صفقة القرن أو العصر، هي في التعريف مؤامرة أميركية تستند الى ضعف عربي وخيانة بعض الأنظمة العربية التي أُجبرت على حرف البوصلة من خلال التطبيع مع العدو الصهيوني، وترسيخ تبعيتها للأميركي، وإقامة تحالف علني مع العدو وإعادة تسميته حليف محتمل في صراع إقليمي مذهبي يأتي لإتمام الهجمة الأميركية – الصهيونية – الرجعية التي استهدفت سوريا ومحور المقاومة في أمتنا.
صفقة القرن في تسويقها، قيل عنها إنها أفكار جديدة في أسلوب وكيفية طرحها، وفي الحقيقة هي قديمة في جوهرها لأنها تهدف في فرض حل للقضية الفلسطينية ينطلق من رحم الإحتلال ومن واقع الإنقسام والضعف العربي، وهي ثمرة إتفاقات أوسلو وتبعيتها الأمنية لسلطة الإحتلال، وهدفها إغلاق ملف القضية الفلسطينية الى الأبد.
والجديد في طرح الأفكار الأميركية، هو اللعب بالمصطلحات بدلاً من اللعب بالكلمات، العنوان شيء بينما المضمون شيء آخر مختلف، وهي أساليب التعمية عن الحقائق “إذ سيتم تسمية إختفاء المظاهر العسكرية للإحتلال بالإنسحاب، وتسمية الحكم الذاتي بالدولة”، وما يأتي في سياق ذلك “المطالبة بإقامة دولة فلسطينية على التراب الوطني وعاصمتها القدس الشرقية”، أي الموافقة الضمنية على التنازل عن مطلب الإنسحاب من كامل الأراضي المحتلة.
طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أفكاره عن القدس وأوضح “أن الإسرائيليين قد بنوا مدينة لهم غربي القدس وأطلقوا عليها القدس الغربية، وأن الفلسطينيين يستطيعون فعل الشيء نفسه من خلال بناء مدينة لهم في “أبوديس” وأن يطلقوا عليها إسم القدس الشرقية”.
إن إعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، يعني إخراجها من نطاق المفاوضات والتوقف عن اعتبارها محتلة، وهذا بالنسبة لإدارة ترامب أمر أساسي لإنجاح صفقة القرن.
نقول، إن الإقرار بذلك والإعتراف به هو أمر مستحيل كون القدس هي لب وجوهر القضية الفلسطينية.
وصفقة القرن تهدف الى إلغاء قضية اللاجئين وحق العودة من خلال التوطين وإلغاء صفة اللجوء وبالتالي إلغاء وكالة الغوث (الأنروا)، باعتبارها تجسيداً للإعتراف الدولي بقضية اللاجئين الفلسطينيين.
والجولات المريبة التي قام بها جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب وتلميذ بنيامين نتنياهو وتابعة المبعوث الأميركي، شملت كل من الأردن ومصر والسعودية وقطر وفلسطين المحتلة، والملاحظ لم يصدر أي بيان أو مؤتمر صحافي ولا صور، وتمّ العمل في الظلام والغرف المغلقة، هذا يدل بأن الطبخة المسمومة أصبحت جاهزة، وإلا كيف يفتح معبر رفح لمدة 30 يوماً؟ وبدأ الحديث عن حل إنساني في قطاع غزة، والحديث عن محطة تحلية للمياه شمال سيناء في رفح المصرية ومحطة توليد كهرباء، ومليارات الدولارات الموعودة، وبأن غزة ستصبح مثل سنغافورة، والسؤال ما المقابل؟.
الملاحظ أن الحديث عن صفقة القرن بدأ مباشرة بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة وبالتنسيق مع بعض الحكام العرب، وخطورة الصفقة في كونها تهدف الى الإعلان بأن ملف القضية الفلسطينية أغلق واعتبارها غير قائمة، والسيناريو المرسوم، أن يتم ذلك بدعم سياسي عربي وتمويل خليجي وتواطؤ البعض المنوط بهم توفير الأرضية المناسبة لتنفيذ بنود الصفقة، وربما يدعي البعض منهم بعدم الموافقة عليها، لكن الممارسات الفعلية تصب في هذا الإتجاه ودليل ذلك لماذا الإستمرار في التنسيق الأمني مع الإحتلال واستمرار حالة الإنقسام وحصار غزة وغيرها؟!.
إن تزايد الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية، يتطلب التخلي عن الصمت وإتخاذ مواقف واضحة وغير قابلة للتأويل، وبالتالي إن الإستمرار في استنباط مصطلحات غامضة والحديث عن السلام المزعوم والتفاوض واللقاءات المشبوهة يعني الإلتفاف على الحقوق الفلسطينية، ويصب في صالح اللعبة الأميركية – الصهيونية والأدوات العربية المتأمركة التي هي الموافقة على الصفقة والممولة الرئيسية لكل خراب ودمار.
وتستمر الإتصالات والجهود الأميركية بشكل مكثف وعلني مع دول عربية، وبسرية مع أطراف فلسطينية لإستكمال إخراج الصفقة، وهناك حالة سباق بين الجهود السياسية لتمرير الصفقة وقرع طبول الحرب من الكيان الصهيوني كجزء من سيناريو حرب قادمة تلوح في الأفق.
إن صفقة القرن هي تسوية فرض الأمر الواقع، وسواء أكانت تسوية لإنهاء الصراع أو تجديد أدواته وشكل إدارته، والرئيس ترامب وفريق إدارته وظفوا متغيرات ووقائع تراكمت خلال سنين ليبنوا عليها مشروع التسوية الجديدة الذي باشرت إدارة ترامب تطبيقه قبل الإعلان عنه، وذلك من خلال إجراءات وقرارات الرئيس ترامب حول القدس واللاجئين وتعطيل الجهود الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
والمرتكزات التي يعتمد عليها مشروع صفقة القرن، هي وصول مشروع التسوية السياسية (إتفاقية أوسلو) الى طريق مسدود، والأمر الواقع الذي فرضه الإحتلال الصهيوني بمبادرة أميركية في الضفة الغربية والقدس من استيطان وتغيير ديمغرافي، وفيما يخص قضية اللاجئين من خلال محاولة إنهاء خدمات الأونروا، وفشل المراهنة على الأمم المتحدة وتجاهل قرارات الشرعية الدولية حول القضية الفلسطينية، وما أنتجته الحرب الكونية ضد سوريا ومحور المقاومة، وبوادر استعداد من بعض العرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وما نتج من معادلات وتحالفات جديدة في المنطقة التي غيّرت من طبيعة الصراع في الشرق الأوسط.
ولأن مشروع التسوية أمر واقع، فإن علاقة قوية تربطه بالإنقسام الفلسطيني ومَن يقف خلفه، أن أي رفض لمشروع الصفقة دون استراتيجية فلسطينية موحدة قد يؤدي الى قبول ضمني، لذلك لا بدّ من قطع رأس الصفقة الذي يدبّر تصفية القضية الفلسطينية.
لذلك يتوجب وقف التعاون الأمني مع أجهزة الإحتلال الصهيوني، فلا يعقل الحديث عن مواجهة صفقة القرن في الوقت الذي تواصل فيه السلطة الفلسطينية تعاونها الأمني، هذا يعني أن الجيش الصهيوني المحتل ينام على وسائد التعاون الأمني، وأيضاً يجب رفع العقوبات عن أهلنا في قطاع غزة، والإيمان بقدرات الشعب الفلسطيني في مواجهة غطرسة المحتلين، وأن مواصلة العقوبات على أهلنا في غزة هو جزء من صفقة القرن، والعقوبات هي العمود الفقري للوضع الإنساني الذي يتسلل منه الأميركي الى قطاع غزة.
وبالتأكيد إن السلاح الأمضى هو الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تقوم على الشراكة السياسية ضمن فريق واحد ونبذ الإتفاقيات مع العدو الصهيوني وعدم الرهان على الأميركي وعدم التفرد بالقرار من أي تنظيم.
فالقرار السياسي الفلسطيني هو ملك للشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات وهو الذي يستحق أن يقرر إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أساس مقاوم وهو أقصر الطرق للوصول الى الحقوق ونبذ كل المشاريع المشبوهة.
والحديث عن صفقة القرن وفق الرؤية الأميركية ورشاوي كوشنير ومبدأ المال وتحسين الإقتصاد مقابل السلام المزعوم، هو استسلام كامل الأوصاف، والرهان الأميركي على عرب الصفقة هو مجرد إعادة تدوير لأدواته لإبتزازهم، وعلينا أن نعي الحقائق الماثلة وتفيد بأن المشروع الأميركي هُزم في سوريا والمنطقة، وتداعيات النصر واضحة، وبالمقابل يزداد محور المقاومة قوة في الميدان، ودون كنس الإحتلال لن يتوقف الصراع وستفشل كل الصفقات.