تجددت الاحتجاجات في الجزائر بعد تأكيد الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه للانتخابات الرئاسية، على الرغم من المسيرات الشعبية المطالبة بتنحيه، بعد عشرين عاما في السلطة.
فقد أودع مدير حملة بوتفليقة الجديد، عبد الغني زعلان، ملف بوتفليقة لدى المجلس الدستوري، الذي ينظر في الترشيحات ويوافق عليها، بعد الاطلاع على الشروط القانونية، ومن أهمها توقيعات دعم الترشح، التي تعد أكبر عقبة أمام المترشحين الذين لا تساندهم أحزاب سياسية أو تنظيمات ذات شعبية واسعة.
وتعهد بوتفليقة، حسب تصريحات مدير حملته الانتخابية، بعقد ندوة وطنية تنظر في التعديلات الدستورية التي يطالب بها الجزائريون، وإجراء استفتاء شعبي عليها، وإجراء انتخابات مبكرة لا يشارك فيها، في يناير/ كانون الثاني المقبل.
وتعد هذه الخطوة “استجابة مؤجلة” لمطالب المحتجين، الذين رفعوا شعارات ترفض صراحة بقاء بوتفليقة في السلطة لفترة رئاسية خامسة، لأن حالته الصحية لا تسمح له بأداء مهامه الرئاسية، حسب معارضيه. فالرئيس الجزائري لا يكاد يظهر للناس، منذ إصابته بسكتة دماغية في عام 2013، ويجلس على كرسي متحرك.
ولم يحضر بوتفليقة شخصيا إيداع ملفه في المجلس الدستوري، كما يقتضي القانون، حسب رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات الرئاسية، عبد الوهاب دربال، الذي قال إنه “يتعين على جميع المترشحين في الانتخابات الرئاسية تقديم أوراق ترشحهم شخصيا”.
وقال التلفزيون السويسري إن بوتفليقة لا يزال في أحد مستشفيات جنيف لإجراء فحوصات طبية، ولا يعرف متى سيعود إلى بلاده.
وأثار إعلان ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة موجة من الاحتجاجات بدأت يوم 22 فبراير/ شباط في العديد من المدن، من بينها العاصمة التي يمنع فيها التظاهر منذ 2011.
وقد تميزت الاحتجاجات التي قادها متظاهرون شباب، أغلبهم لا ينتمون إلى أحزاب سياسية أو تنظيمات معروفة، بالهدوء في غالبها ولم تحدث مواجهات مع الشرطة أو أعمال عنف، باستثناء أطلاق أجهزة الأمن الغاز المسيل للدموع لمنع المحتجين من الوصول إلى مقر الرئاسة في حي المرادية وسط العاصمة.
واعترفت السلطات في أول رد فعل لها بقوة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لترشح بوتفليقة، وإذ أقر رئيس الوزراء، أحمد أويحي، في خطاب له أمام البرلمان “بحق المحتجين في التظاهر والتعبير عن رأيهم”، ولكنه قال إن “الانتخابات هي الفيصل”، وهي إشارة إلى أن الانتخابات ماضية، وأن بوتفليقة مترشح فيها بدعم الحزبين الحاكمين، جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، فضلا عن أحزاب أخرى أقل حجما.
هل ستجري الانتخابات في موعدها؟
كل المؤشرات تدل على أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها، ويشارك فيها بوتفليقة مرشحا لأكبر حزبين في البلاد هما جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وأحزاب وجمعيات ونقابات قريبة من السلطة.
لكن بوتفليقة أصبح في حكم المستقيل بعد التزامه بتنظيم انتخابات مبكرة في يناير/ كانون الثاني، لا يشارك فيها، إذ أنه سيتخلى عن الرئاسة بعد أقل من عام حال انتخابه.
فكل ما يريده الرئيس الجزائري الآن هو خروج مشرف سياسيا، يعطي فرصة للأحزاب السياسية والتنظيمات الاجتماعية للتفكير في صياغة دستور جديد للبلاد، والاتفاق على التوجه الذي ستأخذه بعد بوتفليقة.
من يقاطع الانتخابات؟
أعلن رئيس الوزراء السابق، والمعارض الشرس للرئيس بوتفليقة، علي بن فليس، مقاطعته الانتخابات الرئاسية، لأن “الشروط السياسية والتنظيمية” لا تتوفر لضمان نزاهتها، على حد تعبيره.
وتقاطع الانتخابات حركة مجتمع السلم، ذات الخلفية الإسلامية، التي كانت أعلنت ترشيح رئيسها عبد الرزاق مقري، ولكنها قررت عدم المشاركة فيها بعد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.
وكانت جبهة القوى الاشتراكية أعلنت أيضا عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ودعت إلى مقاطعتها بطريقة “فعالة وسلمية”.
وسعت جبهة العدالة والتنمية، ذات الوجه الإسلامي بقيادة، عبد الله جاب الله، جمع التيارات والشخصيات المعارضة بهدف التوافق على مرشح واحد ينافس بوتفليقة، ولكن المساعي، التي شارك فيها بن فليس ومقري، لم تحقق هدفها.
وأعلن حزب العمال، ذي التوجه التروتسكي، بقيادة، لويزة حنون، وهي المرأة الوحيدة التي دأبت على الترشح للرئاسة في الجزائر، مقاطعة الانتخابات هذه المرة، بعدما حاولت السير مع المحتجين في العاصمة، ولكنها قوبلت بهتافات التنديد والغضب نظرا لمواقفها “الداعمة لبوتفليقة” لوقت قريب، حسب ما ردده المحتجون.
من ينافس بوتفليقة في هذه الانتخابات؟
لم يبق في السباق رسميا مع بوتفليقة إلا مرشح واحد، هو اللواء المتقاعد، علي غديري، الذي قدم أوراقه للمجلس الدستوري، في انتطار الموافقة النهائية، ليكون المنافس الوحيد لبوتفليقة في هذه الانتخابات.
تفاجأت الحكومة والأحزاب السياسية الداعمة لبوتفليقة بقوة الاحتجاجات الرافضة لسعيه للفوز بفترة رئاسية خامسة، فلم تكن تتوقع خروج هذه الأعداد الكبيرة من المحتجين في العديد من مدن البلاد بما فيها العاصمة، خاصة أن النداءات كانت على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، ولم تدعمها أحزاب سياسية كبيرة.
وظهر ارتباك السلطات في تعاملها مع حجم الاحتجاجات في تغطية وسائل الإعلام الحكومية للحدث، فلم تكن تغطيتها منسجمة، إذ كتبت وكالة الأنباء الرسمية عن المظاهرات بطريقة مفاجئة، ولكن التلفزيون والإذاعة سكتت قنواتها عن الحدث وهو ما دفع بعض صحفييها إلى الاحتجاج أيضا على المسؤولين منددين “بالرقابة التي فرضت عليهم”، ومنعتهم من أداء “مهامهم الإعلامية”.
ودفعت الاحتجاجات الشعبية بالسلطة إلى تغيير موقفها من الانتخابات الرئاسية، واقتراح بدائل تأخذ بعين الاعتبار رأي الشارع، مثل ندوة تعديل الدستور والانتخابات المبكرة، وإن كانت لم تسحب ترشيح بوتفليقة كما طالب المحتجون.
من هم المحتجون وما هي مطالبهم وخلفياتهم؟
بدأت الدعوات إلى التظاهر ضد ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة على مواقع الاجتماعي، ولم تدعمها صراحة أحزاب سياسية، بما فيها تلك التي كانت سباقة للمقاطعة.
وكان أغلب المحتجين من الشباب الذين لا تعرف لهم انتماءات سياسية، وانضم إليهم طلبة الجماعات، وساندهم في الاحتجاج محامون ثم صحافيون في القطاع العام.
وظهر رئيس الوزراء السابق، ومنافس بوتفليقة الشرس، علي بن فليس، مع المحتجين في العاصمة.
كما خرجت في المسيرات، المجاهدة الشهيرة، جميلة بوحيرد، تضامنا مع المحتجين.
لم تكن الشعارات التي رفعها المحتجون ذات طابع أيديولوجي أو حزبي، بل عبرت في مجملها عن غضب قطاع واسع من الجزائريين من استمرار بوتفليقة في الحكم وهو في حالة صحية حرجة لا يستطيع التحرك بسهولة ولا يتواصل مع الناس، ولا يؤدي مهام رئاسية في الداخل أو في الخارج.
ولم تكن الانتقادات والشعارات الغاضبة موجهة إلى بوتفليقة في شخصه وإنما إلى النظام، الذي يعتقد الكثيرون أنه وراء استمرار هذه الحالة الاستثنائية في تاريخ الجزائر.
ورفع المحتجون شعارات منددة “بالفساد المستشري في البلاد”، وطغيان المال على السياسة، مثلما حدث مع رئيس الورزاء السابق، عبد المجيد تبون، الذي قرر خفض الواردات بمنع استيراد جملة من السلع والمواد لم تعجب رجال الأعمال القريبين من السلطة، فلم يعمر أكثر من شهرين في منصبه.
المصدر:الديار