لا أحد يمكنه تفسير سبب «تورّط» اللواء عماد عثمان في حملة مكافحة الفساد في قوى الامن الداخلي. الفساد في النظام اللبناني بنيويّ. ومن الصعوبة، ان لم يكن من المحال، مكافحة الفساد في مؤسسة لا يحظى رأسها بغطاء قوة قاهرة لباقي القوى السياسية والطائفية في البلاد، فكيف الحال بمؤسسة يعجز مجلس قيادتها، منذ 14 عاماً، عن إصدار «امر نقل عام» للضباط (تشكيلات عامة)؟ وما الذي سيدفعنا، كمواطنين، إلى أن نصدّق أن المدير العام، الملتصق سياسيا بأحد قادة الانقسام الأهلي، سيتمكّن من تنفيذ خطة طموحة كالتي أعلنها؟ مكافحة الفساد في قوى الأمن متوقفة حالياً. لم تتم إحالة أي ضابط أو رتيب على القضاء منذ أشهر، بعدما فُرمِلت حملة عثمان – فرع المعلومات، إثر تدخّل الرئيس سعد الحريري لمنع توقيف ضابط محسوب على النائب وليد جنبلاط. والأخير لم يتدخّل في القضية من تلقاء نفسه. كان سائحاً في باريس، فتلقى اتصالاً من عثمان، يبلغه فيه بوجود شبهة بتورط العقيد و. م. بقضية فساد. طلب جنبلاط التمهل لحين عودته. وعندما استقبل في منزله المديرَ العام لقوى الأمن الداخلي، كان «البيك» متوتراً سلفاً بسبب ما يسمّيه استهداف العهد لموظفين مقربين منه في عدد من الوزارات. وإضافة إلى ذلك، سأل جنبلاط أكثر من سؤال حق يُراد به باطل: لماذا لا تحاسبون هذا العميد (سمّى ضابطاً بعينه) الذي نبتت في عهده مئات المخالفات المدفوعة في بيروت؟ انتهى الأمر بالنسبة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. هو يرفض محاسبة العقيد المشتبه فيه، ويدعمه الحريري في ذلك. الاخير تدخّل أيضاً لمنع محاسبة العقيد ع غ، المحسوب على تيار المستقبل. أتى عثمان بالدب إلى كرمه، فأفسد له ما كان يحاول القيام به. ليست تلك هي المرة الاولى التي يستشير فيها زعيماً سياسياً / طائفياً في قضية داخلية، فترتدّ نتيجة استشارته عليه. فعلها قبل ذلك عندما سأل الرئيس نبيه بري في أمر تعيين ضابطين ينتميان إلى الطائفة الشيعية، وقرّر عكس ما أبلغه به بري، فنزل غضب وزير المالية على المديرية، إلى ان تراجع المدير العام عن قراره. حينذاك، طرح احد المقربين من رئيس المجلس النيابي سؤالاً محقاً يراد به باطل أيضاً: هل يجرؤ عثمان على تعيين ضابط درزي لا يرضى به جنبلاط قائداً للشرطة القضائية؟
من الجائر تحميل عثمان وحده مسؤولية فشل ما أعلنه على الضباط قبل أكثر من عام، حين وعدهم بالمحاسبة، طالباً ممن لا يعجبه ذلك خلع بزته والرحيل. فالمسؤول الاول هو الرئيس سعد الحريري الذي يمنع محاسبة ضابط أو تبرئته. ما يطلبه القضاء هو الإذن بالملاحقة، لا أكثر. وهذه الملاحقة قد تنتج تثبيت براءة الضباط المشتبه فيهم. رغم ذلك، يرسم زعماء الطوائف خطوطاً حمراً تحول دون المس برجالهم في قوى الأمن. يبدون متأكدين من الإدانة، ولأجل ذلك يحمون محازبيهم. هم بذلك يقولون إن أداءهم الفاسد في النظام الفاسد لن يُنتج سوى ضباط وموظفين فاسدين.
وكما في مكافحة الفساد، كذلك في تبديد الثروة المائية. ليس عماد عثمان وحده المسؤول عن منح أذونات لا قانونية لحفر آلاف الآبار الارتوازية العشوائية (راجع صفحة 6). سبقه أسلافه في المديرية إلى هذه البدعة. ولم يقف مسؤول في الدولة ليضع حدا لهذه المهزلة التي تنتج كارثة تصيب مخزون المياه الجوفية. عندما يُسأل ضباط عما يُرتكب بحق الثروة المائية، يردّون بأنه لولا أذونات المدير العام، لبقيت بلدات عديدة عطشى. حسناً، مَن كلّف المدراء العامين لقوى الأمن الداخلي بهذه المهمة؟ وهل مكافحة العطش تكون بحفر آلاف الآبار غير الشرعية؟ لماذا يصمت وزير الداخلية؟ أين وزير الطاقة والمياه؟ أين وزير العدل؟ ماذا عن رئيسي الحكومة والجمهورية؟ أين النواب؟ الفئة الأخيرة تبدو الأكثر مشاركة في الجريمة، فتقدّم الطلب تلو الآخر للحصول على بئر لهذه البلدة او لذلك المشروع الزراعي او لذاك المتموّل.
قصارى القول إنه من اليوم وحتى حصول عثمان على غطاء قوة عظمى لمكافحة الفساد في الجمهورية، من الاجدى به أن يتوقّف عن تبديد الثروة المائية. وهذا أمر هين. فليقل لكل من يطالبه بتغطية لبئر مخالفة، اذهبوا إلى وزارة الطاقة. الجريمة هنا لا تقل خطورة عن جريمة تلقي رشوة لعدم توقيف مطلوب.
المصدر: حسن عليق – الاخبار
**