تكتسب حياتنا قيمتها من انجازنا. وأحد عناوين الانجاز اصدقائنا ورفاقنا. كبارا بنفوسهم قبل الثروة والجاه والمناصب بعدها رجال التغيير الذين يرحلون عن عالمنا كما عاشوا فيه بعزة وكرامة تحزن عليهم حزنين: حزن لفقدانهم ورحيلهم عن دنيانا. وحزن آخر لأننا ندرك كم بحاجة ماسة لقدوات من أمثالهم. كانت حياتهم تطبيقاً عملياً وفعلياً لشعارات مثالية عن التضحية والوفاء والالتزام وغيرها من المبادىء التوحيدية التي ارساها الوزير وئام وهاب وبدأت تعطي ثمارها.
لم استطع إلا أن اسأل نفسي بينما كان أمين التعبئة غازي عبد الخالق يرقد الى مثواه الأخير في مجدلبعنا، لماذا لم نحرر فلسطين بعد؟ غازي ابن مجدلبعنا الذي كتب مسيرته النضالية بكلمات موجوعة على حلم تحرير فلسطين، رحل عنا وفي قلبه غصّة على حكومات عربية عاجزة مشلولة وشعوب خامدة مهزومة حتى بات العربان مهزلة المهازل وأضحوكة الأمم.
هل تذكرون؟ وهل من يستطيع أن ينسى الدماء الزاكية والتي سالت على محراب مسيرة الحزب ومن بينهم الشهيد حمزة صبح الذي سقط شهيداً في مواجهة نار “داعش” وجبهة “النصرة” التي هبّت.
هبّت النار والبارودة غنت في جبل الشيخ وصحنايا وجرمانا والسويداء وجبل السماق. هبت النار كرامة كرامة يوم استباح فيها الدم العربي من سوريا الى اليمن الى العراق فمصر ولبنان. في ايام كهذه يصبح شهداء” المقاومة التوحيدية العربية” موسما للعزة كما هم دماً ووردةً من لهب.
سيبقى دم الشهداء من ناجي ابو شقرا وأدهم فرج ونور الصفدي وحسان بركة وسامي ابو عقل واسعد ابو مرة وحسن بدر الدين وكل اولئك الذين عطروا ترابنا بدمائهم الطاهرة بينما لا تزال طفولتهم تصنع غدهم.
هكذا عرفت رئيس هيئة العمل التوحيدي الشيخ فوزي الكوكاش الذي اعطى الكثير الكثير من دون كلل ومن دون التفتيش عن المقابل، قبل أن يغادرنا على غفلة من الزمن ويأخذ استراحة طويلة فيما يبقى صوته مدوياً وذكره نافحاً بالخير والعرفان.يتجاوز حواجز الزمن الى افاق الخلود وشكل القدوة وتعطير الذاكرة والهام الاجيال.
ففي خضم ما سمي ب ” الربيع العربي” الذي اجتاح عدد من البلدان العربية تحت راية ” داعش” و جبهة ” النصرة” وعقائدهم الخرافية، كان الشيخ الكوكاش يحرص على أن يخبرنا دائما عن أهمية التسامح الديني في حالة الحشد الطائفي والمذهبي ومقدمات الحروب العبثية التي كانت تنتظم جبهاتها في اليمن وسوريا والعراق ومصر وليبيا.
اما انت يا شيخ جهاد عبد الباقي فإنه يصعب الحديث عنك بصيغة الماضي، لأن حضورك الدائم باق وخلال الاستحقاقات الكبرى كنت الشريك في الحضور. ابهرتنا بتواضعك، سلوكاً وصوتاً خفيفاً وابتسامة تلمع بداية في عينيك قبل أن تضيء وجهك.
يشع القلم الأخضر في غياب هؤلاء جميعا كنجوم لا تنطفيء، فهم راسخين كأحباء ورفاق واخوة اعطوا الكثيرين اكثر مما اخذوا منهم وعنهم.
هؤلاء رحلوا عنا ولكن فقط بأجسادهم. وان كان لم يسعدهم الزمان أن يكونوا معنا لنتشارك وإياهم في الذكرى السنوية الثانية عشر لتأسيس حزب التوحيد العربي في 26 ايار، وهي مناسبة ستكون هذه السنة مختلفة مطعّمة بنكهة النصرفي الانتخابات البرلمانية، وذلك من خلال “الافطار التكريمي” الذي سيقام في الجاهلية تكريما لأعضاء الماكينة الانتخابية بدعوة من حزب التوحيد العربي والمؤسسة التوحيدية للخدمات الاجتماعية.
فالانتخابات النيابية 2018 التي جرت للمرة الاولى باعتماد صيغة معدلّة للنظام النسبي من خلال ما يسمّى الصوت التفضيلي والتقسيم الطائفي للمقاعد النيابية، جاءت نتائجها بعكس ما أراد عرّابو القانون الانتخابي الجديد لاسيما في دائرة الشوف – عاليه، بعدما أظهرت عمليات فرز الانتخابات النيابية، فوزا ساحقا لرئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الذي تفوّق على خصمه في الانتخابات ونيله 7340 أصواتا تفضيلية شكلت انتصارا كبيرا وضمانة لخيار التغيير الذي يحمي التنوع والتعددية وترسم صورة عن التوازنات السياسية المقبلة في الجبل.
لقد خاض حزب التوحيد العربي الانتخابات النيابية كجزء من حالة الاعتراض على امتداد الجبل من موقع المعارضة المستقلة، متمسكين بالنسبية كخيار ديمقرطي ، فكان برنامجنا الانتخابي معبّراً عن مصالح ومطالب أهلنا وناسنا من اجل التغيير وإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانطلاقا من قناعاتنا انه كما توحدت كل قوى السلطة والفساد ضدنا، كان علينا ان نتوحد مع كل الذين يشبهوننا من اجل مواجهة هذه الطبقة الحاكمة.
لن نقول لغازي وحمزة وناجي وأدهم ونور وحسان وسامي وأسعد وحسن والشيخ فوزي والسيخ جهاد والى كل الشهداء الأبرار وداعاً، فنحن أمام صنف من الرجال الذين يخلّفون عن حق جرحا في القلب. ولكن هذا الشعور المثقل بالحزن الكبير سوف نحرص على تحويله، الى طاقة تحفزنا على اكمال المسيرة، وسيكونوا حاضرين معنا في كل استحقاقاتنا الكبيرة.
العهد والوعد باستمرار، واللقاء معكم يتجدد باستمرار وألف تحية لأرواحهم الطاهرة.
**