أبرز ما جاء في نص قرار مجلس الأمن رقم 2401، بشأن الهدنة في سوريا، “أنه أعتمد بالإجماع، وطالب بوقف الأعمال العسكرية في سوريا لمدة 30 يوماً، وأكد من جديد إلتزامه القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، والإعراب عن قلقه الشديد إزاء استمرار حدة الحالة الإنسانية، وغضبه إزاء تصاعد مستويات العنف.
وأكّد أن وقف الأعمال العدائية لا ينطبق على العمليلت العسكرية ضد “داعش” وجبهة النصرة وجميع الجماعات الأخرى والمشاريع والكيانات المرتبطة بالقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما حدّدها مجلس الأمن وطالب أن تسهل جميع الأطراف المرور الآمن، دون إعاقة للعاملين في المجال الطبي والمساعدات الإنسانية”.
ردّت سوريا وعلى لسان مندوبها في الأمم المتحدة السيد بشار الجعفري، “بأن سوريا ستفهم القرار بأنه سيوفر لها فرصة تحييد المسلحين عن جبهة النصرة و”داعش” على كامل الأراضي السورية بحيث تتمكن من متابعة معركتها ضد هذين التنظيمين الإرهابيين، كما أنه يوفر فرصة إغاثة المدنيين وإيصال المساعدات لهم وفتح الممرات الآمنة لخروج مَن يرغب منهم وهذا ما تريده”.
وقال الجعفري: “الإرهابيون سيظنون أن القرار سيوفر لهم فرصة إلتقاط الأنفاس وإعادة التنظيم والتسلح والتعزيز بقوات إضافية تعمل أميركا على نقلها من إدلب عبر التنف إلى الغوطة الشرقية لتكون رأس جسر يتبعه إقامة قاعدة عسكرية تحلم بها أميركا، وهذا ما لن تسمح به سوريا مهما كلّف الأمر”.
كل الدلائل والمؤشرات تفيد بأن قرار استعادة كل الغوطة الشرقية لا تراجع عنه من قبل الدولة السورية وحلفائها وأيضاً جميع الأراضي السورية المحتلة سواء أكانت احتلال أميركي أو تركي أو إسرائيلي، كما قال السيد بشار الجعفري في مجلس الأمن “بلادي لها الحق بالدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من الميثاق”.
وفي الحسابات الدولية والإقليمية، لن يتراجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الإنتصار الذي يتحقق في هزيمة الإرهاب وفرض موازين دولية جديدة، ويريد الوصول الى الإنتخابات من موضع القوة في سوريا، والأميركي يتمسك بدوره في حماية “إسرائيل” وعدم التخلي عن الثروات النفطية وهو سيعمل على إستعادة تركيا بوكالة جديدة في المنطقة.
من جهته، رأى مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة ماتشاوشيو خلال جلسة مجلس الأمن الدولي: “أن القرار 2401 يخدم الحل السياسي باعتباره الطريق الوحيد لتسوية الأزمة في سوريا، ويجب مواصلة محاربة الإرهاب”، وهذا يشير الى أن القرار هو ممر إجباري للتفاوض بين الأميركي والروسي.
وفي وصف اللحظة الراهنة، يمكن القول، إن مؤشرات الإنتصار الإستراتيجي، تبدو واضحة حيث تعمل سوريا على إنهاء التواجد الإرهابي في الغوطة ويرتفع العلم السوري في عفرين، وأدلب على موعد مع أبطال الوطن وستعود حتماً بالرغم من محاولات الغزاة وأدواتهم التظاهر بالصمود في مواجهة الجيش العربي السوري، لذلك كانت الخطة الأميركية البديلة إعادة إظهار وجلب “داعش” إليها، لأن مشروع التقسيم الأميركي بدأ يعاني من التفكك وفشل المخطط شرق الفرات، لزرع الفرقة والحقد بين مكونات الشعب السوري ومحاولة نقل التفرقة الى الحسكة والقامشلي والرقة.
القرار السوري جاء شجاعاً وحكيماً ومنسجماً، وبرؤية واضحة وبعيدة المدى ومع مطالب الشعب السوري بحماية عفرين وكامل الشمال السوري، وظهرت الوحدة في عفرين بأبهى صورة وشكلت مشهد الإنتصار السوري.
وفي غوطة دمشق الشرقية، توجهت أرتال الجيش العربي السوري، بهدف الحسم ولوضع حد لإرهاب جميع مسميات جبهة النصرة الإرهابية، تلك العصابات التي حاولت تدمير الحياة والأملاك العامة وعلى مرأى ومسمع من دول العالم ومجلس الأمن الدولي، وحاولت أن تتخذ من أجساد الأهالي دروعاً بشرية لحماية مشاريع الدول المشغلة لهم مقابل المال والبدع التكفيرية، وأن محاولة الدول الداعمة والمشغلة للإرهابيين في الغوطة، اللجوء نحو التصعيد من بوابة كثافة القذائف التي تسقط على شوارع دمشق وسكانها، كان الهدف منه وقف تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه نحو تحرير إدلب، لكنه لن يغير واقع الحال وإصرار الدولة على الحسم، وما حصل في عفرين يُعد نصراً استراتيجياً سيشكل نواة هزيمة المشروع التقسيمي الأميركي شرق الفرات.
وبينما يتمسك الحليف الروسي بالتكامل مع مجريات المسارين السياسي والميداني، كما حصل في محادثات “آستانا” التي أفشلت الخطط الأميركية التي حاولت التقليل من شأنها وعرقلتها، كما حاولت قبل إنعقاد “مؤتمر سوتشي” تعطيل مساره بمبادرة “الدول الخمس” التي وضعت تصوراً لمسار الإشراف الأممي على محادثات “التسوية السورية” وذهبت في حشد حلفائها ضد روسيا، ومن خلفها دمشق وطهران وجميع التسويات التي أفرزتها سنوات الحرب.
ورفضت واشنطن الدخول في تسويات كاملة مع “الشريك” الروسي، في عهد “إنكفاء” إدارة باراك أوباما، تسعى اليوم إلى إعادة التفاوض حول موقعها من ملف “التسوية” في سوريا، بعدما إنطلقت في مرحلة جديدة حاملة مفاتيح شرق الفرات، بنفطه وثرواته، من دون أن تستبعد خيارات غير السياسية في مسعاها.
بذلك بدأ الإفتراق بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، على الطاولة السورية، عبّر عنه نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان بالقول من بروكسل “إنه مع تقدم الحملة ضد تنظيم “داعش” أصبح العمل مع الروسي “بشأن سوريا” أكثر صعوبة لنا”، وقال خلال زيارته العراق”لن نكرر خطأ الإنسحاب المبكر من العراق”.
واستمر الجانبان الأميركي والتركي في مناورة استغلال محاربة الإرهاب، عندما شن الأخير عملية “غصن الزيتون” على منطقة عفرين حيث كان الوضع هناك شبه منطقة إدارة ذاتية، وكان التوجه العام للأكراد يومها هو الإندماج في المشروع الكردي في الشرق السوري حسب المخطط الأميركي، عندها استغلّت تركيا الناحية الإقليمية والدولية وخلقت أعذاراً غير مبررة لدخول عفرين مستغلة الظروف ومستعيرة من قائدتها مناورة استغلال محاربة الإرهاب “بعد خلقه ورعايته” للإعتداء على الشعب السوري واحتلال أرضه، وأظهر الأكراد في عفرين مقاومة شديدة، مستندين على قاعدة سوريا خلفية صلبة لوجستياً وشعبياً وأمنياً.
وهنا رأت الدولة السورية مدعومة من روسيا، أن الوقت أصبح مناسباً لتنفيذ مناورة تؤدي في النهاية الى تحرير عفرين وعودة أجهزة الدولة العسكرية والأمنية إليها، من خلال الإستفادة من الورطة التركية حيث الفشل من تحقيق أي هدف له قيمة عسكرية واستراتيجية في عفرين، وتبيّن أن الأميركي والتركي وجهان لعملة واحدة في المنطقة.
ما جرى في عفرين، أكد أن الولايات المتحدة مستعدة للتخلي عن هؤلاء وغض النظر والتواطؤ مع الأتراك، وثبت أن الجيش العربي السوري جاهز لحماية أبنائه ومساعدتهم للعودة لحضن الوطن.
محمود صالح