بين الأمل ولحظة الإنتصار الحاسم مسافة لمن يراقب الأحداث عن بعد، لكن مَن يعيش في قلب الحدث لديه شعور آخر مختلف، وعلائم النصر وتباشيره بدأت تظهر واضحة وأنتجت التضحيات عزة وكرامة، وأسست لمرحلة جديدة سيكون لها ما بعدها على مستوى المنطقة والعالم.
وثبت أن صناعة الإنتصار ليست لعبة إقليمية أو دولية، وهنا في سوريا تصنع الحياة بالصمود والمقاومة، وهنا موقف وشجاعة وحكمة وانتصار لقضايا الأمة، وهنا المجد وعنوانه، وليس معزوفة يتغنى بها مَن راهن على أمجاد صنعها له النفط والغاز والإرتباط بأوهام لا صلة لها في المضامين.
وسوريا اليوم تشرح للقريب والبعيد ما معنى أن يكون المرء جديراً بالحياة، وعلى امتداد السنوات الست والنيف الماضية شهدنا سلسلة طويلة من الأحداث، لم تتحقق من خلالها أهداف الأعداء بل تكسرت أمام الصمود الأسطوري الذي أنجزه الجيش العربي السوري وساهم بدحر الإرهاب وكشف صانعيه ومموليه، وثبت أن البترو دولار بقفد مفاعيله أمام صلابة المواقف وامتلاك الإرادة لمواجهة التحديات.
تمّ استهداف سوريا لأنها قلعة الأمة وحصنها المنيع، قاومت وانتصرت رغم هول المأساة والحرب الكونية التي شُنّت عليها.
كثيرة هي التساؤلات التي تتعلق بمآل الصراع في المنطقة بعد ظهور مؤشرات سقوط المشروع الأميركي – الغربي – المتصهين في المنطقة ومن خلال وقائع الميدان، سقط الحلم العثماني الجديد ودوره المرتبط بالمخطط الأميركي المتحكم بمفاصل القرار التركي، وفي التساؤلات هناك محاولة أردوغان تركيا الإستدارة بعد أن فشل دوره، وهو يحاول التقارب مع روسيا وإيران، هل الأمر مجرد لحظي ومرحلي تكتيكي ربما يتبدّل في أي لحظة من خلال إشارة أميركية ما؟.
كل الدلائل والمؤشرات تؤكّد أن تركيا التي حصلت على وكالة أميركية في الحرب على سوريا وشعبها لإسقاط الدولة السورية، قد جاء دورها في الإستهداف، والذين اعتقدوا أن سقوط سوريا هو مسالة أشهر قد ذهبت رهاناتهم أدراج الرياح، وليس هذا الأمر فقط بل أن كل دول المنطقة كانت مستهدفة بالتقسيم والتفتيت.
وما إن بدأت تتضح أبعاد المشروع الأميركي في الشمال السوري، وخلق كيان جديد في قلب الدول الأربع (سوريا والعراق وتركيا وإيران)، ويشكّل تهديداً لتلك الدول ووحدة أراضيها، أي من خلال إنشاء “كانتون كردي” بدعم أميركي واستخدام العنصر الكردي كأداة وموالٍ للكيان الصهيوني وأميركا، ويبدو الدعم الأميركي بشكل مباشر وعلني، لذلك تجد تركيا نفسها في خطر وجودي، وفي هذا المجال يقول إبراهيم قره غول في “صحيفة يني شفق” التركية: “إن التهديد الأكبر لتركيا سوف يأتي من شمال سوريا، وإن إعلان البرزاني الإستفتاء في شمال العراق والإصرار عليه، هو جزء من مشروع واحد متعدد الجنسيات (إسرائيلي وبريطاني وأميركي)، وهذا المشروع هدفه إعادة تصميم المنطقة ورسم خرائطها من جديد، وتحويل المنطقة الى دويلات صغيرة، وكانتونات يمكن السيطرة عليها والتحكم بها، والشركاء في هذا المشروع هم أعداء مشتركون لكل دول المنطقة، ويستخدمون الخلافات والتناقضات والمشاكل الداخلية كحجة لتحرير المشروع، لذلك رأينا كيف يعمل الكيان الصهيوني من خلال التحريض على التقسيم والإنفصال في شمال العراق، إضافة الى الدعم الغربي غير المعلن.
وفي الوقائع هذه، عُقد مؤتمر آستانا – 6 في ظروف جديدة، الإنتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري والقوات الحليفة، وتدهور العلاقات الأميركية – التركية، والأخيرة لم يعد بإمكانها تعطيل عملية فصل “جبهة النصرة” المصنفة إرهابية عن بقية الجماعات المسلحة، ومشيخات الخليج بدأت بالتخلي عن تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية نتيجة أزماتها الداخلية وفشل المشروع الأوسع من أساسه، وأدرك الأتراك بأن لا مناص من تعاملهم وتعاونهم مع روسيا وإلا فإن إدلب ستحرر عسكرياً كما جرى في دير الزور، وهذا سيجرد تركيا من أوراقها، والبديل سيكون إدلب ضمن مناطق خفض التوتر، وتبدو تركيا وهي في أزمة وخياراتها محدودة بعد فشل رهاناتها في المنطقة.
وتعترف مراكز أبحاث إمبريالية بالفشل الذي أصاب الدول الغربية وسياساتها (إذا بدأت بالنزول من أعلى الشجرة، وواحدة تلو الأخرى، بعد أن تشعّبت أهدافها الثقيلة الوزن المنفصلة عن الواقع السوري الى غصونها الرقيقة”.
وبعد هزائم الميدان والخيبة لدى أعداء سوريا، أصبحت البقية واضحة، وأن أي حل سياسي لا يمكن أن يتجاوز موازين القوى على الأرض التي باتت تميل موازينها بوضوح مع الدولة السورية وحلفائها، ولم يعد أمام الدول الراعية للإرهاب إلا الإنخراط في عملية سياسية مع الدولة السورية ورئيسها وجيشها ومن دون شروط مسبقة، وضمن الثوابت السورية التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير حيث أوضح: “أن لا مساومة على استقلال سوريا مقابل إنهاء الحرب عليها”، وهو الذي أكّد في خطاباته ومقابلاته “أن استعادة سيادة الدولة على كل بقعة من أرض سوريا ثابت مبدئي لا تنازل عنه”.
وبكل تأكيد نقول، سوريا إنتصرت ونصرها يصب في مصلحة أمتها، وقضايا الحق والعدل تنتصر بانتصارها، والحقائق بدأت تفصح عن نفسها، سقطت الحرب ضد سوريا وتتغير المعادلات الإقليمية والموازين الدولية، إنها سوريا قلعة الصمود والمقاومة وفاتحة عصر الإنتصارات ومعها حلفاء الوعد الصادق وهم شركاء المصير الواحد وبهم تزهو الأمة كرامة وعزة وبطولة وفداء.