إستطاعت سوريا من خلال شعبها الأبي وقيادتها الحكيمة والشجاعة وجيشها الباسل، أن تدخل التاريخ من أبوابه الواسعة وضربت أرقاماً قياسية في مستوى الأداء والقدرة والإرادة، وهي تواجه أعتى القوى العالمية المتغطرسة، أميركا بكل ما تعنيه من جبروت القوة وصورة الرأسمالية العالمية المتوحشة التي فقدت كل القيم الإنسانية، وشعارات الحرية والعدالة بالنسبة إليها أصبحت مجرد كذبة كبرى لتسويق هيمنتها على العالم ونهب موارد الشعوب وإخضاع الدول وفرض الإملاءات عليها وابتزازها بمقدراتها المادية، لذلك عملت على خلق الكيان الصهيوني في المنطقة كرأس حربة لها في المنطقة وسخّرت لها ما يمكن جمعه من أدوات رجعية وأذرع إرهابية، وعممت الجهل والتخلف من خلال تحالفها مع القوى الرجعية في المنطقة، وبذلك تحولت الى صانعة للإرهاب في العالم بأسره.
سوريا، وبعد أكثر من سبع سنوات من الصمود والمقاومة، بدأت تحصد الإنتصارات من خلال تحالفات راسخة عمدتها التجارب ووحدة المصير، وينهزم الإرهاب شر هزيمة وينتقل الصراع الى مرحلة جديدة، وستسقط كل الأوراق المتأمركة، وجاء الأميركي بقواته وغطرسته كي يحافظ على عمليات نهبه، وكثيرة هي المؤشرات والمفردات التي تصف واقع الحال في المنطقة.
بدأ الأميركي بالإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران بعد فشله من تعديله لمنع إيران من تطوير قدراتها الصاروخية، ويعيش الأميركي والكيان الصهيوني حالة من القلق وهو يرى التوازنات والمعادلة تتغيّر في العالم والمنطقة بغير ما يريده، ويحاول عبثاً البقاء في المنطقة، وما أنتجته الوقائع الجديدة في محصلتها تمثل صفعة كبيرة له ولمشغليه وللقوى الرجعية.
كثيرة هي الإستحقاقات اليوم ويمثلها المشروع ذاته، صفقة القرن التي عوّل عليها الرئيس الأميركي ترامب وأدخلها عملياً على جدول مشغليه، هدفها تصفية القضية الفلسطينية ونقل السفارة الأميركية الى القدس، ولتحقيق هذه الأهداف كان حضوره المباشر الى المنطقة بكل جبروت القوة، لكن حساباته أصبحت فاشلة بدرجة إمتياز، وأمامه صورة محور المقاومة وهو يزداد قوة من ناحية الكم والنوع والمناعة المكتسبة، وهو يرى أيضاً دول الإتحاد الأوروبي وهي تعلن تمسكها بالإتفاق النووي مع إيران، وبنفس الوقت بتعاظم دور روسيا الإتحادية المتحالفة مع محور المقاومة وقد أصبحت اللاعب القوي والأساس في المعادلة الأمنية والتوازنات الدولية، وإيران القوة الصاعدة إقليمياً والمتمسكة بقضايا أمتها وهي تعلن ردًّا على ترامب “لا أحد يستطيع تهديدنا عسكرياً وسنطوّر قدراتنا الصاروخية”.
وفي الوقائع، المتغيرات أرست معادلات جديدة، وسوريا أصبحت أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات الكبرى وهي تواجه العدوان الأميركي والصهيوني منذ سبع سنوات وكل الأدوات الرجعية التي قدّمت السلاح والمال والعلاج للإرهابيين، وسوريا اليوم تنتقل من الدفاع الى الهجوم وقرارها استراتيجي وهي ترد على العدوان الصهيوني وهذا مؤشر هام يعبر عن إرادة الجماهير العربية وكل ملايين أبناء أمتنا، وعملت على كي الوعي الصهيوني من خلال ردع العدوان، وبالتحديد في اليوم ذاته الذي نقض فيه الأميركي الإتفاق النووي مع إيران، تمّ ضرب الكيان في عمقه وهي رسالة بالغة تعني إسناد لفلسطين والمقاومة، وأهمية ما حصل كبيرة بالنسبة لفصائل المقاومة الفلسطينية وسينعكس إيجاباً.
والمعركة في مواجهة عدو الأمة أصبحت مفتوحة ولم يعد بمقدور الكيان الصهيوني أن يفعل ما يشاء، هناك اليوم مرحلة جديدة وتغيّرت قواعد الإشتباك، سوريا ومعها محور المقاومة تملك الحق والقوة والإرادة وتقاتل في سبيل قضايا عادلة وهي تدافع عن عمق الأمن القومي العربي، وتأخذ موقعها الطبيعي في الصراع ضد العدو الصهيوني والمعركة ضد الإرهاب المدعوم من أميركا والدولة التابعة لها.
يجب العودة الى الدروس المستفادة ومقابلة الوفاء بالوفاء، والحق أن نعي الحقيقة كما هي، سوريا قدمت الكثير الى أمتها، وهي عندما تضرب العدو في عمقه الأمني، هذا أمر ضروري لشل حركة العدو الميدانية، وتصبح المعادلة أكثر قوة ومصانة بالوعد الصادق ونتائج الإنتخابات البرلمانية في لبنان أعطت المقاومة البعض من حقها، وأصبحت القوة الضرورية للبنان مصانة دستورياً، وهذا لم يتوقعه أعداء الأمة، وفشلت رسائل التخويف التي أرادها الصهاينة كي يمر يوم إنتقال السفارة الأميركية الى القدس وفي ذكرى يوم النكبة، وهنا تصبح التحديات والإلتزامات أكبر وغير قابلة للتأجيل.
ومنذ منتصف شهر شباط 2018، بدأت قواعد اللعبة تتغيّر، يوم استطاعت الدفاعات الجوية السورية أن تدمر رأس الدفاع الجوي الإسرائيلي، وعندها السماء لم تعد مسرحاً مطمئناً للعدو، وبعدها جملة من الأحداث والتطورات التي تؤكد ذلك، وصولاً الى معادلة عسكرية ميدانية واضحة وقرار سياسي شجاع في توقيته وانتقاله الى مرحلة جديدة.
لذلك كانت خسارة العدو الصهيوني كبيرة إذ خسر المعركة مع الصواريخ السورية، ومذكراً بأمجاد حرب تشرين 1973 وانتصار المقاومة في لبنان عام 2006.
أمام إنتصارات سوريا ومحور المقاومة، حاول الأميركي وحليفه الصهيوني، خرق البوصلة بإتجاه آخر عبر استهداف إيران، وكانت الضربة الإسرائيلية مسبقة التخطيط وأعد لها بحجم كبير ولم تكن وليدة ساعتها، وقد تمّ توقيتها بحيث تأتي مباشرة بعد إعلان ترامب الإنسحاب من الإتفاق النووي.
بالإضافة الى حملة إعلامية واسعة وفتح الملاجئ في الجليل والجولان وإعلان الإستنفار، وكانت الذرائع تتمثل في رصد تحركات إيرانية في سوريا عبارة عن استعدادات لقصف مواقع إسرائيلية أي تمثيلية إسرائيلية تتماشى مع بدء ترامب بإلقاء خطابه بخصوص الإتفاق النووي الإيراني.
في الوقائع، مساء يوم 8 أيار 2018، هاجمت “إسرائيل” موقعاً عسكرياً قرب الكسوة جنوب دمشق، وفي اليوم التالي قامت دبابة ميركافا صهيونية باستهداف نقطة عسكرية سورية بعدة قذائف والمكان في جبهة الجولان قرب القنيطرة.
وجاء الرد السوري قوياً، ولم يتأخر سلاح الصواريخ السوري بالرد الذي أصاب الأعداء وأعوانهم بالذهول، ولم يستطيعوا استيعاب ما حدث، أدّت الضربة الصاروخية السورية لشلل تام في الإتصالات اللاسلكية والإلكترونية في كامل الجولان السوري المحتل، وثبت فشل فاعلية القبة الحديدية للجيش الصهيوني.
وكان القصف السوري لمواقع العدو أشد وقعاً، وصورة المستوطنين الصهاينة داخل الملاجئ وهم يختنقون، تقابلها صورة السوريين على الشرفات أبلغ تعبير وهم يرصدون الدفاعات السورية وهي تتصدى للصواريخ الإسرائيلية.
وكما أعلن، الرد الإيراني لم يأتِ بعد ولا علاقة له بما يجري على الجبهة السورية، العدو الإسرائيلي أعلن أن استهداف مستشارين إيرانيين، وإيران لم ترد، والعدو أراد أن يقول وعن رغبة بأن الحساب المفتوح انتهى وبعد أن حاول جر العالم الى التوتر ووضع الملف النووي الإيراني ضمن المفاوضات على أنه ملف ساخن والتحضير لعدوان لاحق، والاستفزازات الإسرائيلية المتكررة هدفها إثارة ملف الوجود الإيراني في سوريا، كوجود عسكري والهدف شيطنة إيران من خلال الحديث عن الخطر الإيراني المزعوم.
تغير واقع الحال، العدو الإسرائيلي أصبح مطالب بالتهدئة ويتصل بموسكو وبالأمس كانوا يتحدثون بالتصعيد، وتحميل إيران مسؤولية الهجوم من خلال تسويق سيناريو دراماتيكي “بأن إيران هاجمت “إسرائيل” والأخيرة بحاجة للأميركيين للتدخل”.
وفي التساؤلات الكثيرة، تتحدث عن مدى استعداد محور المقاومة فيما إذا تطورت الأمور وتدحرجت بإتجاه الحرب؟ وبالتأكيد كل الإحتمالات كانت واردة في الحسبان، الرد السوري كان نتاج الجهوزية الكاملة، ورسائل الرد تطال الكثير، وفي مضمونها الأهداف التي تمّ استهدافها جميعها عسكرية، وهي رسالة ردع قوية للعدو من مغبة استهداف المدنيين السوريين.
من هنا، نؤكد ما جرى تطور استراتيجي مهم ترتبت عليه أمور كثيرة، لذلك سارع العدو الإسرائيلي للإتصال بقوات الأمم المتحدة بأكثر من عاصمة دولية للتهدئة وعدم توسع الأمور.
لقد كانت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت المواقع السورية عبارة عن محاولة عقيمة لدعم الإرهاب، وبحسب بيان الخارجية السورية: “إن دخول الكيان الصهيوني وداعميه في المواجهة بشكل كبير ومباشر بعد أن كان متخفياً وراء أدواته الإرهابية يؤشر لمرحلة جديدة من العدوان على سوريا، وبدأت مع الأصلاء بعد هزيمة الوكلاء”، أما بيان قيادة الجيش العربي السوري فقالت في بيانها: “بكفاءة نوعية وجهوزية عالية تمكّنت منظومات دفاعنا الجوي من التصدي وتدمير قسم كبير من موجات الصواريخ الإسرائيلية المتتالية التي كانت تستهدف عدداً من مواقعنا العسكرية على أكثر من إتجاه”.
وأوضح البيان: “إن مثل هذه الإعتداءات السافرة لن تؤدي إلا الى تحقيق مزيداً من الإنجازات في مكافحة الإرهاب على كامل الأراضي السورية ومزيداً من الإصرار على استمرار قواتنا المسلحة بالقيام بواجبها المقدس في الدفاع عن الوطن وأمن مواطنيه على الوجه الأكمل والقضاء على الإرهاب بمختلف مسمياته وأشكاله وأذرعه في الجمهورية العربية السورية”.
والخلاصة: إن فرص المخططات الأميركية لتقسيم سوريا لن تمر وأصبحت معدومة، وهدفها المرجح الإستمرار في سفك المزيد من الدماء وحتى تلك المشاركة معها في المشروع ذاته، وأي حرب أميركية جديدة سيكون هدفها سحب المليارات من دول الخليج لتغطية نفقات القوات الأميركية، أي سيكون أولئك قد سقطوا بالمصيدة الأميركية الدموية وخضعوا لإملاءات ترامب وسياساته الإبتزازية من خلال إرسالهم للقتال ضد سوريا وتحت الراية الأميركية وفي هذا تنفيذاً لمصالح الكيان الصهيوني، وأيضاً أي حرب قادمة ضد إيران ستكون إسرائيلية بامتياز ولتأمين الإغتصاب الإسرائيلي للأرض العربية، ومثل هذه الحرب لن يخرج منها الكيان الصهيوني إلا خاسراً، وهو الذي خسر جميع حروبه مع محور المقاومة.