كثيرة هي التساؤلات التي تتعلق بمآل الصراع في المنطقة، ويمكن اختصارها في حيز محدّد علّنا نصل الى قراءة موضوعية لواقع الحال ورؤية المحددات كما هي من خلال وقائع الميدان والمؤشرات الواضحة التي لاتقبل التأويل، ويكفي الإحتكام للتاريخ ونحن نراجع صفحاته، وربطاً بأزمة المنطقة قبل سبع سنوات ودور واشنطن التي مهّدت بأفكار “مارك سايكس – وفرانسوا بيكو” لتقسيم الدول العربية وإعادة ترسيم وتوزيع النفوذ والغنائم، ولتحقيق هذه الغاية تمّ صناعة التنظيمات الإرهابية كي تُشعل المنطقة والعالم، حيث ظهرت تنظيمات إرهابية تمّ طبخها في وكالة الإستخبارات الأميركية وتل أبيب، وثبت بالدليل المملوس لاحقاً أن الإرهاب دمية في أيدي “السي آي إيه”، وإدّعاء محاربتها للإرهاب هي أكذوبة تمّ تسويقها.
وعلى مدى عقدين عملت الولايات المتحدة على استهداف عدد من الدول بهدف إضعافها وفرض هيمنتها من خلال مواجهتها والإطاحة بحكوماتها أو فرض عقوبات إقتصادية وتطويق عسكري وشن حرب دعائية عليها لإضعاف مناعتها، وهي تعادي سوريا بسبب موقعها الإستراتيجي في الشرق الأوسط ولأن سوريا دولة قوية ذات سيادة وملتزمة بقضايا أمتها وتتحالف مع فلسطين وإيران والعراق وتدعم المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، الثكنة المتقدمة للقوى الإستعمارية في المنطقة، وأيضاً تحاول الولايات المتحدة النيل من لبنان عن طريق حليفها الإسرائيلي، وهي ترى لبنان بموقعه الإستراتيجي على البحر المتوسط وفيه حكومة إئتلافية يشارك فيها “حزب الله” وقدرته على حماية السيادة الوطنية وساهم بطرد الغزو الإسرائيلي عام 2000 و2006، ودوره ومساهمته في هزيمة المرتزقة من تنظيم “داعش” والقاعدة في سوريا.
وأميركا تعادي إيران الدولة التي تتمتّع باستقلال سياسي ولأنها تقف في وجه الهيمنة الأميركية والإسرائيلية، وإيران أيضاً الركن الأساسي في محور المقاومة والملتزمة في دعمها لقضية فلسطين والمقاومة في لبنان وتحالفها القوي مع سوريا، وتمتلك إيران موارد نفطية هامة ولها دورها الصاعد في المنطقة، ومثل هذا لا يروق للجانب الأميركي وأدواته في المنطقة.
أما العداء الأميركي لروسيا فأسبابه متعددة، القوة العسكرية الروسية باعتبارها في مواجهة قوية للهيمنة العالمية الأميركية، ووجود روسيا في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وهي تملك موارد نفطية ضخمة تحميها من الإبتزاز الإقتصادي، ولها تحالفاتها الجيوسياسية التي تحد من التوسع الأميركي.
لقد مُني المشروع الأميركي – الغربي – المتصهين بخسائر جسيمة مادية كانت أم معنوية من خلال استهدافه سوريا ومعها إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين، وكانت أهداف المشروع متعددة وأبرزها محاولة تأكيد الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة بعد أن تعرّضت الآحادية الأميركية الى ضربات موجعة في أكثر من مكان في العالم.
ومُني مشروع الشرق الأوسط الجديد بالفشل في العراق ولبنان على أيدي أبطال المقاومة وبدعم إيران وسوريا، وكان استهداف سوريا عبارة عن محاولة أميركية أعدّ لها الكثير وأريد لها أن تكون محطة لحسم الصراع في المنطقة من خلال الحضور الأميركي المباشر في المنطقة واستخدام كافة الأدوات الرجعية والمرتزقة والإرهابية.
وخلال حربه على سوريا عمل التحالف الغربي – المتصهين بقيادة واشنطن على تحقيق هدف استراتيجي يتمثّل بالإطاحة بالدولة السورية وقيادتها عبر محاولة تقسيمها الى كانتونات متقاتلة في لعبة شيطانية مدمرة، وتمّ استخدام الدول وعصابات “داعش” و”النصرة” وغيرها، ووفرت لها الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر والكيان الصهيوني كل الدعم اللوجستي والمالي والإعلامي والسياسي، لكن التناقضات في بنية التحالف ساهمت بإفشاله، فهو لا يمتلك قضية عادلة وهو عدوان موصوف، وتمكّن محور المقاومة وبالتكامل مع الدعم الروسي القوي من إبطال تفوق التحالف الأميركي من الناحية التقنية والإستراتيجية، إضافة الى العامل الرئيسي المتمثل في صمود محور المقاومة وقدرته على التصدي للعدوان وتكبيده الخسائر الكبيرة.
وتكاملت محصلة الجهود بين محور المقاومة والحليف الروسي، وكذلك المصالح الحيوية المشتركة بالحفاظ على سوريا باعتبارها الحليف الإقليمي الرئيسي لروسيا وإيران، وعملت روسيا على منع سقوط سوريا وقدمت ما يلزم لإفشال العدوان وأدواته، وهي تعي أن الحرب كانت ستمتد الى القوقاز وآسيا الوسطى لو نجح المشروع الأميركي، وعلى المدى البعيد فقدان سوق الطاقة الأوروبية، حيث الغاز القطري الذي سيتدفق عبر الموانئ السورية.
في الحرب السورية أستخدمت جميع أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، لكن المسألة لم تصل الى الأسلحة النووية، لكن افتراض وجودها أثّر بشكل غير مباشر على مسار نتائج الحرب، “والتوازي النووي بين روسيا والولايات المتحدة، مع ضمان التدمير المتبادل، حال دون المواجهة بينهما، ولو حدث لكانت الحرب العالمية الثالثة”.
وأمام الهزائم التي حصدها المشروع الأميركي في سوريا، كانت الفوائد بالجملة لصالح محور المقاومة ومعه الحليف الروسي، لذلك حاولت أميركا تخريب مؤتمر سوتشي للحوار الشعبي السوري برعاية روسية، وتبذل أميركا جهوداً كبيرة لمنع تقدم الجيش العربي السوري في إدلب وتفشل أيضاً، وتحاول منع الصدام بين حليفها القديم التركي وحليفها الجديد الكردي وتفشل، ولم يبقَ أمامها غير أن تحاول إثبات وجودها من خلال مكان ما في سوريا بضربة ما وهي تحاول فبركة أدلّة عن استخدام غاز السارين الكيميائي، وتختار مثل هذا التوقيت المتناسب مع إنتصار محور المقاومة ومعه الحليف الروسي ميدانياً في إدلب وسياسياً في سوتشي.
وبالتوازي مع الخسائر الأميركية على الصعد الميدانية والمعنوية في سوريا، وتعاظم الدور الذي يمثّله “حزب الله” بعد الإنتصارات والإنجازات الهامة في هزيمة الإرهاب، يحاول العدو الصهيوني التركيز على الأسباب التي تمثّل هزيمة معنوية للكيان وهذا ما دفعه لإطلاق جملة من التهديدات ضد “حزب الله” ولبنان وإيران، عبّر عنها الوزير الإسرائيلي نفتالي بنيت في المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب بقوله: “إن العمل العسكري يجب أن يكون ضد إيران وعدم الإكتفاء بـ “حزب الله” ومنادياً “بتغيير الإستراتيجية ضد إيران وأذرعتها في المنطقة، وضرب لبنان بموجب المعادلة “حزب الله يساوي لبنان”، وضمن حملة التهويل هذه أيضاً أطلق وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تهديداته: “إن “إسرائيل” لن تتردد في المواجهة القادمة وأن الضربة ستكون قوية، وهذه المرة في تل أبيب وفي بيروت سيكونون في الملاجئ”.
وبالتأكيد، تعبّر تهديدات العدو عن مدى القلق الذي أصاب كيانه، وهو يدرك تماماً بأن المعادلات تغيّرت ولديه يقين قاطع أن قوة الردع لديه أصبحت مفقودة وأي حرب جديدة ستزيد من خسارته لقدراته وتقترب ساعة التهديد الوجودي للكيان، والعدو يبحث عن وقف التدهور وتجميد ضعفه، وهو يرى أمامه حلفاً قوياً إسمه محور المقاومة يبدأ من جنوب لبنان وفلسطين ويمتد من سوريا والعراق واليمن الى إيران، وهاجس الصواريخ التي تغطي كامل جغرافية فلسطين المحتلة لا تغيب عن أذهان الصهاينة، ويبحثون حولهم فلا يجدون إلا البعض من صهاينة العرب فيوظفونهم كأدوات لحرف إتجاه البوصلة تحت عنوان مشترك العداء لإيران في محاولة لخلط الأوراق والتعمية عن حقائق الواقع الراهن والميدان.
وواقع الحال اليوم، يبحث العدو الصهيوني عن حرب وهو الذي أقيم بالعدوان والجرائم أشبه ما يكون بالحرب الكونية التي تستهدف المنطقة، وهو أداة بيد واشنطن، وهو يفقد وظيفته من خلال الحضور المباشر للقوات الأميركية، فأي حرب أكبر مما جرى خلال السنوات الماضية والصراع مازال على أشدّه، وبقاء الكيان دون حرب يعني فقدانه لدوره الوظيفي ويتآكل ما بقي من قوة ردعه المفترضة.
محور المقاومة ينتصر ويهزم الإرهاب في سوريا والعراق، ونتائج الحرب المندلعة في المنطقة أعلنت أمام العالم أجمع والحقائق ساطعة ومفادها، لمحور المقاومة اليد العليا في المنطقة وغداً نحن أمام معادلة جديدة ترسمها التضحيات وسواعد الأبطال في محور المقاومة.