المتابع للتطورات الجارية على ساحة الصراع في منطقة الشرق الأوسط وخاصة الحرب الكونية التي تستهدف سوريا منذ أكثر من ست سنوات، يلحظ في الآونة الأخيرة صورة المشهد وقد أصبح واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الحرب الأميركية – الصهيونية – الرجعية وبأدواتها التكفيرية قد استخدمت جميع أوراقها وكل أساليب المكر والخداع والتضليل لإعطاء صورة مغايرة عن حقيقة ما يجري، وإنكشف مدى زيف وإدعاءات قوى الهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بأنها تحارب الإرهاب في المنطقة، وفي حقيقة الأمر هي تتذرّع بمحاربة الإرهاب ولكنها تعمل على الإستثمار فيه وإطالة أمد هذه الحرب المفترضة الى أجل غير مسمى والإستفادة من الوقت لإنشاء قواعد جديدة في المنطقة من ناحية وابتزاز الرجعيات العربية وإجبارها على دفع ثمن حمايتها لتلك الأنظمة التي صنعتها وصلاحيتها محدودة وقابلة للتمديد لها طالما هي تدفع الأموال والنفط والمواقع، وما سبق والراهن يضع المنطقة أمام الإستحقاقات الخطرة.
والملاحظ أيضاً بأن الجانب الأميركي قد بدأ يُسرع في عملية النهب المباشر والمستور على شكل عقود تسلح واستثمار بعيدة الأجل، والإستفادة القصوى من الخلافات والأزمات الضاربة لدى حلفاء أميركا وأدواتها في المنطقة وهي فرصة ذهبية لإبتزازهم بأسرع ما يمكن من الوقت لأن بقاء أمثالهم أصبح محل شك، أما اليقين فهو الفشل الذريع الذي مُني به أصحاب المشروع الإستعماري وأدواته الرجعية تلك، بسبب صمود سوريا ومعها الحلفاء وأصحاب المصير المشترك أركان محور المقاومة في أمتنا.
وفي صورة المشهد الماثل هناك تغييراً كبيراً ويعتبر أكثر أهمية وهو يمثّل سلسلة الإنجازات الباهرة التي حققها أبطال الجيش العربي السوري ومعه القوى الحليفة، حيث تمّ السيطرة على شرق سوريا حتى الحدود العراقية، وأفشلت المخطط الأميركي للسيطرة على جنوب شرق سوريا بأكمله، وإصرار سوريا على استعادة كل المناطق المحتجزة حالياً من مختلف الوكلاء الأميركيين والمجموعات الإرهابية، وفي الشمال الغربي حيث تتمركز الجماعات التكفيرية حول إدلب شمالاً، وهذه المجموعات برعاية المال السعودي والقطري والتركي.
وتشهد هذه المنطقة المزيد من الفوضى في ظل الوضع الأخير بين قطر والسعودية، ويبدو أن لحظة الإستحقاقات الكبرى قد بدأت وتداعياتها مستمرة ومدير الأزمات الأميركي هو المستفيد الأكبر من تلك الحالة والخزينة الأميركية.
وتمضي سوريا بدعم نوعي روسي، وهدفها تحرير كل شبر من الأرض السورية، وهناك هدف عبور نهر الفرات واستعادة المناطق الشمالية، ومنع “داعش” من التحرك صوب دير الزور بموجب الخطة الأميركية للتحرك بإتجاه الجنوب الشرقي، وبعد أن إتّضحت المسرحية الأميركية بالسماح لـ “داعش” بالتحرك شرقاً على طول نهر الفرات وبإتجاه مدينة دير الزور، وكل المؤشرات الميدانية تؤكّد أن الحرب الإستراتيجية الواسعة النطاق ضد سوريا قد إنتهت والمبادرة الآن بيد الجيش العربي السوري والقوى الحليفة.
إن ملامح الفشل الأميركي في فرض أمر واقع عسكري جنوب سوريا أصبح ملموساً من خلال قبول أميركا الهدنة السورية وضمن قنوات الإتصال الروسية – الأميركية.
وكذلك من خلال الإنجاز الهام إذ تمكّن الجيشان السوري والعراقي والحشد الشعبي من فرض أمر واقع جديد وهام على المنطقة الحدودية السورية – العراقية، وهذا ما جعل السعي الأميركي لوضع اليد على خط الحدود مستحيلاً، ولا طريق للأميركيين بعد للدخول الى منطقة الوسط التي صارت سورية – عراقية صرف.
إن إمتلاك الإرادة والقدرة أصبح واقعاً عملياً، وهدفه إسقاط وجود “داعش” في المنطقة الشرقية وصولاً الى معبر القائم والبوكمال وإكمال الطوق على “داعش” في الميادين ودير الزور.
إفترض الجانب الأميركي، أن بإمكانه إمساك جبهة الشمال في الحرب على “داعش”، وهناك حاجته لوجود “داعش” جنوباً وليس القضاء عليه، و”الهدف الحفاظ على شرعية البقاء الأميركي بذريعة الحرب على الإرهاب”، ويعمل الأميركي على تأمين غطاء تعاون مع مكوّن سوري (الجماعات الكردية) بوعدهم ودعمهم بخطة الإنفصال، ويعمل أيضاً على الإمساك بالحدود السورية العراقية والتحكم عبر الحدود بالتواصل الإقتصادي والسياسي والعسكري بين البلدين، وإغلاق خط التواصل بين محور المقاومة وقاعدته الإستراتيجية إيران.
ومن بين أهداف الأميركي إشعال جبهة الجنوب ثم فتح باب التفاوض و”وقف الحرب هناك مقابل إنسحاب “حزب الله”، وفقاً لرؤية الأمن الإسرائيلية”، لكن وقائع الميدان تثبت في كل يوم أن إنجازات مدير الأزمات والحروب الأميركي أصبحت مجرد أحلام واهية ودفنت في صحراء البادية السورية.
والسؤال، وقائع الميدان فرضت نفسها بغير ما يشتهي الجانب الأميركي، وغطرسة القوة لديه منعته من قراءة اللوحة كما هي، وأمام الإنجازات التي حققها أبطال الجيش العربي السوري ومن خلال جهد مشترك في بوتقة محور المقاومة، جعل واشنطن تشعر بأنها تخسر الحرب وخاصة بعد إقفال الجيش العربي السوري والحلفاء البادية، والعراق أمسك البادية من الجهة الشرقية، وتقدم الحلفاء على جبهة جنوب الرقة، ومُنع بذلك المخطط الأميركي ومسرحية “داعش” للتوجه جنوباً واستخدام العامل الكردي لإنتزاع جزء من الجغرافيا السورية.
وجاء حادث إسقاط الطائرة الحربية السورية، وأرادها الأميركي وسيلة للتحكم بمسار الأحداث كما خطط له، لكن الأمر هذا أعطى نتائج عكسية، سوريا أكّدت بأنها سترد وستمنع العدو من تحقيق أهدافه، وجاء الرد الأولي والجواب الواضح بالصواريخ الإيرانية البعيدة المدى التي استهدفت معاقل “داعش” في دير الزور، وهي تأكيد آخر بأن المعركة الفاصلة هي في دير الزور، وهي معركة لن تخاض حسب الأجندة الأميركية.
هذه التطورات الأخيرة، تؤكد بأن أميركا تخطط عسكرياً لإقامة كيان كردي في شمال سوريا على غرار إقليم كردستان العراق، وهذا الدعم الأميركي غير المسبوق “للجماعات الكردية” هدفه تأمين طوق حماية للجانب الأميركي ذاته، وهذا الثمن سيدفعه هذا الكيان الجديد المفترض “الحليف الإستراتيجي”.
والسؤال، ما الذي يدفع أميركا كي تلعب مثل هذه الأدوار، وبعد أن تخلّت عن حلفائها الأتراك التقليديين، وكسرت تفاهماتها مع روسيا في سوريا، وبدأت تتبنّى الأكراد (كحلفاء)؟
ما يجري وصفه لصدام أكبر في الإقليم وقد يتطوّر الى حرب شاملة في ظل وجود “ترامب” الذي يريد إثبات قدراته لتعزيز شعبيته المتهاوية في الداخل، يبدو وبكل تأكيد، أن أميركا تحاول تعويض تراجع نفوذها بسبب ضعف أدواتها في المنطقة ومَن يقاتل تحت رايتها، وبسبب الفشل الذي حصدته حروبها الخاسرة ورهاناتها على الإرهاب والإستثمار فيه، وهي فشلت في تحقيق أهدافها في إسقاط الدولة السورية.
أميركا اليوم، على حافة هاوية وهي الخاسر الأكبر في المنطقة، وروسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المحاولات الأميركية لتغيير الواقعين الجغرافي والديموغرافي في سوريا وتقسيمها الى إمارات على أسس عرقية وطائفية.
إن خرق الخطوط الحمر من قبل الجانب الأميركي عبر إسقاط طائرة سورية بعد ست سنوات من الحرب الكونية وصمود الجيش العربي السوري وتماسك مؤسسات الدولة، كلها تؤكّد بأن التقسيم والتفتيت أصبح أكثر صعوبة من أي وقت آخر وهو سيجر الأميركي الى حرب خاسرة، وهنا تكمن حالة الغضب الأميركي التي تقف وراء الإرتباك والإستفزازات العسكرية المتلاحقة، والقادم أعظم!.