تمّ تطهير القلمون السورية والجرود اللبنانية من الإرهاب، وحقّق الجيش العربي السوري والجيش اللبناني والمقاومة جميع الأهداف المرسومة على طول المنطقة الحدودية، وفي توصيف هذا الإنتصار نقول وبكل تأكيد، لقد جاء من خلال المعادلة الذهبية المعدّلة في ميدان الكرامة، وكان للجغرافيا نصيبها هذه المرة، وعبّرت المعركة عن وحدة الأرض والمصير من خلال التضحيات التي قدمت، والجديد الناتج هو المعادلة الرباعية، والردع الذي تجلى على جانبي الحدود المصطنعة بين لبنان المقاومة وسوريا الشموخ ورأس حربة الأمة في مواجهة المشاريع الإستعمارية الهدامة بشقيها الصهيوني والتكفيري ومَن يقف خلفهما داعماً.
نحن أمام مرحلة جديدة وصفها سيد المقاومة سماحة أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله وأبرزها من خلال المعادلة الألماسية “الجيش والشعب والمقاومة والجيش السوري”، هذه المعادلة ترسم الخطوط العريضة الأساسية لسير القرارات وإتخاذها على الصعد كافة سواء في الميدان أو في السياسة، هذه الرؤية تعبّر عن حقيقة واقع الميدان، وصفحة جديدة ناصعة من تاريخ المقاومة، يوم 28 آب 2017 التحرير الثاني وهزيمة الإرهاب التكفيري بصناعته الأميركية والصهيونية.
وهذه الإنتصارات المجيدة سيكون لها ما بعدها على كافة الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وستجد مفاعيلها السياسية بكل جدارة وتؤسس لمرحلة لاحقة وواعدة.
ونحن أمام مفصل تاريخي جديد تتضح فيه الحقائق وبشكل مجرد لا يقبل التأويل، أوجه الإرهاب متعددة ومضمونها واحد، “داعش والنصرة” وأمثالهما صناعة أميركية وصهيونية ومشاركة رجعيات كأدوات تخدم المشروع الإستعماري.
ولو عدنا الى جذور الإرهاب ومَن إستثمره لوجدنا أميركا التي أشعلت الخلافات السياسية في العالم بهدف زعزعة الإستقرار وتوسيع دائرة الحروب كي تزيد هيمنتها وتحجم منافسيها، وهي التي فشلت في أماكن عدة في العالم، وأبرزها في الميدان العسكري كما حصل عند خسارتها لحرب فييتنام، وخسارتها في ميدان السياسة عندما خسرت نفوذها في إيران وعجزت عن حماية نظام الشاه من طوفان الثورة الشعبية الإيرانية.
أميركا هذه عملت في توظيف أخطر صراع في المنطقة وتشريع أبواب التدخل الأجنبي وصناعة أحداث للإستفادة من نتائجها، وتوظيف أحداث قائمة لخدمة مصالحها، وأوجدت الطرف الآخر المكمل في الداخل الذي يوجد الأرض الخصبة لزراعة تآمر الخارج، ثم يترك لهذا الطرف الخارجي أن يحصد النتائج.
وهناك بقايا الإستعمار وأدواته من قوى رجعية، حيث كان يخلي البلدان التي تخضع لهيمنته، بعد أن يوجد فيها عناصر صراعات تسمح لها بالتدخل مستقبلاً، وتضمن إضعاف هذة البلدان التي قاومت الإستعمار وتحررت منه، ولعبت القوى الإستعمارية على التناقضات الداخلية وتحريك أدواتها المحلية، ما يفسح المجال للتدخل الأجنبي بذريعة حل المشاكل، ووجدنا ذلك في صراعات وحروب أهلية وأزمات أمنية وسياسية في بلدان أخلاها المستعمر الغربي بعد أن فرض أنظمة حكم مضمونة الولاء له، لكنها لا تعبر عن شعوبها، وتمثل حالة طائفية أو إثنية فئوية.
وصناع القرار الأميركي يأملون كثيراً في تحقيق أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، من خلال تفاعلات الصراعات المحلية والإقليمية الدائرة في المنطقة، وبعد احتلال العراق في العام 2003، أطلقت إدارة بوش الإبن ثلاث شعارات، الشعار الأول: كان عقب غزو العراق مباشرة، حين تحدث أكثر من مسؤول أميركي عن أن العراق سيكون “نموذجاً للديمقراطية في الشرق الأوسط”، وأن دولاً عديدة ستحذو حذوه، ولكن في الوقائع الميدانية كانت الممارسة الأميركية في العراق “نموذجاً” للفشل والكذب والخداع في السياسة الأميركية، ولم تتدحرج أنظمة المنطقة خلف الدومينو العراقي، كما توهّم المحافظون الجدد.
والشعار الثاني: “الشرق الأوسط الكبير” الجديد، الذي سيخرج الى الوجود بعد تفاعلات الحرب في العراق، وبعد حروب “إسرائيل” في لبنان وغزة، تلك التي دعمتها بشدة إدارة بوش، وكان الفشل مصير أحد أهداف شعار “الشرق الأوسط الكبير” في القضاء على ظواهر المقاومة ضد “إسرائيل” بعد حرب صيف عام 2006 في لبنان ونهاية عام 2008 في غزة.
أما الشعار الثالث الذي أطلقته الوزيرة الأميركية كونداليزا رايس خلال الفترة الثانية من حكم بوش الإبن، فكان “الفوضى الخلاقة” والتي كانت المراهنة على حدوثها من بلدان الشرق الأوسط من خلال تفاعل الأزمات الداخلية في دول المنطقة، ولعل ما حدث ويحدث في السنوات الماضية داخل بلدان عربية يؤكد أن شعار “الفوضى الخلاقة” لم ينتهِ مع نهاية حكم المحافظين الجدد، وما حصل في المنطقة هو بمثابة مسار أجندات إقليمية ودولية وبعضها إستهدف تقسيم الأوطان وتدويل أزماتها الداخلية، وبعضها يراهن على تثبيت النفوذ والمصالح في شرق أوسط جديد، ومازال في الأفق مشاريع دولية لعدد من بلدان المنطقة تقوم على إعادة تركيبها بأطر سياسية ودستورية جديدة تحمل الشكل الفيدرالي (الديمقراطي). لكنها تتضمن بذور التفكك الى كانتونات متصارعة في الداخل ومستندة الى قوى في الخارج، فهذه غايات الحروب الأهلية العربية المدعومة بتدخل أجنبي.
هناك مخاوف ماثلة على ضوء ما تشهده المنطقة، ولكن على صعيد الإنتصارات والإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري والمقاومة والقوى الحليفة، فإن تباشير النصر النهائي تلوح في الأفق، وفي هذا المجال علينا أن نقرأ بدقة ما أدلى به آخر سفير أميركي لدى دمشق روبيرت فورد في مقابلة مع موقع “ذا ناشيونال”: “أن الرئيس السوري بشار الأسد إنتصر في الحرب التي تخمد يوماً بعد يوم، وأن الحكومة السورية، في المستقبل لن تقبل بالإدارات المحلية أو باللامركزية”، وتحدث عن كيفية تعامل الحكومات الأوروبية مع الحكومة السورية بقوله: “الأوروبيون سيفعلون ما يخدم مصالحهم، ربما تكون لديهم مصالح متعلقة بالتعاون الأمني”، لذلك الحرب على الإرهاب مستمرة والمشاريع الإستعمارية تسقط أمام قوة وصلابة المقاومة.
ويوماً بعد يوم يقترب موعد النصر النهائي وهزيمة المشاريع الأميركية وأدواتها في المنطقة.
محمود صالح