حرب تشرين المجيدة لا تحتاج الى الكثير من الوصف، فهي في الذاكرة والفكر وأصبحت نبراساً. إنه يوم عودة الروح الى الأمة وولادة فجر جديد: في مثل هذا اليوم تغيّرت المفاهيم وبشكل جذري. إنها صفحة ناصعة خلّدها التاريخ في حياتنا وفي وجدان أبناء الأمة.
لم يكن يوماً عادياً كباقي الأيام، الصورة مازالت ماثلة وفاعلة في الفكر والممارسة، وأنتجت أثمن ما في حياتنا: “المقاومة”.
في صبيحة ذاك اليوم التشريني كان كل شيء هادئ، إلا عزيمة الأبطال، كان الجندي العربي السوري على أهبة الإستعداد ومعه الجندي العربي في مصر العظيمة، وهما ينتظران لحظة العبور العظيم، على جبهة الجولان السوري وفي قناة السويس، ولسان حالهم يقول، الحياة وقفة عز والنصر صبر ساعة ونملك الإرادة والحق، ونقاتل دفاعاً عن قضية عادلة ولسنا هوادة حرب وعدوان، والحرب فُرضت علينا لرد العدوان وتحرير الأرض والقضية تتعلق بحياتنا ووجودنا، نكون أو لا نكون.
في ظهيرة ذاك اليوم 6 تشرين الأول 1973، وفي التوقيت ذاته، بدأ التاريخ يخط فاصلة جديدة مختلفة عن سابقاتها، عبر الجيش العربي السوري في جبهة الجولان محطماً الخطوط التي صنعتها نكسة حزيران 1967، وتقدمت القوات المصرية بكل قوة، ومشهد عبور قناة السويس لن تمحوه الأيام والسنوات، كما لن ننسى عملية الإنزال الكبرى التي قامت بها القوات السورية خلف خطوط العدو وعلى مرصد جبل الشيخ، ولن ننسى زغاريد النسوة وكلماتهن المعبّرة عن الفرح في وصف جبل الشيخ وأسموه يومها “جبل الشباب”، هذا يعني عودة الأمل والثقة بقدراتنا وإرادتنا نحن أبناء هذه الأمة.
لقد أسست حرب تشرين المجيدة الى واقع جديد مختلف، ومفاده أن النصر ممكن عندما يتوفر الإعداد الجيد والإرادة، وعندما تتوحّد الجهود والرؤى، إعرف عدوّك؟.
نعم، وكما علمتنا الحياة والوقائع، عدونا هو الإستعمار بأشكاله المختلفة قديمها وحديثها، وعدونا هو التخلف والفكر الرجعي، وعدونا التجزئة والإنقسام وعوامله، هذا الثالوث الوباء هو الذي يفعل فعله، والسنوات القليلة الماضية فيها الكثير من الدروس والعبر، والسؤال هنا من أين جاء الإرهاب؟!.
ألم يكن للعوامل السابقة دورها في تأمين البيئة المناسبة التي سمحت لآفة الإرهاب بالنمو كظاهرة وهي آخر إبداعات قوى الهيمنة العالمية التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الأمة كرأس حربة ومعول هدم وعامل إنقسام ومصدر خطر دائم يهدّد تطلعات أبناء الأمة نحو حياة أفضل والإستفادة من ثرواتها في سبيل نهضتها وتطورها وصون كرامة الإنسان فيها.
لنأخذ العبرة من الدروس المستفادة من حرب تشرين المجيدة 1973، التي حرّرت الإرادة وكسرت شوكة العدو وحطمت قوة ردعه المزعومة، ولنأخذ العبرة أيضاً من إنتصار المقاومة في لبنان في حرب 2006، هذه المقاومة التي أصبحت أنبل ظاهرة في حياتنا وتعلم الأجيال الدروس والواقع الماثل يعطي أنصع صورة، ونحن ننتظر لحظة إعلان النصر العظيم وهزيمة الإرهاب الى غير رجعة.
ستظل أمجاد حرب تشرين التحريرية ماثلة أمامنا وهي اليوم تتمثل في محور المقاومة بكافة أركانه في سوريا وإيران والعراق ولبنان وفلسطين ومنها نستلهم الهمة ونزداد ثقة وعزيمة بأن النصر آتٍ… آتٍ.