط المتنازع عليها بين لبنان والعدو الإسرائيلي، أم إن هناك قضايا أخرى كالنزاع بين بعض الامن وبعض القضاء على خلفية ملف الفساد في “العدلية”؟ ثمة من يقول إن الاجتماع يمكن أن يكون مرتبطاً بما يحكى عن سلسلة الرتب والرواتب وعن قرارات صعبة ستطال موظفي القطاع العام، وخاصة العسكريين والأمنيين الذين يشكلون الكتلة الأكبر من الموظفين والمتقاعدين، إذ علمت “الأخبار” أن كلام باسيل أحدث ضجّة كبيرة داخل المؤسسة العسكرية، وأن قيادة الجيش ترفض المس برواتب العسكر لكنها لا تمانع النقاش في الملحقات. ويُنقل عن مسؤولين عسكريين قولهم إن “العناصر ممنوعون من العمل خارج الدوام، وهم يعملون ساعات إضافية من دون مقابل”، وفي حال تمّ إقرار خفض الرواتب والتقديمات “فليُسحب الجيش الى الثكنات، وليُلزم العناصر بدوام كما هو الحال مع موظفي الدولة، على أن يسمح لهم بمزاولة مهنة ثانية خارج المؤسسة”.
ومن الإجراءات التي تُبحث في ما يخص المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية:
تشجيع الضباط والرتباء على أن يحصلوا على تعويضاتهم على شكل سندات خزينة بحجة أنها تدر عليهم فوائد عالية،
وقف الترقيات إلا في حالة الشغور في ملاكات الرتب المنوي الترقية إليها،
خفض عدد قسائم المحروقات التي يحصل عليها الضباط والمؤهلون أو إلغاؤها،
خفض عدد السيارات الموضوعة بتصرف الضباط.
خفض منح التعليم لأبناء الضباط والعسكريين بنحو 40 في المئة من قيمتها الحالية،
إلغاء “التدبير رقم 3” الذي يمنح العسكريين والأمنيين 3 أشهر كتعويض عن كل سنة خدمة.
إعادة النظر في كيفية احتساب الرواتب التقاعدية، للعسكريين والمدنيين.
اما في المؤسسات والإدارة العامة، فيجري البحث في خفض رواتب كبار الموظفين، وتجميدها لسنيتن على الأقل.