أثبتت السنوات الماضية بأن مآل الصراع في عالمنا العربي سيؤثر على المنطقة كلها من خلال التغيير الذي يحصل في المعادلات الإقليمية والدولية، وهناك دول مستهدفة بعينها من قبل دول الغرب الإستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة، والإجتياح الأميركي للعراق عام 2003 مازالت تداعياته مستمرة على المنطقة وإن بأشكال مختلفة، لكنه المشروع ذاته وبكل أهدافه.
ما يجري من عدوان مستمر على المنطقة واستهداف خاص على سوريا والعراق واليمن وليبيا هو الفصل الأول في الحرب المجنونة التي تُشن على المنطقة، أنها حرب التفتيت والتقسيم وهي جوهر المشروع الإستعماري – الصهيوني – الرجعي، وهدفه إضعاف الدول التي تؤمن بخيار المقاومة والممانعة كطريق للمواجهة وسبيل لصون حرية الأوطان والحفاظ على ثرواتها وكرامة إنسانها.
ما يريده أصحاب المشروع الإستعماري، تأمين مصالحهم في المنطقة والعمل على خلق حالة من الفوضى وإثارة الفتنة والحروب الطائفية والعرقية واستخدام العصابات المأجورة والمستوردة وإضعاف الدول القائمة لصالح الكيان الصهيوني ودول الهيمنة الاستعمارية.
وتتقاطع الإستراتيجية الإستعمارية مع الإستراتجية الصهيونية منذ توقيع إتفاقية كامب ديفيد سيئة الصيت، وهي ترى في سوريا والعراق عقبة أمام توسع الكيان الصهيوني، لذلك اقترح جورج بوش الإبن مشروع الشرق الأوسط الكبير في السادس من تشرين الثاني في عام 2003 تحت إسم استراتيجية “تحرير الشرق الاوسط”، وإحداث تغيير في 22 بلد بما يخدم المصالح الأميركية والصهيونية عن طريق ما أسموه “عملية إصلاحية شاملة في الدول العربية والإسلامية”، ورسم خريطة جديدة من خلال السيطرة على مصادر البترول وتوفير الأمن للكيان الصهيوني كثكنة متقدمة ورأس حربتهم في المنطقة، وتمّ التركيز في مشروعهم على “الوضع المتخلف لدول المنطقة وذريعة غياب الديمقراطية وعدم احترام حقوق الإنسان، وهذا ما يساعد على التطرف”، وهذا ما يفسر الإستثمار الأميركي في الإرهاب من خلال دعمه بكل أسباب القوة عبر عملائها في المنطقة، وهنا نذكر الوصف الذي أطلقه “فرانسيس بويل”، أستاذ القانون الدولي في جامعة ألينوي على ما يسمى تنظيم “داعش” الإرهابي بـ “عملية الإستخبارات الأميركية السرية” التي تهدف الى تدمير سوريا والعراق على وجه التحديد، لذلك تمّ اعتماد استراتيجية تقوم على الفوضى وعدم الإستقرار لتدمير الدول ونهبها!.
وهنا نذكر الدور التركي من خلال الوكالة الأميركية ومؤشرات الفشل تبدو واضحة، إذ إعتبر كمال قيليتش دار أوغلو حسب صحيفة “جرييت” التركية المعارضة: “أن بلاده تكبّدت هزيمة في تاريخ سياستها الخارجية إثر مساعيها لإسقاط الدولة السورية” وتوقع قيليتش: “أن تحتاج تركيا الى 10 أعوام تقريباً للخروج من مستنقع الشرق الأوسط”.
وفي التساؤلات وهي كثيرة حول الصراع الدائر في المنطقة، ومَن المستفيد ومَن هو الخاسر الأكبر! ولا يحتاج المرء الى عناء طويل كي يدرك حقيقة ما يجري على أرض الواقع.
ونقول أي تيه هذا الذي تعيشه تلك الأنظمة التي تبذر قدرات الأمة وترتبط بالمشيئة الأميركية وصولاً الى حد الإرتهان التام ومصادر قرارها وتسخيرها لخدمة الأجندة الإستعمارية؟!
ألا تكفي سنوات الضياع والأوهام وتسويق “ربيع مزيف” وثبت بشكل قاطع حجم المؤامرة والحرب القذرة التي تشن على سوريا واليمن والعراق وليبيا، والهدف إضعاف تلك الدول تمهيداً لتصفية قضايا العرب وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية.
ونسي الأتباع وأدوات المشروع الإستعماري، أن خيار الحرب واستخدام طاقات الأمة يفترض أن يأتي لنصرة قضايا الأمة ولردع الأعداء وتأمين حرية الأوطان والمواطن العربي وليس من أجل تبذير الإمكانيات وإضاعة البوصلة ومصادرة الإرادة لصالح المشاريع الإستعمارية – المتصهينة!
ما يجري في المنطقة هو صراع إرادات، ونحن أمام حرب وجود أو لا وجود في مواجهة الحرب الإستعمارية الصهيونية – الرجعية.
وأثبتت السنوات الماضية، أن عدونا يتعامل من منطلق حرب الإبادة والتهجر والتدمير الشامل، وللأسف تستخدم قدرات الأمة وطاقاتها من أجل هدم ما تمّ إنجازه خلال عقود من الزمن، وعلى أيادي حفنة من المجانين الذين فرطوا بكل شيء إلا من خدمة أسيادهم وقوتهم أصبحت مسخرة لخدمة الأعداء ومبادراتهم تصب في صالح المشروع الإستعماري في المنطقة، أين أصبحت ما سمي “مبادرة السلام العربية”، ألم تكن سوى مظلة سمحت للصهيوني باحتلال الضفة الغربية ووأد انتفاضة الشعب الفلسطيني، وليس غرابة أيضاً، أن تعقد قمة البحر الميت وعلى مقربة من القدس ولم تذكر القدس أو اليمن أو سوريا ولم تنتصر لفلسطين ولشعبها ولأسرى الحرية والكرامة.
ويستمر الصراع والنصر دائماً للقضايا النظيفة قضايا الحق والعدل، وتؤخذ بالمقاومة وهي أقصر الطرق لإنتزاع الحقوق وهزيمة المشاريع الإستعمارية في المنطقة.