تنفيذاً لخطة قدّمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويمكن أن تشكل خريطة طريق حقيقية وفاعلة، للقضاء على تنظيمي “النصرة وداعش”، وتثبيت وقف إطلاق النار وإعادة الحياة الى منظومة جنيف للتوصل الى حل سياسي، كان الإتفاق الذي وقّعه ممثلو روسيا وإيران وتركيا في مدينة آستانا الكازاخستانية يوم الرابع من أيار 2017، ونصّ على إقامة مناطق تخفيف التصعيد في سوريا.
وللتعرف على مضامين المفاوضات التي أنتجت مذكرة “الإتفاق”، نشير الى ما أوضحه رئيس الوفد الروسي الى مفاوضات آستانا ألكسندر لافرينتيف: “إنه يحظر على طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن العمل في أجواء مناطق وقف التصعيد في سوريا منذ التوقيع على المذكرة الخاصة بإنشاء هذه المناطق، والمذكرة لا تسمح بعمل الطيران الحربي في أجواء المناطق ولاسيما طيران التحالف، ومهما كان ذلك بإبلاغ مسبق أو دون إبلاغ، “لقد تمّ إغلاق هذه المسألة”.
لكن الأهداف التي يسمح للتحالف الدولي بضربها في سوريا هي مواقع “داعش” في منطقة الرقة وفي عدد من البلدات قرب الفرات، وفي دير الزور وفي الأراضي العراقية.
وأبرز بنود وثيقة المقترحات الروسية حول مناطق “تخفيف التصعيد” هي: “إنشاء مناطق في محافظة إدلب والى الشمال من حمص وفي الغوطة الشرقية، وفي جنوب سوريا”، وينشئها الضامنون والأطراف المعنية الأخرى.
والهدف، وضع حد فوري للعنف وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع المسلح الداخلي في الجمهورية العربية السورية، وضبط الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة، وتوفير ظروف وصول إسعاف سريع وآمن تحت سيطرة الضامن، وتهيئة الظروف لتقديم المعونة الطبية والإحتياجات التجارية والمدنية، واستعادة المرافق والهياكل الإجتماعية وإمداد المياه ونظم دعم الحياة.
وأكّد الدكتور بشار الجعفري رئيس وفد الجمهورية العربية السورية الى اجتماع آستانا: “إنطلاقاً من استعدادنا للموافقة على كل ما من شأنه أن يساعد على عودة الشعب السوري الى الحياة الطبيعية قدر الإمكان، فنحن نؤيّد المبادرة الروسية حول تخفيف التوتر ونؤكد الإلتزام بنظام وقف الأعمال القتالية الموقع في 30 كانون الأول عام 2016 بما فيه عدم قصف هذه المناطق”، وأكّد الجعفري “استمرار الجيش والقوات المسلحة والقوات الرديفة والحلفاء في حربهم ضد الإرهاب ومكافحتهم لتنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما أينما وجدوا على امتداد الأراضي السورية”.
وعن تقييمه لإتفاق آستانا – 4، قال الجعفري: “إتفاق آستانا – 4 قفزة نوعية بإنجازاتها، وهذا يساعد في حقن دماء السوريين وفتح الباب أمام الحل السياسي”.
ويرى مرافبون، أن أهم نقطة في الوثيقة هي النص حرفياً: “على الدول الضامنة لهذا الإتفاق، مساعدة القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، على قتال تنظيمي “داعش” و”النصرة” وما يتبعهما وتشكيل فريق عمل لإنشاء مناطق وقف التصعيد في غضون خمسة أيام، وهذا يعني أن تقاتل الفصائل المسلحة جنباً الى جنب مع قوات الجيش السوري وبدعم من إيران وروسيا وتركيا، وهذا إنقلاب سياسي وعسكري غير مسبوق في الأزمة السورية.
والملاحظ أيضاً عدم وجود مسار سياسي يوازي ويضمن تطبيق الإنتقال السياسي الذي تتحدث عنه المعارضة، وهذا يؤكد فشل ما سمي معارضة ومَن يدعمها في تحقيق أي إنجاز تتحدث عنه، إذن وقائع الميدان والإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري، والقوات الرديفة تمكّنت من فرض أجندتها على مفاوضات آستانا.
وبالتالي، سقط الرهان التركي لإنشاء “مناطق آمنة” تجمع الإرهابيين المسلحين وتأمين الحراسة والحماية الدولية لهم، بما يمنع الدولة السورية من الإقتراب من تلك المناطق، ومصطلح “المناطق الآمنة” ارتبطت خلال السنوات الماضية، بمحاولات إقليمية ودولية حثيثة، لفصل بعض المناطق السورية عن المركز السوري، وتسليمها للإرهابيين، لكي تكون قاعدة ومنطلقاً لهم، للحرب على الدولة السورية والشعب والجيش السوري.
وأما في الواقع الحالي، إختلف الأمر وأصبحت الغاية الأولى لسوريا وحلفائها، هي دفع داعمي الإرهاب للفصل بين مستويات الإرهابيين، بما يشتّت قواهم ويضعف فاعليتهم، وهذا يؤكّد استمرار الدولة السورية وأصدقائها في محاربة إرهابيي “داعش والنصرة” ومفرزاتهما في أي مكان يتواجدون فيه، ومنع رفد تلك المناطق بأي دعم تسليحي أو تعبوي أو بشري وإقرار الجميع بوحدة الأراضي السورية، وهذا ما تؤكّده بنود وثيقة آستانا – 4.
المطلوب الآن تنفيذ بنود ما تمّ الإتفاق عليه، وأي مناورة لعرقلة التنفيذ ستحاول استغلال الفرصة لتعزيز قوة الإرهابيين من الداعمين، عندها ستواصل الدولة السورية وحلفاؤها الحرب على الإرهاب دون هوادة مهما كانت تسمياتهم ولبوسهم، وما جرى خطوة على الطريق ستثبت صحة الرؤى السورية وصوابية المسار.
وباختصار شديد يكفي الإكتفاء بما أوضحه المحلل الفرنسي العسكري لوران بيرون لصحيفة ليبراسيون من أن “الحرب في سوريا أخذت منحى جديداً يكمل به الإنتصار السياسي للعبقرية السورية الروسية النصر الكامل على الجغرافيا، وبهذا تبقى سيادة الحكومة السورية على الجغرافيا السورية كاملة، وبهذا ينقطع الطريق على دول الإقليم أن تعطي أوامر للإرهابيين بشن هجمات صاروخية بالهاون على دمشق وغيرها”.
وقال أيضاً: “أقول للسوريين الذين لم تعجبهم مناطق خفض التوتر، إنتظروا وسيكون النصر لكم ولجيشكم الحكومي، إهدأوا وانتظروا نصركم مع الرئيس الأسد بعد أشهر فقط…”.