شعر اللبنانيون اليوم بمعنى أقوى للإستقلال لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الآتي من إرادة الشعب حضن الجميع وأثبَت أنّه رجل الأزمات والمواقف، حيث تمسّك بمواقفه، وهي مواقف شهد لها الخصوم والحلفاء، بصلابتها وأهميّتها في تعزيز الوحدة الوطنية في بلاده وإدارة الأزمات التي تحاك من بعض الدول ضد لبنان، ما يعد بفصل جديد من التضامن والوحدة والإنسجام بين مختلف التيارات السياسية وكافة الطوائف في لبنان.
وبات واضحاً أن رئيس الجمهورية يبذل كل الجهود لإعادة إطلاق العملية السياسية والدستورية في البلاد، وأن يقود مفاوضات جدية لتوفير مناخ يبقي الحريري في منصبه.
فكل ما حصل حتى الآن يشير إلى أن التسوية السياسية لا تزال قائمة، وأن الرئيس عون قادر على ضمان التزام لبنان سياسة النأي بالنفس، وأن يحصل على موقف من “حزب الله” بهذا الخصوص، وقد عبّرت قيادة الحزب في هذا الخصوص عن إنفتاحها على كل ما من شأنه احتضان الحريري وتسهيل بقائه في منصبه، والمساعدة على سحب الذرائع التي تستخدمها السعودية بهدف هزّ الإستقرار في لبنان. وأتى خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة ونفيه رسمياً أي نشاط تسليحي للحزب في اليمن أو دول الخليج في خدمة هذا الهدف.
وتتوجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى المواقف التي سيعلنها الحريري لناحية استمراره في الإستقالة أو تراجعه عنها، فإن أصر على استقالته فلن يجد رئيس الجمهورية خياراً سوى القبول بها، لتنتقل الحكومة إلى مرحلة تصريف الأعمال، حيث تتابع تسيير الأمور الملحة والضرورية فقط.
ويبدأ عون إثر ذلك استشارات نيابية مع كافة الكتل النيابية يختار بناء على نتائجها الشخصية التي سيكلفها تشكيل الحكومة، فإن اختارت الأغلبية الحريري مجدداً فسيعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى تشكيل حكومة جديدة.
وقد يتيح هذا الخيار للفرقاء السياسيين الفرصة للتوصل إلى تسوية جديدة من شأنها أن تبعد لبنان عن التوتر الإقليمي المتصاعد، وذلك على غرار التسوية التي أوصلت الحريري قبل عام إلى رئاسة الحكومة وأتت بعون رئيسا للبلاد.
عيد الإستقلال
إحتفل الشعب اللبناني، بكلّ طوائفه وانتماءاته السياسيّة والمذهبيّة بعيد الاستقلال الـ 74 الذي يصادف في 22 تشرين الثاني من كل عام، حيث باتت هذه المناسبة محطّة سنويّة، يُكرّم فيها الجيش اللبناني البطل الذي يدافع عن الشعب والارض، وهو اليوم الذي أعلن فيه استقلال البلاد عن الانتداب الفرنسي. واعتبر هذا التاريخ تخليداً لذكرى حكومة الاستقلال الوطنية التي ناضلت عشية إطلاق سراح رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح من الإعتقال صباح 22 تشرين الثاني عام 1943، وتسليم فرنسا بمنح لبنان الاستقلال التام، غير أنه لم يكتمل إلا بانسحاب القوات الفرنسية من لبنان في 31 ديسمبر 1946.
بداية القصة الإستقلال
تعود بداية قصة الاستقلال إلى انتهاء الحرب العالمية الأولى، أعلن الشريف حسين بن على قيام الدولة العربية التي تضم كل البلاد العربية المحررة من العثمانيين. وبحسب اتفاقيات حسين مكماهون، كان على المنطقة التي تضم لبنان الحالي أن تتبع المملكة العربية الجديدة. وبنفس الوقت، انتدبت فرنسا لحكم لبنان بحسب اتفاقية سايكس-بيكو. وطلب من شعوب المنطقة تحديد مصيرهم فيما بينهم. في هذه الحالة، طلب مسيحيو لبنان تأسيس دولة مستقلة بحماية فرنسية.
مفاوضات مع فرنسا
رفضت الحركة الوطنية السورية والزعماء الذين يمثلونها من السياسيين المسلمين في لبنان الاعتراف بالكيان اللبناني، وفي مطلع الثلاثينيات جرت مفاوضات بين هذه الحركة والحكومة الفرنسية، واشترطت فرنسا في هذه المفاوضات تسليم الحركة الوطنية السورية الكيان اللبناني مقابل توقيع معاهدةٍ تعترف فرنسا بموجبها باستقلال سوريا ولبنان. قبل الممثلون عن الحركة هذا الشرط، الأمر الذي أدى إلى حدوث تصدعٍ في صفوف (الوحدويين) وهم السياسيون المسلمون في لبنان.
وشهدت الفترة الممتدة من عام 1930 حتى عام1943، تبلور صيغة طلاب الاستقلال، كبشارة الخوري ورياض الصلح وغيرهما، حتى تحوّلت هذه الصيغة إلى ما يعرف بـ “الميثاق الوطني اللبناني”، والذي بُني على أساس المعادلة التالية: للحصول على الاستقلال يجب على المسيحيين التنازل عن مطلبهم بحماية فرنسا لهم، في المقابل يجب أن يتنازل المسلمون عن طلبهم في الانضمام للداخل العربي – السوري.
تعديل الدستور
في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد أن سيطرت فرنسا على المراكز الحساسة مما جعل الحكومة
اللبنانية سنة 1943 تتقدم إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع.
وكان هذا الطلب بدعم من البريطانيين الذين حكموا فلسطين والأردن والعراق.
وفي 21 سبتمبر من السنة نفسها فاز بشارة الخوري بالانتخابات وأصبح رئيسًا للجمهورية وألف حكومته رياض الصلح وأعلنوا الاستقلال التام وحولت مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي.
وأعتبر هذا القرار تحديا ساخرًا للمفوض السامي مما جعله يأمر بتعليق الدستور وأرسل ضباطًا إلى رئيس الجمهورية فاعتقلوه مع رئيس وزرائه وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين مثل عادل عسيران، كميل شيمون، عبد الحميد كرامي وسليم تقلا وحجزوهم في قلعة راشيا. عندها قام وزير الدفاع الوطني آنذاك الأمير مجيد أرسلان ورئيس مجلس النواب صبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا باجتماع مصغر في قرية في جبل لبنان هي بشامون وألفوا حكومة مؤقتة ورفع العلم اللبناني الذي تكون من ثلاثة أقسام الأحمر، الأبيض وفي الوسط ضمن اللون الأبيض شجرة أرز خضراء.
وقد أدى هذا النضال إلى استقلال لبنان بتاريخ 22 نوفمبر 1943، وبعد ذلك دعم لبنان نفسه بمشاركته بتأسيس هيئة الأمم المتحدة سنة 1945 وجامعة الدول العربية سنة 1947.
لبنان سيد حر ومستقل
إستقبلنا عيد الإستقلال هذا العام وقد حقّقنا إنجازات أساسية تتمثّل بانتخاب رئيس جمهورية آتٍ من إرادة الشعب وعودة الحياة الدستورية الى لبنان، والتي تنتظر الإنتخابات النيابية لتكتمل فصولها.
وقد أثبتت الأطراف اللبنانية بقيادة رئيس الجمهورية ميشال عون في هذا العيد أن لبنان سيد، حر ومستقل، وأن القرار اليوم والأمس وغدا هو الحفاظ على الوحدة الداخلية وعدم التفريط بالتعايش الوطني والإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي مهما زادت الضغوطات وتعقدت الظروف السياسية.
وبعد هذا اليوم يبقى القول إنه: ملء عين الزمن، سيفنا والقلم، سهلنا والجبل، قولنا والعمل، شيخنا والفتى متى ساورتنا الفتن، عند صوت الوطن كلنا للوطن.