فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الإنتخابات التي جرت يوم 8 تشرين الثاني 2016، بعد نيله الغالبية المطلوبة من أصوات المجمع الإنتخابي، وتغلب على المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في منافسة حامية عكست إنقساماً حاداً بين الأميركيين.
ونال ترامب في حصيلة أخيرة بـ 288 صوتاً من أصوات كبار الناخبين بعدما فاز بولايات تكساس وفلوريدا وبنسلفانيا وويسكنسون وكارولينا الشمالية وأوهايو وجورجيا الأساسية، إضافة إلى ولايات آيوا ومونتانا ووايومينغ ونورث داكوتا وساوث داكوتا ونبراسكا وكنساس وأوكلاهوما ولويزيانا وأركنساس وميزوري وإنديانا وكنتاكي وتنيسي وآلاباما وميسيسيبي وكارولاينا الجنوبية وويست فيرجينيا ويوتاه.
وفي المقابل حصلت كلينتون على أصوات ولايات كاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرزي وفيرجينيا وإيلينوي الأساسية، إضافة الى فوزها في ولايات مينيسوتا ونيوميكسيكو ونيويورك وفيرمونت وماساتشوستس وكولورادو وواشنطن ورود آيلاند وديلاوير وأوريغون وميريلاند وكونيكتكت وهاواي ونيفادا.
وحقق المرشحان إنتصارات مبكرة في ولايات كان من المتوقع لهما الفوز فيها، إذ فاز ترامب بالولايات المحافظة في الجنوب والغرب الأوسط، فيما اكتسحت كلينتون عدداً من الولايات على الساحل الشرقي.
لم يكن فوز ترامب بالرئاسة الأميركية مفاجئاً فقط، بل شكّل بوصوله الى البيت البيض، نقطة تحوّل واضحة المعالم، في النظام الدولي السائد منذ عقود، لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة إذ سبقها نقاط تحوّل أذهلت العالم أجمع مع وصول فلاديمير بوتين الى السلطة في روسيا وتجديد ثقة الشعب الروسي به أكثر من مرة، ما قاده لاحقاً الى أوّل تدخل روسي عسكري في الشرق الأوسط، مروراً بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وصولاً الى فرنسا حيث يحضّر المسرح لدخول فرانسوا فييون قصر الإيليزيه في أيار المقبل.
ترامب كشف عن خطواته التي ينوي إتخاذها فور تسلّمه مقاليد السلطة في بلاده والتي حدّدها بخمس نقاط، وهي الهجرة والأمن القومي وإصلاح الطبقة السياسية وملف الطاقة وأخيراً وليس آخراً إلغاء اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ التي وضعها الرئيس الحالي باراك أوباما بهدف تقوية النفوذ الأميركي في آسيا ضمن استراتيجية تحويل المسار والأولوية من الشرق الأوسط إلى آسيا.
والواضح أنّ كلّ هذه النقاط لها علاقة بالداخل الأميركي بما فيه إتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ ومن زاوية استعادة دائرة التوظيف وتحريك الصناعة. فبالنسبة الى الرئيس الأميركي المنتخب: «المجتمع الأميركي أوّلاً».
ومعه تبدو إهتمامات ترامب بضرب “داعش” والقضاء عليه لحماية أمن المجتمع الأميركي، ولو كان الثمن الإقرار بالشراكة الروسية وتوسيع مهماتها في سوريا واستفادة الأخيرة من هذا الواقع الجديد: ففي الرابع عشر من تشرين الثاني، تهاتف بوتين وترامب. كان هذا الإتصال الثاني المعروف بينهما. أفاد الكرملين رسمياً بأنهما تحادثا عن “ضرورة توحيد الجهود في محاربة الإرهاب”، وبحثا في “سبل تسوية الأزمة السورية”.
في اليوم التالي، أي 15/11 قال الرئيس الأسد في لقائه مع التلفزيون البرتغالي: “إذا كان ترامب يريد محاربة الإرهابيين فسنكون حلفاء طبيعيين له مع الروس والإيرانيين”. هذا يعكس تناغماً مع تصريحات عديدة لترامب قال فيها أن الأسد ليس مشكلته وإنما تنظيم “داعش”، وأنه لن يدعم تسليح المعارضة.
إنعكاسات الإنتخابات الأميركية على السياسة الدولية
الآن وقد انتهت الإنتخابات الأميركية، بُبعديها الرئاسي والتشريعي، وعرف القاصي والداني هوية رئيس الولايات المتحدة لأربع سنوات تبدأ من تاريخ انتقال دونالد ترامب رسمياً إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، وبسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس، على الأقل لعامين قادمين، علينا أن نبحث في مرحلة ما بعد تلك الانتخابات المهمة، من حيث تداعيات نتائجها وانعكاساتها، ليس فقط على أميركا، بل على العالم بأسره، ما يدفعنا إلى التركيز على التداعيات الخارجية لنتائج تلك الانتخابات، بسبب الدور الرئيسي الذي تلعبه الولايات المتحدة على مسرح الأحداث العالمية. وأول ما يخطر على البال في هذا الصدد هو دلالات ذلك الحدث وتأثيراته على قوة اليمين على الصعيد العالمي، وعلى صعيد المعسكر الغربي خصوصاً، وقد يمتد الأمر إلى قارات العالم الأخرى، حيث في آسيا يحكم اليمين مثلاً في الهند وباكستان، وفي أميركا اللاتينية عاد اليمين بالفعل في الآونة الأخيرة إلى مقاعد الحكم في بلدان رئيسة مثل البرازيل والأرجنتين، بينما تزداد ضغوط اليمين في فنزويلا لإسقاط الرئيس اليساري. إلا أن التخوف الأكثر تحديداً هو من وصول اليمين المتشدد إلى السيطرة على السلطة في بلدان العالم الأخرى، خصوصاً في بلدان المعسكر الغربي، بكل ما يحمله ذلك من أخطار ليس فقط على البلدان التي يصل فيها هذا اليمين إلى الحكم، بل على المحيط الجغرافي لتلك الدول، ومن ثم على المجتمع الدولي بأكمله.
فمن حيث المبدأ، فإن التوقع العام سيغلب على مواقف واشنطن تجاه البلدان الأخرى الطابع “الوظيفي” للعلاقات معها، أي بقدر ما ستخدم به هذه العلاقات المصالح الأميركية العليا كما تراها الإدارة الجمهورية الجديدة، سواء استراتيجياً أو أمنياً أو سياسياً أو اقتصادياً. وهذا يبدو أمراً طبيعياً في ضوء خلفية الرئيس الجديد وكونه رجل أعمال، وعادة ما يغلب على تفكير رجال الأعمال الطابع البراغماتي ومنح الأولوية للمصالح العملية والاستفادة الفعلية والمكاسب الملموسة.
قد يبدو مبكراً لإصدار أحكام في شأن المواقف التي ستتبناها الإدارة الجديدة إزاء قضايا الشرق الأوسط ومجمل القضايا التي تهم العرب، فإن هناك إرهاصات يمكن استنباط دلالاتها من بين السطور وتصور ترجمتها إلى أفعال وسياسات في المستقبل القريب. ومن ذلك عدم تصور حدوث تغيير في العلاقات الأميركية مع “إسرائيل”، إلا إلى التحسن، وعدم توقع حدوث أي درجة من درجات الحلحلة والتحريك للقضية الفلسطينية، إلا إذا حدث من داخل أتون الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من التحولات ما قد يدفع الإدارة الأميركية إلى التعامل مع هذا الصراع من منطلقات جديدة، ومن ثم الدفع بمبادرات أو تبني أدوار أكثر فعالية بغرض احتواء وتحجيم أي خطر يحدق بالمصالح الأميركية.
كذلك، فمن الوارد أن يطرأ تشدد على المواقف الأميركية تجاه إيران، ليس فقط في ضوء ما أعلنه الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية من مواقف إزاء الإتفاق النووي مع الدول الست، ولكن أيضاً في ضوء تصريحات الناطق باسم الخارجية الأميركية يوم إعلان فوز ترامب بمقعد الرئاسة، والتي ورد فيها أن الاتفاق النووي مع إيران غير ملزم. إلا أن هذا التشدد قد لا يؤدي بالضرورة إلى إدخال تغييرات على ذلك الإتفاق في ضوء أنه لم يكن ثنائياً بين طهران وواشنطن، ولكنه كان بين إيران ومجموعة الدول الست، والتي وإن ضمت دولاً حليفة لواشنطن فإنها ضمت أيضاً الإتحاد الروسي والصين الشعبية. وبالتالي، إن لم تنجح واشنطن في إقناع بقية حلفائها ودول أخرى بتبني موقف تعديل الإتفاق أو إلغائه، فلن يكون أمامها سوى الإختيار بين البقاء فيه والتأكد من تنفيذ طهران لبنوده، أو الخروج منه من جانب واحد.
هذا لا يعني أن إدارة ترامب ستنحاز ضد إيران في معاركها الإقليمية، أو أنها ستتبنى الدول الخليجية كحليف في العلاقات الأميركية – الخليجية – الإيرانية. في أقصى الحالات قد توافق إدارة ترامب على إعادة طرح العلاقات مع إيران من ناحية مشاريعها الإقليمية التوسعية – فقط إذا أجبرتها التطورات في سورية والعراق واليمن ولبنان على ذلك، وليس في إطار العلاقات الأميركية – الخليجية. فإيران تبقى مشروع شراكة الأمر الواقع في الأولوية الأميركية في عهد ترامب، وهي محاربة “داعش”. فإرهاب 11/9 ما زال محركاً أساسياً في سياسة أميركا في الشرق الأوسط، ما يفيد العلاقة الأميركية مع إيران التي تقود الحرب على الإرهاب.
روسيا موضوع آخر. الدول الأوروبية تعي عواقب تقارب دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على حساب سياسات رئيسية بين الإتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي وبين الولايات المتحدة. بريطانيا في طليعة الدول التي تتخذ مواقف ناقدة ومحذّرة من السياسة الروسية في سوريا وفي أوكرانيا.
وتحسباً لما قد تأتي به المودة الشخصية أو التلميحات بنقلة نوعية في العلاقة الأميركية – الروسية في عهد ترامب وبوتين، بدأ الإتحاد الأوروبي إعداد خطة تتحدى روسيا من منطلق استراتيجية “الوخز بالدبوس” لزيادة الضغوط على الحكومة الروسية وكذلك على الحكومة السورية. هذه الاستراتيجية تشمل فرض العقوبات الاقتصادية وإجراءات العزل الدبلوماسية والاستعداد للمحاسبة والعقاب.
والسؤال هل ستثمر مثل هذه الخطة؟ الأمر يتوقف على وقائع الميدان في منطقة الشرق الأوسط ومدى نجاح روسيا في دورها الدولي بعد تغيّر الموازين.
سياسة ترامب الخارجية موضع جدل وقلق دولي
الواضح أن ترامب بدأ التأقلم مع متطلبات المنصب، لكنه ليس في طلاق مع المرشح ترامب الذي خاض الحملة الانتخابية، وهذا هو تماماً موضع قلق الذين يخشون أن تأتي هذه الخامة غير التقليدية إلى الرئاسة الأميركية من دون خبرة حكم أو تجربة سياسية لتتخذ القرارات المصيرية باعتباطية الإنفرادية.
الرئيس باراك أوباما نفّذ بعض وعود دونالد ترامب فعلياً أثناء ولايتيه من 8 سنوات بالذات في مسألة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين تم تصنيفهم مجرمين وخارجين على القانون. أوباما اكتسب سمعة “القائد الأعلى للترحيل”، لأنه رحّل أكثر من 2,5 مليون شخص ما بين 2009 و2015. دونالد ترامب بدأ التسلق هبوطاً بقوله أن الفوج الأول من الترحيل سيكون لحوالى 2 مليون مجرم وخارج على القانون وليس لكامل الـ11 مليون مهاجر غير شرعي.
كذلك في مسألة الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي تم بناء ثلثه حتى الآن. ترامب يتحدث الآن عن أجزاء من الحائط الموعود تكون سياجاً لا جداراً. يقول أنه خبير بناء ويعرف كيف يوفّق بين السياج والجدار.
أثناء الحملة الانتخابية، تحدث ترامب بلغة عدائية وتهديدية مع الصين. أما عندما أصبح رئيساً منتخباً، فقد بدأ لغة التواصل والبراغماتية مع القيادة الصينية.
أطاح ترامب بالأسرتين اللتين أرادتا أن تصبحا شبه أسرة حاكمة في المشهد السياسي الأميركي – آل بوش وآل كلينتون. فرض على الحزبين الجمهوري والديموقراطي، الكف عن افتراض أحقية كل منهما بالهيمنة على العملية السياسية الأميركية وفرض عليهما مراجعة النفس جدياً. فضح وسائل الاستطلاعات ووسائل الإعلام التي انحازت بمعظمها ضده تلقائياً.
وفوز دونالد ترامب بالرئاسة أتى بمثابة استفتاء على أداء الرئيس الحالي باراك أوباما ورفض ولاية ثالثة له عبر مرشحة الحزب الجمهوري، وزيرة خارجيته السابقة، هيلاري كلينتون.
لكن مدى عدم الثقة بهيلاري كلينتون نتيجة التحقيق الفيديرالي باستخدامها الرسائل الإلكترونية خارج الطرق الديبلوماسية المعهودة كان ناخباً مهماً في المعركة الرئاسية. كذلك تاريخ الفضائح الذي ارتبط أيضاً بآل كلينتون والتهم ضد الرئيس السابق بيل وهيلاري كلينتون بالفساد.
واقعياً، سيكون صعباً على الرئيس المنتخب تنفيذ كامل وعود المرشح للرئاسة لأسباب براغماتية وواقعية. فمشروع ترحيل 10 ملايين مهاجر غير شرعي ليس نزهة، وبناء جدار فاصل مع المكسيك تدفع كلفته الحكومة المكسيكية ليس شخطة قلم. تفكيك برنامج التأمين الصحي المعروف باسم “أوباما كاير” قد يتصدّر أولويات التغيير الموعود وربما أيضاً نسبة الفائدة وإعادة النظر في جداول الضرائب الأميركية. لكن إلغاء الإتفاقيات الدولية أو أسس التعاقد مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” أمر تترتب عليه تداعيات اقتصادية وسياسية، أميركية ودولية، قد لا يكون ترامب جاهزاً لأخذه على عاتقه في مطلع ولايته لأربع سنوات.
الرئيس المنتخب دونالد ترامب لن ينفذ، على الأرجح، تلميحاته بإبطال الإتفاق النووي مع إيران لكنه لن يضع نفسه ومبادئه وسياساته رهن ذلك الإتفاق كما فعل باراك أوباما. سيضع طهران في موضع المراقبة لأنه، أساساً، يعتبره ناقصاً وضعيفاً في خدمة المصالح الأميركية كما في إيقاف طموحات ومشاريع إيران النووية لمجرد عشر سنوات.
هذا التغيير المنتظر في العلاقة الأميركية – الإيرانية في عهد ترامب لن يكون إطاحة بالنقلة النوعية في العلاقات الأميركية – الإيرانية كما صاغها أوباما، لكنه ليس تطوراً عابراً. لعل الفارق بين سياسة أوباما التي تصادمت مع الدول الخليجية وبالذات السعودية، مرجحة الأولوية الإيرانية في الاعتبارات الأميركية، وبين سياسة ترامب التي تضع إيران والدول الخليجية على مسافة واحدة من الأولويات الأميركية هو الذي سيميّز ولاية ترامب في علاقاته مع إيران والدول الخليجية العربية. فإذا حدث ذلك، سيكون تطوّراً جذرياً.
أما عن رؤية ترامب للدور المصري فثمة آراء مشتركة وأفكار تجمع بين ترامب والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أبرزها الموقف من جماعة “الإخوان المسلمين”، حيث وصفها ترامب بـ “المتشددة” في خطاب له، متهماً الإدارة الأميركية السابقة بمساعدتها للوصول إلى الحكم على حساب الرئيس حسني مبارك.
أما على جانب العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، فتبدو أنقرة قوة إقليمية مؤثرة في خطاب ترامب الذي وجد أن الرئيس رجب طيب أردوغان “قائد ذكي” في طريقة تعامله مع محاولة الإنقلاب، ويعتقد أنه بوجود تعاون مع تركيا يمكن للولايات المتحدة التصدّي لتنظيم “داعش”. وفي ما يتعلق بقمع الحريات في تركيا التي يمارسها أردوغان وكيفية التحالف معه في ظل هذه الإنتهاكات، فيرى أن الولايات المتحدة نفسها تعاني من مشاكل تتعلق بالحريات المدنية، وأنه من الأفضل التركيز على حماية الحريات المدنية بها، فالولايات المتحدة ليس لديها الحق في تعليم الآخرين ما يتعلق بشؤونهم الداخلية. وبخصوص التحالف مع الأكراد وتركيا في الوقت نفسه على رغم الخلافات الحادة بينهما، فرد ترامب بأنه سوف يسعى لعمل تحالف يجمع بينهما بما يخدم المصالح الأميركية.
مستقبل العلاقات الخليجية – الأميركية مع الإدارة الجديدة
مرت العلاقات الأميركية – السعودية طوال العقد الماضي بتغيرات واختلاف في وجهات النظر حول مصالح البلدين، وشهدت فتوراً في بعض مراحلها.
ولا بد أن ندرك أن ما كان ثابتاً في العلاقة التاريخية بين السعودية وواشنطن تغير وفقاً لمعطيات ومتغيرات جديدة علينا أن نستوعبها ونعمل على ضوئها: فمع محاولة المملكة العربية السعودية فرض نفسها كقوة إقليمية، عبر اضطلاعها بأدوار مباشرة في الحرب في سوريا واليمن وتأثيرها على بعض الأوضاع في المنطقة، فأن ترامب، أكد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تدافع عن السعودية ما لم تدفع مقابل هذا الدفاع، معتبرا أن السعودية لا تدفع مقابلاً عادلاً لقاء الدفاع عنها من الولايات المتحدة ولهذا يجب إلغاء التحالف بين واشنطن والرياض. وإذا كان ترامب يرى أن دول المنطقة يجب أن تدفع مقابلاً عادلاً لقاء دفاع الولايات المتحدة عنها، فإن هذا المقابل العادل قد يكون فرض قبول سعودي بدور إسرائيلي في بعض قضايا المنطقة. او قد يصل إلى أقصاه بتفعيل قانون “جاستا” لمحاسبة السعودية وبعض دول الخليج فيما يخص رعاية الإرهاب، مما قد يؤدي مباشرة إلى تجميد أموال سعودية وخليجية في الغرب، أو حتى مساومة على تحويلها للاستخدام في الحرب على الإرهاب، وللقبول بتوافقات حول قضايا المنطقة أو تحول هذه القضية لأزمة جديدة من أزمات المنطقة.
لذا فمن الضروري معرفة العقلية والطريقة التي تفكر بها دوائر صناعة القرار في أميركا والمؤسسات المؤثرة فيها، والتي تسهم مع البيت الأبيض في صناعة السياسة الأميركية تجاه المنطقة، لأن هذا سيساعد السعودية ودول الخليج العربي في كيفية التعاطي مع واشنطن وفقاً للمتغيرات الجديدة.
كما أن توحيد الملفات المهمة المشتركة بين الدول الخليجية من شأنه تقوية الموقف الخليجي الموحد أمام الولايات المتحدة والساحة الأوروبية بشكل عام.
من أسباب فوز دونالد ترامب
وصل دونالد ترامب الى هدفه، رئيساً للولايات المتحدة، وصوله كان بمثابة زلزال سياسي، لم تفلح معاهد الإستطلاع التي تمّت تعبئتها ضده.
نام العالم على أمل فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة، ليستيقظ على واقع جديد عجزت كل ديناصورات المؤسسة عن وقف صعوده.
وفي وصوله هناك جملة من المفارقات، الأثرياء والأغنياء الذين طالما اقترعوا للجمهوريين، اقترعوا هذه المرة للديمقراطيين، في حين أن الفقراء أعطوا أصواتهم لدونالد ترامب.
يبدو أن الناخب الأميركي هذه المرة، قرر الرهان على مَن حقق “الحلم الأميركي” وليس على الخبرة السياسية، وقيل الكثير عن أسباب فوز دونالد ترامب، منها خيبة الأمل في سياسة الرئيس باراك أوباما، وفي العقود الأخيرة كانت النخبة السياسية تناقش مسألة حماية حقوق اللاجئين وذوي الأصول الإفريقية وغيرهم، مثل هذه الأمور لم تتحقق بما يلبي حاجات أولئك، وقرّر الناخبون الذين صوتوا لمصلحة أوباما في السابق عدم المشاركة في الإقتراعات أو صوتوا لمصلحة ترامب.
وهناك مَن أشار الى عصيان أميركا البيضاء التي بقيت في الظل، وبقيت المشكلات التي يعاني منها البيض من المزارعين والعمال ورجال الأعمال الذين يوفرون الرخاء الإقتصادي للبلاد مهملة. وملّ الأميركيون من السياسة التقليدية، وبدأ المواطن البسيط يشعر بالضيق من تكرار الماضي، لكن النخبة لم تشعر بأي ضرر.
وعاشت أميركا قبل ثماني سنوات، لحظة تاريخية حين انتخب الرئيس باراك أوباما، وانتظر الجميع فيها تجديداً حاسماً للبلاد، واختراقات في السياسة الخارجية والداخلية على حد سواء، لكن كل شيء جرى على عكس ما كان متوقعاً، فالولايات المتحدة لم تكمل العمليات الحربية في أفغانستان والعراق بعد أن دخلت في أزمات مالية واقتصادية، فسارع أوباما الى اللعب بكافة أوراقه، وسقطت رهاناته وبدأ يحصد الفشل، فإتّجه الى دعم ما يسمى “الربيع العربي” وهذا ما تسبب في نشوء نزاعات جديدة وظهور شبه دولة إرهابية في الشرق الأوسط (داعش).
وفشل أوباما في عملية إعادة تطبيع علاقاته مع روسيا وذهب أبعد من ذلك في أوكرانيا والحصيلة أزمات متتالية، وحاول فريق هيلاري كلينتون الإنتخابي والدعائي اللعب على عامل “بوتين” وكانت النتائج ضد مَن استخدمه وهي أحد الموضوعات الرئيسية (الحديث عن الخطر الروسي) وإتهموا روسيا بالتدخل في الإنتخابات الأميركية وأن ترامب دمية بيد بوتين، وجميع هذه الأمور خلقت للناخب الأميركي شعوراً بأن السياسة الخارجية للديمقراطيين أهم من الداخلية.
وتبقى الأزمات الإقتصادية والمالية الناجمة عن الحروب الأميركية في العالم أحد العوامل التي ساهمت في وصول ترامب الى كرسي الرئاسة، وفشل أوباما عندما راهن على الإرهاب واستثمر فيه، وصمود سوريا في مواجهة الحرب الكونية وصعود روسيا الإتحادية من خلال دورها الفاعل في الشرق الأوسط وفي الأزمة السورية بشكل خاص من العوامل التي دفعت الناخب الأميركي الى خيار التغيير سبيلاً للخروج من الحالة الراهنة والإنسحاب من الأزمات التي ساهمت في صنعها إدارة أوباما، وبذلك تطوي الولايات المتحدة صفحة قديمة من تاريخها، لكن التحديات الموروثة من عهد أوباما وسبل الخروج من تداعياتها السلبية ستكون في أولويات ترامب، وسيعمل على تنمية الإيجابيات وسيلبي ما استطاع من وعوده للمواطن الأميركي، وفي نهاية المطاف تبقى أميركا دولة المؤسسات وآلية صنع المؤسسات فيها تخضع لحسابات معقدة.
وعد ترامب بالكثير وبتحقيق التوازن ما بين الإهتمامات الخارجية ودور أميركا في العالم وبين تحقيق إنجاز على الصعيد الداخلي، وهذا يعني إستدارة أميركية لرؤية المكاسب وحصدها وتخفيف الخسائر، وتعظيم الجدوى من خلال رفع مستوى الأداء بما يحقق الجزء الأكبر من وعوده.
العالم ينتظرالكثير من إدارة ترامب، ويبقى الترقب سيد الموقف الى أن تنجلي الوقائع الجديدة، إنها مسألة وقت.
لقد غير إنتخاب ترامب الكثير من المعادلات، فهو حدث كبير يعكس ردة فعل على العولمة التي قادتها الولايات المتحدة، ويعكس في الوقت نفسه ردة فعل الغرب تجاه الشرق وتجاه العالم الثالث، وردة فعل البيض تجاه قوة صعود الأقليات والمهمشين، بل وردة فعل الإمبراطورية الأميركية على استهدافها وتراجعها العالمي والطبيعي بعد كل الحروب التي تورطت فيها.
أيديولوجية ترامب تعكس الخوف، لهذا سيجد ترامب أنه في حالة تفاوض دائمة مع الدولة الأميركية التي ستسعى الى استيعاب سياساته والتقليل من الفوضى التي قد تطلقها. صعود ترامب سيؤسس لنزاعات جديدة في الداخل والخارج، لكنه سيفتح الباب لفرص جديدة في الشرق الأوسط كما في الداخل الأميركي.
دونالد ترامب أوضح أولوياته ذات العلاقة بالسياسة الخارجية بما فيها تلك الخارقة للمبادئ المفترضة: العراق سيبقى محصوراً في معركة الموصل أثناء إدارة ترامب، إن لم تنته هذه المعركة قبل تسلمه السلطة برفض مشاركة “داعش” بأي طريقة كانت. فترة الوقت الضائع بين اليوم ومنتصف شهر كانون الثاني، قد تسجّل تطوّرات جذرية ميدانية في معركة حلب ليس واضحاً ماذا ستكون نتائجها. روسيا فائقة الأهمية في تلك المعركة، كذلك إيران، كذلك تركيا.
الخاسر المباشر من فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية هي المعارضة السورية المسلحة المعتدلة ومن يدعمها من الدول الخليجية وتركيا. لكن لتركيا موقعاً مميزاً في المعادلة لأنها داخل ساحة الحرب السورية ولأنها عضو في حلف شمال الأطلسي – ودونالد ترامب سيكون في صدد صياغة مواقفه نحو الإثنين.
وإلى حين صياغة ترامب سياساته وتشكيل حكومته، سيبقى العالم متأهباً للمفاجآت من رجل المفاجأة.
والسؤال الذي لا يتمكن أحد بعد من الإجابة عليه هو: أي تغيير يأتي به دونالد ترامب إلى الساحة الأميركية الداخلية وإلى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة؟ التغيير آتٍ، إنما بأية درجة وبأي شكل وإلى أين؟
لميس داغر