يكاد المرء هذه الأيام ان يسمع صوت الغليان في المشهد السياسي اللبناني. ومن المتفق عليه ان كثرة الطباخين تحرق الطبخة. وفي لبنان الآن العديد من الطباخين، وكل طرف يغني على ليلاه في هذه الدولة الصغيرة الفقيرة بمواردها.
هل هو اصلاح سياسي أقل مما يرغب به الشعب؟ أم فساد مالي واداري اكثر مما يمكن ان يقبل به الشعب؟ أم كلاهما معاً؟ ام ماذا؟
ما نحن بصدده اليوم، يعيده احد الخبراء الاقتصاديين الى مجموعة من السياسات والقرارات المعلنة وغير المعلنة التي تتبناها الطبقة الحاكمة بمؤسساتها وازلامها واعوانها، والمستفيدين منها بهدف وضع حد للحراك الشعبي وحركة الاصلاح في لبنان، وفي وضع حد لمسيرات واعتصامات واحتجاجات اصبحت برأي هذه الطبقة مدخلاً للفوضى والانهيار الاقتصادي والتوتر الاجتماعي.
كلام ليس عجيب خاصة وان الشعب هو الذي يتحمل مسؤولية ما سيحدث في الايام المقبلة بتجديده عبر الانتخابات النيابية لهذه الطبقة السياسية وبالتالي هزيمة نفسه طوعاً، وتجنب هذه الطبقة العفنة مخاطر محاولة هزيمة الشعب بالعنف والقهر.
يدور النظام اللبناني الآن في حلقات من شأنها ان تعيد خلط الامور بطريقة يفقد فيها المواطن القدرة على استيعاب ما يجري واستشراف ما سيجري بشكل سليم. فالطبقة الحاكمة الآن تلعب لعبة خلط الأوراق بين الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد من جهة، ولقمة العيش وغلاء المعيشة من جهة اخرى. الهدف من هذا الخلط واضح، فهؤلاء يريدون ان يفرضوا على المواطن الاختيار بين مكافحة الفساد أو لقمة العيش والسيطرة على ارتفاع الاسعار.
لقد كان الوزير وئام وهاب السباق في فتح المعركة ضد الفساد المالي والاداري وسرقة مال الشعب والتلاعب بأصوله وبيعها، محذراً من المخطط الذي يتمثل في الهاء الناس من قضايا الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد بالسعي اليومي من اجل لقمة العيش وبشكل يجعل من السيطرة على الغلاء وارتفاع الاسعار اولوية تفوق في اهميتها مطلب مكافحة الفساد.
من الصحيح القول ان الحراك الشعبي في لبنان لم يصل الى مستوى الثورة على النظام، وانه بالتالي كان اضعف مما جرى في دول عربية اخرى. ولكن هذا لا يعني وجود اي ضعف او شطط في مطلب مكافحة الفساد، او ان تلك المطالب لا تعبر بالضرورة عن رأي غالبية الشعب.
ان مستوى خطاب الوزير وهاب ضد الفساد وقوته هما محصلة عوامل عدة يعود جزء منها الى بنية المجتمع الدرزي وخصوصيته، فيما يعود الجزء الآخر الى الهجمة الوحشية لسياسات الحكومة منذ اتفاق الطائف 1989 مما خلق فساداً قاتلاً لا يمكن مكافحته من خلال قرارات فوقية وبواسطة وزارة سياسية.
تناقل الاوساط السياسية مؤخراً معلومات تشير الى رغبة عند حزب الله بإسناد حقيبة وزارة مكافحة الفساد الى النائب حسن فضل الله بعد اعلان سماحة السيد حسن نصر الله في احد اطلالته الاعلامية حربه على الفساد وهو مؤشر على ضرورة توفير الامكانات المادية والبشرية اللازمة لوضع النظام ومؤسساته تحت ضغط سياسي ضخم ومتواصل، انسجاماً مع مطالب التغيير الدائرة من حوله. ولتعكس الرغبة في الاصلاح الحقيقي عوضاً عن سياسة المهادنة والاسترضاء.
ومن هنا يجب ان ننطلق بحثاً عن الحقيقة في محاولة جادة لفهم ابعاد سياسة حزب الله في الملف الداخلي، وهل ان الحكومة المقبلة سوف تسير ضمن اجندة اخذت معالمها تنضج تدريجياً وشيئاً فشيئأ. فشعار حماية الطوائف وعدم المس برموزها ووزرائها ونوابها وموظفيها كان يطرح دائماً وسيلة للتصدي لمطالب المساءلة والمحاسبة بإيحاء كاذب ان المحاسبة ستؤدي الى عدم الاستقرار. وهكذا كان يتم تفسير الاستقرار بالمحافظة على الامر الواقع بكل ظلمه ومآسيه.
يبقى ان محاربة الفساد هي مطلب سياسي واجتماعي في آن معاً، كما ان محاولة الطبقة الحاكمة الادعاء بمحاربة الفساد من خلال فتح ملفات ثانوية من اجل طمس ملفات اساسية وكبرى في الفساد هي امر مخجل.
اما التصدي للفساد بشكل انتقائي فهذا هو الفساد بعينه، ولا عزاء للبنانيين الشرفاء.
**