في قراءة متأنية لمجمل التطورات في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة السورية بشكل خاص، لدينا جملة من الإستنتاجات كرستها وقائع الميدان وجملة من المؤشرات لابدّ من التوقف عندها وقراءة اللوحة واستخلاص العبر.
الصراع مازال على أشده ويُنذر بالكثير من التطورات والتداعيات التي تتجاوز المنطقة ويمس الحسابات العالمية، وهناك التحذيرات الروسية وهي شديدة وموجهة لواشنطن التي أصبحت تلعب بالنار وتجاوزت حدود ما هو معلن في مسرحية “حربها على الإرهاب” من خلال ما يسمى التحالف الدولي، وعلّق الروس خطاً ساخناً كانوا قد فتحوه مع واشنطن يهدف الى تجنّب الصدامات بين القوات الروسية والأميركية في منطقة “الحرب على داعش”، لكن إسقاط طائرة حربية سورية من قبل القوات الأميركية في 18 حزيران غيّر الكثير من الحسابات.
التهديدات الأميركية الموجهة الى سوريا زادت وتيرتها وتكاد لا تنقطع، والوقائع في الميدان أصبحت تقض مضاجع الأميركي وهو يرى الإنتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري، ومسرحية الكيماوي التي يسوقها الأميركي ومعه عدد من الدول الغربية هي دليل إفلاس وخلق ذرائع لعدوان جديد لإستهداف القوات العربية السورية كما حصل في مطار الشعيرات، ومسرحية الكيماوي الجديدة لم تنطلِ على أحد، وسوريا قابلت التهديدات الأميركية والغربية باللامبالاة وعدم الإكتراث وهي تعرف أن المزاعم الأميركية هي مجرّد أمر عملياتي الى الإرهابيين “لفبركة” هجوم سلاح كيماوي مفترض.
وجاء الرد من وزارة الخارجية الروسية “نحذّر واشنطن من عمليات مستقبلية متهورة على غرار الهجوم على مطار الشعيرات”، وكذلك حذّرت طهران أميركا “من اللعب بالنار” وهدّدت برد مقابل، وقال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني شمخاني “لا شك أن التصرفات الحمقاء والمغامرات الأميركية في سوريا هي بمثابة اللعب بالنار، وأن الميدان السوري ومجرياته كفيل بإنهاء العدوان الأميركي الآحادي على سوريا وإلا فلا بد من تلقي الرد المقابل وتغيير المعادلة”.
هذه المواقف القوية، دفعت الجانب الأميركي للنزول من شجرة التصعيد بذريعة الكيماوي، واعتبر وزير الدفاع جيمس ماتيس “أن سوريا إستجابت لتحذير واشنطن ولم يفعلوه”، وأكّد “أن التحالف الدولي سيركّز في سياق عملياته على مناطق يتواجد فيها داعش”، ورفض الإنجرار الى معركة هناك “في الحرب السورية وأن بلاده تسعى جاهدة لوضع حد لها عبر الجهود الدبلوماسية”.
وفي التساؤلات، لماذا تقرع واشنطن طبول الحرب بذريعة الكيماوي وفي هذا التوقيت؟
بكل تأكيد، تشعر واشنطن بإدارة ترامب بأنها على وشك خسارة الحرب في سوريا وهذا يقود الى إنتفاء أسباب وجود قواتها وتحالفها الذي شكّلته من 60 دولة بسبب خسارة “داعش” لسيطرتها على الموصل وقرب خسارتها الرقة، لذلك تريد أميركا الإنتقال الى إفتعال معارك مع الحكومة السورية وخلق ذرائع جديدة لإستمرار الحرب لأطول فترة ممكنة.
فشلت محاولة القوات الأميركية في جرّ القوات السورية وحلفائها الروس الى مواجهة في منطقة التنف بسبب وعي الجانبين السوري والروسي لحقيقة المخطط الأميركي، لذلك كانت ذريعة الكيماوي.
والآن لا تشعر الإدارة الأميركية بالإرتياح للتقدم الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري في كافة المناطق وفتح الحدود السورية العراقية في الشرق لأول مرة منذ ثلاثة أعوام، واستعادة العديد من آبار النفط والغاز التي كانت تحت سيطرة “داعش”.
لهذا تريد تفجير الموقف مجدداً في سوريا، لأنها لا تريد لهذه الحرب أن تتوقف بأي شكل من الأشكال.
وصورة المشهد الماثل عبّر عنه الكاتب الأميركي سيمون هيرش في مقال كتبه في صحيفة “دي فيليت” الألمانية، “أن الإستخبارات الأميركية أكّدت للرئيس ترامب، أنها لا تملك أي أدلة على أن الحكومة السورية تقف خلف الهجوم الكيماوي في خان شيخون في نيسان الماضي”.
وأكّد هيرش: “أن الرئيس ترامب أعطى إذناً بإطلاق 59 صاروخاً على قاعدة الشعيرات في حمص رغم هذه التحذيرات من أجهزة مخابراته، الأمر الذي أصاب المسؤولين في المؤسسة العسكرية الأميركية بالأسى الشديد”، ما دفع مسؤول عسكري للقول: “إن ترامب لا يقرأ شيئاً ولا يملك أي معرفة بالتاريخ، ويخلط بين إدارة صفقات تجارية وبين الأعمال العسكرية، ولا يعلم أن الخسارة في الأولى مالية، أما في الثانية فهي إزهاق أرواح ويلحق ضرراً بالأمن القومي الأميركي على المدى البعيد”.
وحقيقة المشهد في منطقة الصراع، طالما يحقق الجيش العربي السوري الإنتصارات في ميادين القتال والسياسة معاً ويملك قيادة حكيمة وشجاعة، وبينما حلفاء واشنطن في الخليج الذين يموّلون الإرهابيين أصبحوا منقسمين على أنفسهم بعد الأزمة القطرية والتي هي كتحصيل لتداعيات الحرب تلك، وأسموه “معارضة” في أسوأ حالته، إنكشف المستورد وظهرت كل الحقائق.
أما المخطط الأميركي فهو لا يريد إستقراراً في الشرق الأوسط، وهذه هي شريعة تجار الحروب، تعمل على تفتيت الدول ونهب مواردها ومن المؤلم أن نرى الأميركي ترامب وهو يضع يده على مقدرات الخليج ويضعها كاملة في السلة الأميركية، ألم يلعب أولئك دوراً رئيسياً في هذا المخطط… ربما القادم أعظم، ما نقوله حمى الله سوريا وجيشها وشعبها وكل قوى محور المقاومة في أمتنا.