منذ أكثر من ست سنوات تواجه سوريا أكبر هجمة شرسة، وفي أبعاد الإستهداف، فهي تطال المنطقة بأسرها وأيضاً لا تستهدف سوريا وحدها وإنما يريدون من خلالها تغيير المعادلات في المنطقة وفرض وتثبيت الآحادية الأميركية المتحكمة بمصائر الدول والشعوب.
وهذه الحرب الكونية تمثل المشروع الإستعماري في أوج تجلياته العدوانية وإصراره على تحقيق إنجاز كبير يؤسس لمائة عام جديدة بعد أن إنتهت صلاحية “سايكس بيكو” وسقطت معها بالتقادم جميع المعاهدات التي أعقبت الحربين العالمتين الأولى والثانية.
ما يجري أكبر من حرب باردة جديدة، إنه يؤسس من خلال نتائجه لمرحلة جديدة بدأت ملامحها تتضح على خلاف ما تشتهي الولايات المتحدة والدول الحليفة والتابعة والدائرة في فلكها.
بقيت الثوابت، وظلّت سوريا وفية لكل أهدافها الوطنية والقومية ودورها ومعها كل شرفاء الأمة، وستظلّ سوريا بوصلة الكرامة والشهامة وهي العابرة لكل الطوائف والأعراف، وهذا ليس وصفاً سرمدياً، إنه الواقع بكل ما فيه والمعمّد بالتضحيات، وتباشير النصر المؤزر تلوح في الأفق وهي واعدة بالكثير، إنه موسم الحصاد والحسم وفجر جديد ينتصر فيه الحق وينهزم الباطل الى غير رجعة.
يكفي أن ندقق في وقائع الميدان بكل تجلياته، ولنأخذ عينة من مأزق الأعداء الذي بدأ يتفاقم بعد الرد الصاروخي السوري وإسقاط طائرة إسرائيلية وإصابة أخرى، والفاصلة كانت “تدمر”، المدينة السورية الشاهدة على تاريخ مازال يروي حكايات البطولة والفداء، ويمكن القول إن الرد السوري الرادع على الأعداء خلط الأوراق وغيّر المعادلات العسكرية والإستراتيجية في المنطقة وثبّت وقائع جديدة على الأرض.
وفي قراءة متأنية للمرحلة الراهنة يمكن استخلاص الكثير من الدروس والعبر وردود الفعل الإقليمية والدولية وخاصة رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي هنأ الرئيس بشار الأسد بعيد الجلاء 17 نيسان، وأيضاً في جرأة القيادة السورية في اختيار توقيت هام وبالغ الحساسية والتأثير وإرساء معادلة ردع جديدة لها ما بعدها من خطوات أخرى.
المؤشرات كثيرة منها، موقف الحليف الروسي وهو موقف واضح وحازم حيث استدعت الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي للمرة الأولى في تاريخ العلاقات وهو تعبير عن الغضب ورغبة في وضع حد للعربدة الإسرائيلية في المنطقة.
وفي الحسابات والإنجازات هناك النجاحات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري في الميدان ومعه أركان محور المقاومة، حيث تمّ استعادة حلب وتدمر ومناطق هامة في حمص وحماه وفي باقي المدن السورية.
وعلى المستوى الإقليمي وفي وقائع الميدان والصراع في المنطقة، أصبح “حزب الله” رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، وهو لم يعد محصوراً في بقعة جغرافية واحدة في المنطقة، وهو يثبت وجوده وحضوره الرادع على كافة مساحات الأرض السورية، وهنا تتجلى عظمة محور المقاومة في التجسيد العملي، وهذا ما يقلق الأعداء جميعهم ويضع العدو الإسرائيلي في وضع صعب وخيارات محدودة في زاوية ضيقة، وأصبحت تهديداته غير قابلة للصرف في الميدان.
أما عن الحليف الروسي فقد أصبح أكبر قوة واقتدار، وبات يتخذ من المنطقة ومن شمال أفريقيا أيضاً منطلقاً لجعل الحرب على الإرهاب هدفاً أساسياً ضمن أولوياته وهذا لم يأتِ من الفراغ وإنما بُني على أسس راسخة ومتينة بالإنجازات التي حققها محور المقاومة وأركانه كافة، وهي إنجازات قابلة للصرف في المعادلة الإقليمية والموازين الدولية.
لقد ولّى زمن الغطرسة الإسرائيلية ويقترب من نهاياته، وأي تهور يرتكبه العدو ستكون تبعاته رادعة وربما تجر الى اشتعال فتيل حرب شاملة في المنطقة.
صمدت سوريا وهي اليوم تنتصر في كل معاركها ومازالت الثابت الوحيد ومعها كل الشرفاء في أمتنا، والملتزمة بقضايا أمتها في فلسطين، قضية الأمة جمعاء، وبينما يفشل الأعداء وأعوانهم، سوريا اليوم في موسم الردع والحسم والأيام الآتية سيكون لها وقعها في تاريخنا وهي بشائر النصر الحاسم.