لم تكشف الإنتخابات النيابية في لبنان عن فهم عميق لمفهوم التداول السلمي للسلطة، ولمعنى الديمقراطية الحقيقي، ألا وهو الرد على هموم الناخبين وتطلعاتهم المستقبلية وصيانة الحريات العامة وحقوق المواطنين وسيادة القانون، بل بقيت خاضعة لأمزجة رجعية وأنماط علاقات على قاعدة الزبائنية السياسية، في ظل خطاب طائفي ومذهبي مقيت.
لقد هرع الناخبون بآلافهم في انتخابات 6 أيار 2018 وصوتوا في غالبيتهم على أسس طائفية ومذهبية، ولم يفكر سوى القليل بالمصالح الإقتصادية أو محاربة الفساد، فجاء المجلس النيابي الحالي بمجموعة نواب إدّعوا أنهم يمثلون الشعب، لكنهم هم غرباء عنه، فلا أسماء البعض منهم مألوفة ولم يرَ الناس حتى صورهم إذ إختبأ كثيرون منهم خلف صور زعمائهم ومرجعياتهم.
لقد صوّت بعض الناخبين لمن ظنوا أنهم يمثلون طوائفهم، بينما صوّت البعض الآخر لمرشحين اختارهم هذا الزعيم أو ذاك.
أدرك الناخبون بعد فوات الآوان أن نواب الطائفية والمذهبية ليسوا نواباً حقيقيين، إنما هم محتالون وانتهازيون، همّهم الأول هو الكسب المادي وملء المناصب بالأتباع والأزلام والأقارب وسرقة المال العام بإسم الطائفة والديمقراطية.
وبعد أن أصبحت الإنتخابات إجراءً روتينياً يعيد تدوير الأشخاص أنفسهم، يصبح السؤال مشروعاً عن ما سيقدمه هؤلاء النواب خدمة للفقراء والمحتاجين الذين انتخبوهم؟
وماذا عن خطة “العهد” لمكافحة الفساد في الإدارات العامة التي باتت مكتظة بالجهلة والمتملقين؟
وهل سيكون معيار الخبرة والمؤهلات هو الأساس في تعيين المديرين والمستشارين والضباط والسفراء والقناصل والوزراء؟
في الإنتخابات الأخيرة احتدم التنافس في بعض الدوائر بين الوجوه القديمة الفاسدة نفسها، ولكن تحت مسميات جديدة، فلم يخرج الناخب للتصويت لأنه لم يعد يثق بأصل العملية السياسية حتى انتهى الأمر الى مزيد من التشرذم والأحجام عن التصويت.
كان لبنانيون كثر يأملون في أن بقية شرف أو حكمة سوف تدفع العاملين في السياسة الى الإدراك بأن التمادي في الفساد وسرقة المال العام قد يؤدي الى غرق المركب، فهل ينجح العهد بعد هذه الإنتخابات بأن يعيد ثقة المواطن بدولته، وأشد بأساً وثقة في النفس، أم أننا مقبلون على دولة قابلة للإنزلاق سريعاً نحو مصير الدول الفاشلة في المنطقة وهي كثيرة؟.