كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يصافح أبناء الشهداء الذين تحلقوا حوله حين دعاهم لمأدبة الغداء التي أقيمت على شرف تضحيات آبائهم من رجال القوات المسلحة السورية حين وقعت عيناه على طفلة في الثانية عشرة من عمرها يتنازع وجهها الصغير فرح لرؤية قائد البلاد ودمعة حزن على خطب ما، اقترب الرئيس الأسد من الفتاة وسألها بلهفة: “لماذا تبكين يا ابنتي؟”..، فردت والدموع لا تفارق عينيها: “تذكرت والدي”.. حينئذ ربت الرئيس الراحل على يديها الصغيرتين وقال بحنان: “أنا أبوك”.
كانت تلك الطفلة تدعى باسمة صالح الشاطر التي غدت فيما بعد أول سيدة في سوريا ترتقي إلى رتبة لواء وتتبوأ منصب مديرة الخدمات الطبية في وزارة الداخلية السورية.
بقيت هذه القصة ملهمة السيدة باسمة التي اضمرت في نفسها بأن أول عمل ستقوم به حين تلامس النجاح في حياتها العملية سيكون زيارة ضريح الرئيس الراحل حافظ الأسد وهو الأمر الذي تحقق حين وقع الرئيس بشار الأسد على مرسوم ترفيعها إلى رتبة لواء ليكون ذلك مجازها لإستلام إدارة الخدمات الطبية في وزارة الداخلية السورية وهي المنزلة التي لم تسبقها إليها أية سيدة آخرى في سوريا.
روت اللواء الشاطر لموقع “العهد” الإخباري حديث ذكرياتها ابتداء من شعور الفقد والفخر باستشهاد والدها الضابط في الجيش العربي السوري وهو الأمر الذي زرع في قلبها محبة السلك العسكري المشفوع بالدراسة العلمية، لم يحل زواجها وانجابها المبكر لطفلتها الأولى وهي في سن الـ14 دون تحقيق المراد، فتتالت الشهادات التي نالتها باسمة ربة المنزل وصولا إلى دخولها كلية طب الأسنان في جامعة دمشق، وتعاقدها كذلك مع قوى الأمن الداخلي حيث كان استشهاد والدها ولقاؤها الرائع مع الرئيس الراحل حافظ الأسد يبرزان إلى واجهة تفكيرها عند كل مفترق نجاح كانت تصل إليه.
تبين اللواء الشاطر لموقع العهد أن المرسوم الذي أصدره الرئيس بشار الأسد والذي سمح لها وهي ابنة حي الصالحية الدمشقي بالإرتقاء إلى رتبة لواء جعل مسؤولياتها تجاه القيادة والشعب مضاعفة، سيما وأن عملها يستوجب تحويل الإدارة إلى خلية نحل لمواكبة شؤون شهداء قوى الأمن الداخلي، وشؤون أسرهم وكذلك جرحاهم في مرحلة الحرب الضروس التي كانت تتطلب “آلية مختلفة في إدارة الملفات”، وهو العمل الذي أقبلت عليه مدفوعة باستثنائية حضورها الأنثوي الذي تغلب عليه المسحة الإنسانية فضلا عن وضعها الطبيعي على محك الرقيب الذي يسأل “كيف لأمرأة أن تنهض بما يعجز الرجال عنه أحيانا”، لكن اللواء التي لا تحب أن تبقى حبيسة مكتبها ترد على هذه التساؤلات بطريقتها الخاصة حين تشهد عيادات الإدارة وكواليسها على جولاتها الميدانية اليومية التي تقف فيها على خاطر المرضى من الجرحى وأسر الشهداء، تحدثهم كأمرأة مسؤولة وتحيل مشاكلهم إلى المعنيين بها كلواء يحترم كثيرا بزته العسكرية والرتب التي يحملها على كتفيه، أسلوب تجاوز حالة التشريفات إلى حالة التكليف المهني الذي يضع النقاط على حروف العمل.
بعيدا عن سطوة حياء الشرقي الذي يمارس هوايته في اللاوعي بإغداق المديح على المسؤول الماثل أمامه انفردنا ببعض المرضى الذين وقفت اللواء الطبيبة على أحوالهم، كان الإمتنان سيد الموقف، فكون المدير أنثى جعل “الشعور بنا مختلفا” على ما قال أحدهم لموقع “العهد”، فيما لفت والد شهيد إلى أنه كان يفكر في الآلية التي سيحاول بموجبها لقاء “السيدة اللواء” قبل أن يعثر عليها وهي تزور المرضى بنفسها، “لم أجد كبير عناء في استيقافها، وطرح مشاكلي أمامها “قبل أن يضيف بامتنان “ما أسرع ما قضت حاجتي”.
في الجانب الشخصي تنفرد أسارير اللواء طبيبة الأسنان وهي تحدثنا عن أولادها الأربعة وأحفادها الستة الذين “أنسى بوجودهم كل التعب” فلدى السيدة ما تفخر به أمامهم وفي سيرتها الذاتية ما سيكون ملهمهم في قادمات الأيام سيما وأن الكثير من “مراحل العمر لم أتحدث عنها بعد، بكل ما تحمله من الآلام التي عادة ما تكون على هامش النجاح”.
أما أحفادها فحسبهم أن يقولوا عنها بأنها أول سيدة تصل إلى هذا الموقع.
المصدر: العهد
**