في أهمية اللحظة التاريخية الراهنة جملة من الأحداث الجسام تلوّن أرجاء المعمورة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث تتشكّل المعادلات الإقليمية على وقع الصراع الدائر، وأصبح الحسم في الميدان هو المتحوّل الأساسي ويقابله نقطة إنعطاف هامة ترسم شكل الموازين الدولية الجديدة.
وما يزيد من عظمة الحدث وتأثيراته وتداعياته المباشرة إقليمياً ودولياً، هي تلك الإنجازات التي توّجت من البوابة السورية، وبات المشروع الأميركي المتصهين يجرّ أذيال فشله وهزيمته المدوية بسبب صمود سوريا وتحالفاتها وانتقالها الى مرحلة الهجوم وهزيمة الإرهاب من كافة الأراضي السورية، ويتأكّد بالملموس أن المنطقة تتّجه لجعل الشرق الأوسط خالٍ من الهيمنة الأميركية وتوابعها.
ليس صدفة أن يعج البحر الأبيض المتوسط بعشرات السفن والمدمرات والغواصات واستعراض أميركي لافت هدفه محاولة تحقيق إنجاز ما من خلال لغة التهديد والوعيد والترهيب وخلق ذرائع واهية من أجل استهداف سوريا التي يتقدّم جيشها الباسل بإتجاه مدينة إدلب لتحريرها من رجس الإرهاب، وبالمقابل تتواجد قطع هامة من البحرية الروسية وهدفها حماية الإنجازات التي تحققت على طريق هزيمة الإرهاب وداعميه ولمنع العدوان الأميركي المحتمل من تحقيق أهدافه.
سوريا إنتصرت واستطاعت روسيا إعادة التوازن الى اللعبة الدولية، ويحاول الرئيس فلاديمير بوتين إيجاد لغة مشتركة مع الإتحاد الأوروبي لإقناع الغرب بالمساعدة في إعادة بناء سوريا حتى يتمكّن اللاجئون من العودة الى ديارهم، أما الولايات المتحدة فإن خوفها من القدرات الروسية بات يشلّ كل شيء لديها بعد الإخفاق في سوريا، لذلك هم يتخبطون في استخدام سلاح العقوبات الإقتصادية في كل الإتجاهات، وبالتالي فإن استمرارهم في التفاعل مع روسيا بالنسبة للكونغرس الأميركي الحالي يعني فقدان الكثير من هيبتهم، وأما خلط الأوراق من جديد في المنطقة سيكون مكلفاً وغير مضمون النتائج، لذلك يلجأون للتلفيق والتهم المفبركة لإستخدام الكيميائي جاهزة.
في ظل هذه الأجواء تمّ عقد القمة الثلاثية في طهران يوم السابع من أيلول 2018 “الرئيس الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان”، وكل المحاذير الماثلة كانت تشير الى ضرورة عدم الوقوع في الفخ التركي المتمثل بطلب تأجيل عملية تحرير إدلب وفي أي تأجيل سيكون مقتلاً لكل الإنجازات، وضرورة أن تستمر عملية تحرير إدلب دون أي إبطاء لأن التأجيل سيكون خدمة لأميركا وفرنسا وبريطانيا سيقدمها أردوغان لهم كخدمة مستحقة وعربون جديد له ما بعده.
وكان المفترض المأمول من قمة طهران أن يحصل إجماع على إجتثاث الإرهاب من إدلب عبر عملية تحرير تقودها سوريا قتالاً وتصالحاً.
والسؤال ماذا صدر عن قمة طهران الثلاثية الإيرانية – الروسية – التركية؟
في بيانها الختامي، “أكّدت على أهمية سيادة سوريا على أراضيها وعلى الإستمرار والتعاون بهدف القضاء التام على كافة المنظمات الإرهابية، وبالتأكيد على تهيئة الظروف لضمان عودة اللاجئين والمهجرين وضرورة فصل المعارضة المسلحة عن المجموعات الإرهابية، بالإضافة الى الرفض التام لمحاولات إعادة ذرائع جديدة على الأرض يدعون محاربة الإرهاب، والإتفاق على إمكانية عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين، والإلتزام بوحدة الأراضي السورية وسيادتها وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وضرورة مراعاة ذلك من قبل الجميع”، وأكّد الرؤساء في ختام اجتماعهم الذي عُقد في طهران “على العزم على استمرار التعاون حتى القضاء على الجماعات الإرهابية معربين عن إرتياحهم للإنجازات التي تحققت على ضوء إجتماع “آستانا” لحل الأزمة السورية.
الرئيس الإيراني حسن روحاني، أوضح “أن الطلب المتفق عليه هو أن يلقي الإرهابيون أسلحتهم”، وقد وافق الرئيس بوتين على هذه الصيغة، وأكّد الرئيس روحاني أمام القمة “أن التدخل الأميركي في سوريا يضر بالحل السياسي وأن أي مفاوضات سياسية يجب أن تؤكّد على وحدة الأراضي السورية والإستمرار بمكافحة الإرهاب وخاصة في إدلب، وقال الرئيس روحاني: “إن أميركا تتدخل بشكل غير قانوني في سوريا وخارج الأعراف والقوانين الدولية”.
وأكّد الرئيس روحاني “أن إيران تثمّن الجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب”، وأشار الى خطر الإرهاب على المنطقة، وقال: إن مكافحة الإرهاب تتطلب رؤية شاملة ومكافحته في إدلب أمر لا مفر منه ويجب قلع الإرهاب من جذوره”، وأشار الى أن الكيان الصهيوني قائم على العنصرية ولا يحق له الحديث عن مكافحة الإرهاب”.
وبدوره أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة طهران: “أن الحكومة السورية لها الحق في السيطرة على كل أراضي البلاد بما فيها إدلب”، وأشار الى أنه تمّ تحرير حوالي 95 % من الأراضي السورية من قبضة المسلحين، وفي الوقت الراهن إن المجموعات المتبقية من المتطرفين متمركزة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، ويقوم الإرهابيون بمحاولات تعطيل نظام وقف إطلاق النار وينفذون أنواعاً مختلفة من الإستفزازات منها استخدام الأسلحة الكيميائية، وقال: “لذلك علينا التفكير سوياً في كل جوانب هذه القضية المعقدة وحلّها بصورة مشتركة مع فهم أن الحكومة الشرعية السورية لديها الحق في إحلال سيطرتها على كل أراضيها الوطنية، وهذا ما يجب أن نفعله في نهاية المطاف، وأن تنفيذ هذه المهمة يجب أن يجري باستخدام الآليات التي أتاحت حل مثل هذه المشاكل في الماضي القريب، وتنسيق أعمالنا في جميع هذه الإتجاهات والتقدم عبر سبيل تنظيم عمل اللجنة الدستورية”.
اللافت، طرأت مناقشة حادة نسبياً بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، حول صياغة البند المتعلق بإدلب في البيان الختامي للقمة الثلاثية التي عقدت في 7 أيلول 2018 في طهران، حث الرئيس التركي أردوغان على استخدام صيغة المصالحة في إدلب، قال: “أرى أنه إذا أضيفت صيغة مصالحة فإن هذا سيدعم العملية”، أجابه الرئيس بوتين: “إنه إقتراح عادل، لكن الأطراف المتحاربة لا تشارك في المفاوضات، ولا يمكننا التحدث باسمهم، خصوصاً إرهابيي “جبهة النصرة” و”داعش” المحظورتان في روسيا وعدد من الدول”.
ودعا أردوغان “الى إعلان هدنة في محافظة إدلب، وهذا سيكون إنتصاراً لهذه القمة”، وقال: إن إدلب تمثّل مسألة مهمة لأمن تركيا… والمعارضة تشعر بتعرضها للخداع”.
وبهذا يكون الرئيس التركي أردوغان قد كلّف نفسه متحدّثاً بإسم ما يسمى “معارضة”، وهو بذلك مازال يراهن على عامل الوقت.
والسؤال هل تنجح روسيا في وضع حد لتوجهات أردوغان الذي يريد الشيء ونقيضه وهو يتقن الإزدواجية المفرطة، وهو بذلك يحاول إرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه وأدواته متناسياً العقوبات الإقتصادية ومحاولة تركيعه وإعادته الى الدور المرسوم له في المنطقة، وهذا يؤكّد أنه مازال في نفس الحظيرة؟.
والسؤال هنا، هل قمة طهران الثلاثية خطوة في الإتجاه الصحيح أم هي مسار مرسوم وصلنا الى نهايته؟.