إستطاعت سوريا وبحكمة قيادتها وبسالة جيشها وصدق ومتانة تحالفاتها من تحقيق الإنجازات الكبيرة التي ترسخت طوال عقود من الزمن.
تمسّكت بأهدافها رغم شدة التآمر عليها، وبقي سلم أولوياتها ثابتاً وراسخاً وهو دليل قوة، وحافظت على وحدة الأمة وقوتها في مواجهة مشاريع الأعداء وأدواتهم في المنطقة، وإلتزمت قضايا أمتها وفي المقدمة منها فلسطين قضيتها المركزية، والعدو الصهيوني هو ثكنة متقدمة لقوى الهيمنة الإستعمارية وظيفته حماية مصالح تلك الدول وإضعاف قدرات الأمة وعامل تجزئة للإبقاء على التخلف من خلال تحالفه مع القوى الرجعية المرتبطة بالعجلة الإستعمارية.
ورغم شراسة الهجمة عليها طوال ست سنوات ونيف والحرب الكونية عليها، تمكّنت سوريا من قطف ثمار صمودها وصبرها الإستراتيجي بعد أن أفشلت محاولات العدو الصهيوني في كل مرة حاول التدخل من أجل خلط الأوراق في المنطقة عبر إعتداءاته المتكررة التي شكّلت دعماً مباشراً للعصابات الإرهابية، لكن سوريا التي رتّبت أولوياتها كانت تعرف ما تريد واختارت الزمان والمكان وانتقلت الى الهجوم وهي تمسك بزمام المبادرة، وهي اليوم تتقدم خطوة جديدة وحاسمة في حرب الذراع الطويلة وهي تضع الأمور في نصابها، وهي تمتلك كل أوراق قوتها وسلاحها الإستراتيجي الفاعل الذي يمكنه تغيير المعادلة في المنطقة، والعدوان أصبح يواجه بكل قوة بعد أن تغيّرت قواعد اللعبة السورية، ومؤشرات ذلك إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة إستطلاع إسرائيلية في محافظة القنيطرة جنوب سوريا وإطلاق صواريخ على أهداف عسكرية إسرائيلية، وهذا جاء لتأكيد جدية التحذيرات السورية وتغير إستراتيجي في موازين القوى في ميادين القتال.
ويضاف الى ذلك التهديد الرسمي الروسي “روسيا سترد على أي عدوان”، ثم يأتي الرد الإيراني من خلال صواريخ الحليف الإيراني “من إيران الى دير الزور” والذي حمل الكثير من الرسائل التي أعادت حسابات الحلف المعادي لسوريا الى نقطة التفاوض والقبول بالواقع.
وما يحصل يعبّر عن واقع الميدان والإنتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري والقوى الحليفة في الحرب على الإرهاب، وبدأنا نسمع تصريحات مختلفة وجديدة من ترامب وميركل وماكرون وتأكيدهم “على ضرورة التسوية السياسية” وعلى “ضرورة الحل والتفاوض مع الحكومة السورية”، وكذلك تصريح المبعوث الأممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا “أن الأمور تتطور بسرعة، ليس ميدانياً فقط ولكن على المستوى السياسي والإقليمي والجيوسياسي، وأعتقد أننا نشهد مرحلة لتبسيط أكثر النزاعات تعقيداً في عصرنا…”.
وبدأت أوراق “داعش” الإرهابي تتساقط وهي أوراق جمعتها مشاريع الغرب الإستعماري والأميركي وأدواته في المنطقة، وما يحصل من هزيمة الإرهاب في الموصل هو نصر إستراتيجي وستكتمل فصوله في قواعد الإشتباك السوري في البادية السورية ودير الزور والرقة وفي عمليات الفجر الكبرى في ريف دمشق الشرقي.
وإن تزامن إستعادة القوات العراقية لمدينة الموصل مع الإحتفال بالذكرى الحادية عشرة للإنتصار الكبير على العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وهو من قبيل الصدفة، لكن الإنجازين يعكسان بروز محور المقاومة في المنطقة وتحقيقه وحلفائه الإنجازات، ويأتي أيضاً في ظل تراجع المحور السعودي ومشروعه وغرقه في أزماته الداخلية.
إن محور المقاومة اليوم يمتد من إيران حتى شواطئ المتوسط في لبنان مروراً بالعراق وسوريا، وهو يزداد ترسخاً وتعزيزاً في ظل ضعف تماسك المحور المقابل وخسارته في معظم جبهات القتال.
وفي حين يعتمد محور المقاومة على شرعية المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي، وهذا أبرز أسباب نجاحه، وهو يرتبط بوحدة الأمة وتعزيز قوتها والحفاظ على قدراتها ومواردها وحمايتها، في حين يرتبط المحور الآخر بالمشاريع الإستعمارية وبالعجلة الأميركية كأداة طيعة على حساب قدرات الأمة ومستقبل أجيالها.
وبعد الإنتصارات التي تحققت في العراق وتحرير الموصل من الإرهاب، نحن أمام عراق جديد يستعيد دوره الإقليمي كقوة رئيسية تحت مظلة محور المقاومة، وتبدو المنطقة اليوم وهي تتقدم نحو صياغة إقليمية جديدة لخريطتها السياسية والجغرافية.
ويزداد الأمر أهمية بعد سقوط معظم النظريات التي كانت تراهن على سقوط سوريا طوال السنوات الست الماضية.
محور المقاومة اليوم في أوج قوته، وهو يحقق المزيد من الإنتصارات وإنتقل من الدفاع الى الهجوم، وفي المقابل الآخر نرى كيف تتهاوى أحلام الطامعين والمرتبطين بالعجلة الأميركية، وبعد أن فشل المال الخليجي الذي حاول قيادة المنطقة نحو المجهول طوال عقدين من الزمن، واليوم يتآكل وبشكل متسارع ليس فقط بسبب إنخفاض العوائد النفطية وتبخر معظم الإحتياطات المالية، وإنما أيضاً بسبب المخطط الأميركي الذي نقل الإضطرابات وعدم الإستقرار الى الخليج من خلال قانون “جاستا” الأميركي كسيف مسلط وتهم رعاية الإرهاب، وهي وصفات للإبتزاز بدأت مفاعيلها ولن تنتهي.