يمرّ النظام السياسي في دولة لبنان الكبير التي تأسست عام ١٩٢٦ بمتغيرات تنحت في واقع الدولة عموماً وبالمؤسسات الدستورية المشكّلة لهذا النظام خصوصاً، وتتضمن هذه المتغيرات تحديات معرقلة وعوامل دعم لاستمراره، تتوزع في بيئتي النظام الداخلية والخارجية، وتمثّل البوصلة التي يمكن من خلالها معرفة إتجاهات مستقبل هذا النظام وفقاً لآلية تعامله معها بتقليل الآثار السلبية للتحديات واستغلاله للفرص المتاحة في عوامل الدعم.
وبنظرة عامة الى الواقع الراهن يمكن القول إن أبرز المشكلات التي تواجه النظام السياسي في لبنان هي تحديات داخلية منها تحسين وضع البنية الأساسية المتردية للإقتصاد الوطني، وانعدام الموارد وفرص العمل، وغياب السياسات الجاذبة لرؤوس الأموال والاستثمارات، وغياب خطط التنمية والتحديث، وتفعيل عمل مؤسسات الدولة ورفدها بالطاقات العلمية، والصراعات الطائفية، والزبائنية السياسية، والتنازع على الوظائف والحقائب الوزارية، والفساد وانعدام الشفافية والمحاسبة، وانتشار الأمراض والأوبئة، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين، وغيرها من المشكلات الحدودية مع الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة ومواجهة الحركات التكفيرية.
وفيما تقترب سوريا من المرحلة النهائية في معركة إخراج المجموعات التكفيرية من أراضيها، يفرض الواقع الجغرافي للدولة اللبنانية وجود ثوابت يمكن تفعيلها واستغلالها إيجابياً في دعم التعاون الثنائي والإقليمي بينها وبين محيطها المتنوع الذي يحتوي دولاً يمكن أن يستفيد منها لبنان في دعم سياساته المائية والزراعية والصناعية والتجارية والنفطية إذا ما تمّ بناء شراكة متينة بينها وبين دول إقليمية وفي طليعتها سوريا الذي يتوجب على حكومة الحريري المقبلة الإسراع بتغليب المصلحة المشتركة للبلدين وتنأي الصراعات السياسية جانباً، وهو ما يدعم أداء النظام السياسي ويزيد من فرص نجاحه في تحقيق الإستقرار والبناء على أسس قوية، كما يمكن لهذه العلاقة مع سوريا أن تنعكس إيجاباً على واقع لبنان من خلال التخفيف من حدة النزاع والصراع الداخلي، وهو ما قد يخفف من أعباء النظام السياسي في الحفاظ على أمن الدولة القومي وتفعيل القرار السياسي والاقتصادي والحد من تداعيات التنافس الإقليمي والصراعات بين القوى الموجودة فيه.
وإذا كانت دولاً مثل قطر وتركيا والأردن، وحتى الإمارات العربية المتحدة، كما جمهورية مصر العربية وتونس والجزائر وليبيا، تدرس مصالحها بشكل دقيق، وتريد إعادة وصل ما انقطع مع دمشق، فعلى الحكومة المقبلة في لبنان الخروج من حالة الإرباك التي تواجهها منذ سنوات طويلة، وإقلاع الرئيس سعد الحريري وحلفائه من الحزب الإشتراكي والقوات اللبنانية وشخصيات سياسية قريبة منه عن مقولة إنه لا يمكن “التطبيع” مع سوريا قبل حصول تطور على صعيد علاقات دمشق مع الغرب، وكذلك مع المملكة العربية السعودية!
المنطق يقول أن يكون شعار حكومة الحريري المقبلة: الإستقرار والإزدهار وفرص العمل، وهذا يتطلب الخروج من ” الصبيانية” في سلوك بعض القوى والأحزاب السياسية في مسألة التعاطي مع سوريا بشكل يعيد الحيوية للعلاقات السياسية والإقتصادية والأمنية والإستراتيجية بين البلدين.