قالها وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ومن موسكو: “نحن في الخطوة الأخيرة لحل الأزمة في سوريا وتحرير كامل أراضينا من الإرهاب”، وأكّد المعلم “أنه على رغم التهديدات الغربية، فإن قرار القيادة السورية المضي قدماً في مكافحة الإرهاب والردّ على أي عدوان يستهدف سوريا والتبعات ستطال التسوية السياسية وكل شيء”.
وبالتأكيد فإن أطراف العدوان ليسوا سعداء أن يروا مخططهم فشل في سوريا، ولذلك يريدون أن يعتدوا عليها من خارج مجلس الأمن، وإفشال العملية السياسية ومساعدة الإرهاب الأداة، أي أن واشنطن تحاول إعادة سيناريو الكيميائي من بوابة إدلب هذه المرة لشن عدوان على سوريا، هذه هي ذرائع العدوان والتي يجري الإعداد لها رغم عدم صلاحيتها للتسويق، لأن سوريا منتصرة وليست بحاجة لإستخدام السلاح الكيميائي.
والسؤال هنا، ما الذي تريده واشنطن من عدوان لن يغيّر من طبيعة الصراع واحتمالات فشل العدوان مؤكّدة، والوقائع الميدانية ماثلة وواضحة، وثبت أن العدوان الأميركي على مطار الشعيرات لم يحمِ (داعش)، والعدوان الثلاثي الأميركي – البريطاني – الفرنسي لم يوقف معارك تحرير الغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة، ولم يغيّر الواقع الميداني الذي فرضته سواعد الأبطال في الجيش العربي السوري ومعه القوى التي يمثلها محور المقاومة؟.
لم تحقق الإعتداءات أي مكسب وأصبح السلاح الأميركي محط سخرية، فلا إنجازات ميدانية وعسكرية ولا سياسية وإعلامية، بالعكس من ذلك أخذت الإعتداءات على سوريا منحى تنازلي ومتسارع وذلك بفضل قدرة وجاهزية الدفاعات الجوية السورية، وفي المحصلة إحترقت الأوراق الأميركية واحدة تلو الأخرى، والسؤال هنا، ما الذي يدفع الأميركي لإعادة تدوير أوراقه الفاشلة والمجربة؟.
الجواب على ذلك، هو يريد تبرير أي احتلال للأرض السورية أو عرقلة أي حوار أو حل سياسي، وبالتالي هو يحاول تقسيم المنطقة وفق مقاسه الخيالي، ويحاول إعادة السيطرة على العراق من جديد، لذلك إن استمرار الأميركي بالقيام بأعمال عسكرية غير شرعية واستفزازات وعقوبات، وكلها لن تأتي نفعاً.
ما يحصل يمثّل مقدمة لحصول سوريا على أسلحة جديدة لأنها رأس حربة في مواجهة العدوان الأميركي وأدواته في المنطقة، وبالمقابل التصرفات العدوانية الأميركية ستمثل مقدمة لإنهيار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ولكن لن يحقق لواشنطن ما لم يحققه مئات آلاف الجنود الأميركيين الذين هاجموا العراق وأفغانستان، لهذا يمكن الإستنتاج أن الإعتداءات الأميركية لا مكسب لها سوى تصدير لأزمة الساسة الأميركيين وتصدير الصراع للخارج، وفي النتائج العسكرية وبناء على التجارب السابقة، سيكون العدوان الأميركي على سوريا مقدمة لتحرير إدلب من رجس الإرهاب.
وذرائع العدوان الأميركي جاهزة، وتتمثل في إعادة سيناريو الأسلحة الكيميائية في إدلب، هذه المرة لشن العدوان على سوريا، وهذه الذريعة لا يقبلها عقل أو منطق، سوريا تنتصر في المعارك على الإرهاب وليست بحاجة لإستخدام السلاح الكيميائي، ولكن أي عدوان سيحصل كما قال مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري: “سيكون عدواناً على السلم والأمن الإقليميين والدوليين ودعماً للإرهاب واستهدافاً للجهود التي تبذلها سوريا وحلفاؤها لمحاربته”، أي أن “دول غربية تمعن في عدوانها على سوريا عبر استخدام راياتها السوداء وخوذها البيضاء في التحضير لمسرحيات جديدة حول استخدام الكيميائي لعرقلة العملية السياسية وتبرير هذا العدوان”. وهذا ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية “أن المسلحين في محافظة إدلب حصلوا على شحنة كبيرة من المواد السامة تمّ إيصالها برفقة عناصر من الخوذ البيضاء لتنفيذ فبركة هجوم كيميائي”.
معركة إدلب أصبحت مؤكدة وسواء حصلت اليوم أو غداً، تبقى أهدافها واحدة واحتمالاتها مفتوحة وهي محل رهان الأعداء لنشر الفوضى وإطالة أمد الحرب، لكن يقين أصحاب الأرض والمدافعين عن كرامة الأمة هو النصر لنا والهزيمة للعدو، والمؤشرات واضحة ومفادها حسب تهديدات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون “بأن الولايات المتحدة ستوجه ضربات “ماحقة” في حال استخدام أسلحة كيميائية”، أي أكذوبة للتسويق، والمعسكر الأميركي عاد لنغمته القديمة في تسويق فج لسياسات لا طائل منها، أي أن منطقة الشرق الأوسط مرشحة لمواجهات غير مسبوقة، ومحافظة إدلب على وجه الخصوص.
وبينما تتعاظم الإستعدادات السورية الرسمية، وبدعم روسي لإستعادة إدلب وهزيمة الإرهاب، يسعى الأميركي من ناحيته لإجهاض الهجوم بكل الوسائل والعودة الى مقولات ساقطة، وفي هذا المجال حذّرت وزارة الدفاع الروسية في بيان رسمي من ضربة ثلاثية أميركية بريطانية فرنسية صاروخية الطابع على سوريا، والتغطية على هجوم كبير للفصائل المسلحة، وهناك تأكيدات رسمية من السلطات الروسية تتحدث عن بحث الولايات المتحدة عن ذرائع جديدة باستخدام أسلحة كيميائية أثناء هجوم إدلب المفترض.
وفي دوافع العدوان الأميركي على سوريا، الرئيس دونالد ترامب يعيش أزمة خانقة نتيجة خذلان مساعديه، وأبرزهم مايك كوهين، محاميه السابق الذي قدّم معلومات خطيرة للمحقق الخاص مولر عن تجاوزاته المالية وفضائحه، يمكن أن توفر أدلة دامغة تساعد في الجهود القانونية للإطاحة به، لذلك لن يكون مستغرباً إذا ما قرّر الرئيس الأميركي ترامب افتعال حرب لتحويل الأنظار، وتخفيف الضغوط، ومحاولة دعم موقف الحزب الجمهوري في الإنتخابات النصفية في مجلس الشيوخ والنواب في تشرين الثاني 2018.
وفي دوافع العدوان، أميركا هذه، لا تريد أي نهاية للحرب في سوريا تؤكّد إنتصارها السوري – الروسي – الإيراني، وبدء عملية إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، ولذلك تسعى لعرقلة الهجوم السوري المتوقع لإستعادة مدينة إدلب من براثن الإرهاب، أي تسعى أميركا لإبقاء الوضع الراهن على حاله كورقة ضغط مزدوجة للحصول على تنازلات استراتيجية مثل إخراج القوات الإيرانية من سوريا وإعادة التفاوض حول الإتفاق النووي.
وما بين احتمال عدوان ثلاثي أميركي – بريطاني – فرنسي جديد على غرار ما حدث يوم 14 نيسان الماضي قد يشتعل فتيل حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، وتحذيرات روسية من أي ضربة عسكرية جديدة، واللهجة القوية التي وردت في بيان وزارة الدفاع توحي بأن روسيا ربما لا تقف مكتوفة الأيدي هذه المرة، وهي التي تدعم استعادة إدلب وتشعر بقلق بالغ لهجمات الجماعات المسلحة المتزايدة بطائرات مسيّرة، ضد قاعدتها الجوية في حميميم في اللاذقية، وتشاركها التوجه نفسه الصين، حيث تريد أن تتخلص من الإرهابيين التركمان الأيغور الذين يقاتلون في صفوف “جبهة النصرة”.
تبدو معركة إدلب المفترضة كعلامة فارقة في الحرب السورية، ربما تؤدي نتائجها، بشكل أو آخر، الى إعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط برمتها سياسياً وعسكرياً: من ناحية روسيا لن تفرط بإنجازاتها في الملف السوري، هناك التهديدات المتبادلة بينها وبين أميركا، من المُعلن الى المفاجآت إذا فشلت التهديدات في الوصول الى حل سياسي للأزمة في إدلب، رغم أن ما يجري تطال أبعاده المعادلة الإقليمية، وواشنطن لا تهتم بإدلب إلا من ناحية كونها الذريعة، (إدلب) في شؤون الثلاثية الضامنة (روسيا وإيران بالإضافة الى تركيا)، معطيات الأرض والإتصالات الروسية مع الأتراك غيّرت الكثير.
الأميركي يريد عزل الشمال الشرقي من سوريا من خلال فرض حظر جوّي وبرّي لمنع الجيش السوري من الإقتراب منها، ولقطع الطريق على الإيراني من الوصول إليها، ويريد الأميركي استغلال المنطقة جغرافياً كي لا تكون صلة وصل للنشاط العسكري الإيراني بين العراق وسوريا، فضلاً عن كون الضربة على سوريا فرصة مناسبة لإمتصاص وابتزاز المزيد من أموال الخليج.
ويمكن القول: الصراع مستمر، وسوريا مستمرة في محاربة الإرهاب وداعميه وستردّ على أي عدوان.