في زحمة المواقف المعلنة وحدّة التصريحات وتسارع الأحداث تبقى الكلمة الفصل هي للميدان وحده، ويستمر الصراع في المنطقة العربية وامتداداته الإقليمية والدولية، وتداعياتها أصبحت ماثلة للعيان، ومن مشروع الشرق الأوسط الجديد الى “صفقة القرن” وتعديلاتها الى مشروع الكانتونات والهدف واحد، تحاول قوى الهيمنة الإستعمارية جاهدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية أن تنال من إنجازات محور المقاومة ومن ثمّ إعادة خلط الأوراق وإدارة الأزمات وهدفها إضعاف الدول القائمة ونشر الفوضى فيها وجعلها رهينة للنهب.
وفي المضامين نرى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهي تعمل جاهدة للإحتفاظ بأي ورقة إرهابية وحماية أجندته الإجرامية وأكثر من ذلك محاولة تسويق الكيان عن طريق فرض التطبيع معه على الدول العربية الدائرة في الفلك الأميركي، أما وسيلة ذلك فهي الإستمرار في دعم الإرهاب في سوريا والمنطقة ونشر المزيد من الفوضى الهدامة، لذلك تعمل إدارة الرئيس الأميركي ترامب لقطع الطريق على إنتصارات الجيش العربي السوري على التنظيمات الإرهابية من خلال زعزعة الإستقرار ومنع إعادة الأمن الى ربوع سوريا وهي بذلك تحاول عرقلة فرض الدولة السورية سيادتها على كامل أراضيها، وتتلاعب بورقة (قسد) الكردية وإعادة تدوير الإرهاب الداعشي وإجرامه.
وأيضاً تراوغ إدارة الرئيس الأميركي ترامب عبر الدور الأممي في سوريا لفرض مشاريعها تحت مسمى “الحلول السياسية” والحوار واللجنة الدستورية وغيرها، وهي في حقيقة الأمر مازالت تغرق في أحلامها التوسعية ومعها أوهام الكيان الصهيوني وأردوغان تركيا، لكن الوقائع في ميدان الصراع تقول كلمتها وتجعلها تدرك جيداً أن الجيش العربي السوري وحلفاءه لن يسمحوا للمخططات الفوضوية بالمرور.
ومن سوريا الى اليمن، نرى الحقائق بكل مفرداتها، تجُر قوى العدوان الرجعي أذيال الهزيمة رغم الدعم الأميركي والصهيوني، وذلك بفضل المقاومة الباسلة التي أبداها شعب اليمن، هذا الشعب العظيم الذي تمتد جذوره في عمق التاريخ والحضارة الإنسانية وهو لم ولن ينكسر بالرغم من توحش الأدوات الصنيعة برعاية أميركية، وثبت استحالة كسر الشعوب الحية التي تصمد وتقاوم العدوان الخارجي.
إن أحد مؤشرات تراجع الهيمنة الأميركية هو أن مصدر قوتها “الدولار” وغطاءه الهيمنة على دول العالم، هذا السلاح بدأ يفقد قيمته وفاعليته بشكل متسارع لأسباب عديدة منها السياسات العنصرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد بدأت خطوات التخلي عن العملة الأميركية تتسع وتتصاعد بين عدد من دول العالم وتقود هذا التحرك دول عالمية وإقليمية إكتوت بنار الغطرسة والعقوبات الأميركية، مثل روسيا والصين وإيران والهند، هذا يعني أن العالم بدأ يتوحّد في معظمه ضد أميركا وهيمنتها الإقتصادية والمسيرة بدأت وتزداد قوة.
ليس صدفة أن نسمع الدعوات الدولية لوقف الحرب في اليمن وخاصة من أولئك الذين دعموا العدوان الرجعي بالسلاح والعتاد والدبلوماسية، لذلك نرى وزير الحرب الأميركي جيمس ماتيس يعلن ضرورة وقف إطلاق النار في اليمن، والجلوس الى طاولة المفاوضات، وكذلك يدعو وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، تحالف السعودية الى وقف الغارات الجوية في المناطق المأهولة، أما وزيرة الدفاع الفرنسي فلورانس بارلي أعلنت بأنه “حان الوقت لوقف هذه الحرب”.
إن مثل هذه الدعوات هي شهادة على فشل العدوان في تحقيق أهدافه أو هي محاولة لحفظ ماء الوجه واللجوء الى المفاوضات، وهذا التطور يؤكّد، أن هدف هذه الدعوات هو الخروج من الورطة، وهي دعوة لتلك الأدوات لإعادة النظر ومفادها إنتهت المهمة ووصلنا الى نقطة إنعطاف بعدها حصاد الخسائر.
والسؤال هنا يتعلق بالحالة الراهنة في الوطن العربي وبالتحديد ما هي الأسباب التي جعلت هذا الوطن الكبير في أسوأ حال؟
بالتأكيد هناك أسباب مركبة وتراكمية يمكن إيجازها ببضع كلمات، أن وجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة هو عامل هدم وإعاقة واستنزاف لقدراتها ومواردها وهو حارس المصالح الإستعمارية وهناك عوامل التجزئة والتفرقة التي غذتها الدوائر الإستعمارية وجعلت البلاد رهينة التخلف والأقكار البالية، هذه الأوضاع إستغلّها الأعداء لحياكة المؤامرات وهي التي أوصلت الى حالة الربيع المزيف قبل سبع سنوات كي يستهدف النسيج الإجتماعي من خلال “الأخونة” والحركات الوهابية لضرب الأنظمة وهدفها تفتيت البلدان وتحويلها الى دول فاشلة.
ومع فشل مشروع ما يسمى الربيع العربي في سوريا وهو الذي استهدف الدول التي تحمل فكر قومي عروبي، وكان هدف الأعداء القضاء على فكر جامع وغير طائفي، هذا الفكر الجامع يعتبرالصهيونية عدوه الرئيسي.
لكن خلال هذه المرحلة تساقطت أوراق كثيرة وهي بذلك أتاحت لرؤية الحقائق كما هي، “إسرائيل” هذا الكيان لم يعد عدواً لدى عرب أميركا والتطبيع يجري على قدم وساق، والمعارضات التابعة للناتو يفخرون بعلاقاتهم مع الصهاينة، والآن يجري العمل لجني الثمار والتحرك نحو المشروع الأساسي “صفقة القرن” الذي يتعلق بتهويد القدس وهيمنتها للأبد كخطوة نحو مشروع “إسرائيل” الكبرى.
ويتم استهداف إيران حيث إنسحب ترامب من الإتفاق النووي معها، وذلك بعد تحويل إيران لعدو أساسي لأغلب الدول التابعة للأميركي، والتهديدات الأميركية في أوجها وتحذيرات مفادها “أن أي إعتداء على مصالحها بالعراق من قبل حلفاء طهران سيتم الرد عليه بشكل مباشر”، وهذا ما يريده الصهاينة قبل إنتهاء ولاية ترامب، وهي مهمة رئيسية جاءت به لسدة الحكم بالإضافة لإبتزاز حكام الخليج بأموال طائلة وتغطية تكاليف المؤامرات القادمة، ودفع ديون أميركا، وترامب بدوره هيّأ طاقم التصعيد (بولتون وبومبيو المحسوبان على التيار الصهيوني المتشدد، وبقي تغيير وزير الدفاع الأميركي ماتيس).
ورأينا كيف عمل الأميركي من أجل حرف بوصلة الصراع في المنطقة العربية من خلال إعادة تصويب البوصلة في إتجاه آخر، والبداية كانت في إعادة صياغة مفاهيم جديدة لأدواته في المنطقة وإطلاق تسميات جديدة عبر تقسيمات واللعب في المصطلحات والمهام، عبر حديثه عن الدول “المعتدلة” وتجمع دول مسلمة سنّيّة وتحت راية مواجهة التهديدات المشتركة، وكل هذا في مواجهة مصطلح دول الممانعة الذي يجمع إيران وحلفاءها، وعبر محاولة التمييز بين الدول العربية بحسب سياساتها الإقليمية، تمّ ترسيخ ما يسمى “محور الإعتدال” كتحالف سياسي فقط مع الولايات المتحدة وهي خطوة أولية، وصولاً الى ما يسمى “حلف الناتو العربي” وهذا وظيفته في مواجهة إيران، وأضيف إليه مواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة في محاولة للتعمية على حقائق الأمور، وعمل الأميركي على زيادة وجوده العسكري في المنطقة وترك إتخاذ أي إجراءات عسكرية الى حلفائه، وتم اختيار إسم مؤقت للتحالف هو “التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط”.
وبعد الإنتصارات التي حققها محور المقاومة في مواجهة المشروع الأميركي المتصهين في المنطقة، بدأنا نسمع عن “صفقة القرن” وربما المعدلة منها تبعاً للتطورات الميدانية وحصادها، وفكرة الكانتونات هي فكرة مغرية بالنسبة للأميركي لأنها تعني التقسيم والتفتيت في الواقع، والهدف تصفية قضايا الأمة وإعادة خلط الأوراق وتصفية القضية الفلسطينية في سلم أولويات الأعداء.
إن طرح مشروع دولة كونفدرالية بين الأردن وقسم من الضفة الغربية، هي من ضمن التوازنات الديمغرافية الجديدة المشبعة حتى الإنهاك بمشاريع سياسية وإيديولوجيات.
ماذا يريد الأميركي؟ بالتأكيد إن إنتصار الدولة السورية وتحالفاتها بالترافق مع الصعود الروسي في المنطقة ونجاح العراقيين بتدمير الإرهاب، فسارع الأميركي في تعديل “صفقة القرن” ومن ثم إعادة تشكيل الكيانات السياسية العربية بما يتوافق مع المشاريع الأميركية المتجددة والمستعجلة وهي في مضمونها تعني إعادة تدوير أدواتها وتجديد شباب الممالك والإمارات والأنظمة السياسية الرميمة لقرن جديد من التخلف والإرهاب لمنع التطور وجعلها مجرد كيانات تابعة ولها وظيفة محددة مع استبعاد الكيانات عديمة الجدوى، وفي هذا إعادة تجديد للنفوذ الأميركي في المنطقة وإحياء مشاريع أسقطها السوريون والإيرانيون والعراقيون و”حزب الله”، وفي العمق يريد الأميركي السيطرة على الغاز وموارد الطاقة المقبل إنتاجاً واستثماراً، وهذا يتطلّب السيطرة على خط إيران – قطر – سوريا – العراق، فتوازي بذلك روسيا صاحبة الإنتاج الأول في العالم من الغاز.
ولسان حال اللحظة الراهنة، هو استعداد دول محور المقاومة من إيران الى العراق وسوريا ولبنان المقاوم لمجابهة المشروع الأميركي الجديد وإنقاذ المنطقة من مشاريع التقسيم الأميركي وخاصة بعد أن إتضحت لعبة الإستثمار في الإرهاب لتحقيق الأهداف الإستعمارية، وأكثر من ذلك بدأت أوراق الإرهاب في التساقط بعد صمود سوريا وهي اليوم تحقق الإنجازات عبر تحالفات راسخة تعمّدت بالتضحيات وهيهات أن تعود عقارب الساعة الى الوراء.
إنها لحظة الحق والحقيقة وستسقط كل مشاريع الأعداء.
إنه موسم تساقط أوراق الإرهاب وداعميه.