شكّل إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية بتاريخ 31 تشرين الأول 2016، فاصلة هامة من تاريخ لبنان وعنوانها مرحلة جديدة بدأت، حُسمت المواجهة.
ورئيس صنع في لبنان، على وقع الصراع المحتدم في المنطقة، في الداخل وبين المكونات، هو تسوية، وفي المضمون هو انتصار للبنان وشعبه، وانتصار عظيم لمحور المقاومة الذي فرض رئيس الجمهورية استناداً لإنتصاراته الإقليمية وفرض موقع لبنان على خارطة المنطقة من خلال التضحيات، وأصبح محور المقاومة يمتلك القدرة على تجاوز الخصوم وفرض قراره، ومَن راهن منذ العام 2004 وعبر القرار 1559 على شطب المقاومة ومحورها من المعادلة اللبنانية والإقليمية، نراه اليوم يتجرّع مرارة الخسارة، وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية يعني اختيار نموذج الحكم الرشيد، ورغم الإلتزام بالطائف، هذا يعني التطبيق الكامل دون تجزئة أو إنتقاء، وأن الرئيس لن يكون الحاكم بأمره وسيكون هناك مجلس وزراء متوازن بعيداً عن الإستئثار الخارجي للبنان وعودة الحكم لبنانياً بمعادلته الذهبية.
في العهد الجديد، اللبنانيون ينتظرون الكثير، والآمال معقودة بالعزم والواقعية وبالحذر من إطلاق العنان لأحلام البعض، لأن التاريخ لا يعود الى الوراء، خاصة أن رئيس الجمهورية لم يعد هو مَن يمسك بزمام السلطة التنفيذية بمقتضى دستور الطائف بعدما إنتقلت الى مجلس الوزراء الذي ينعقد بحضوره أو بغيابه، لكننا وفي مطلق الأحوال نجد أن هناك من الصلاحيات ما هو مستمر بيد الرئيس ويمكنه أن يحول الآمال والوعود الى حقيقة واقعة ومستفيداً من الظروف التي مكّنته من الوصول الى سدة الرئاسة بعد رحلة إنتظار 26 عاماً.
اليوم ينتظر اللبنانيون الإنتقال بالسلطة في لبنان من “جماعة الأشخاص الحاكمة” الى منظومة المؤسسات التي تحكم وتتعاون وفقاً للدستور والقانون، وهذا هو جوهر الإصلاح والتغيير الذي إتّخذه العماد عون شعاراً لحركته السياسية منذ ما يقارب ثلاثة عقود، ويكفي أن يعمل الرئيس بقسمه للمحافظة على الدستور ويطالب كل مؤسسة دستورية القيام بما عليها من واجبات، وتفعيل مؤسسات الرقابة حتى ينتظم العمل في الدولة، ونعوّل على القضاء لإنتظام العمل بكل وجوهه العدلي والإداري والجزائي والدستوري ومحاسبة الفاسدين، وفقاً لتقاريره وتُرفع يد السياسيين عنه حتى يتنفس المواطن الصعداء، وهنا تأتي أهمية تفعيل المجلس الدستوري والإنتقال به الى مؤسسة مستقلة لا تسيّرها إلا مصلحة الدستور ومصلحة لبنان العليا، وهذه هي كل مضامين إصلاحات الطائف.
الفرصة متاحة اليوم كي نختار مَن هم أكفاء للتفتيش المركزي، وإن سلمت النيات وسقطت مقولة “حصتي” المقولة الشهيرة التي يعتمدها البعض وكأن الدولة ملك يتوارثونه عن الآباء والأجداد. وفي الأمن، وكما أثبتت الأحداث والتحديات، لدينا مؤسسات عسكرية وأمنية كفوءة، وهي كفيلة بتأمين أفضل الإنجازات وفقاً للأصول، وعلينا أن نتقدم بقول الحق والحقيقة.
لبناننا يستحق منا الكثير، وتجربة السنوات القليلة الماضية أعطت الكثير من الدروس في الإستباق والردع وحماية البلاد من خطر الإرهاب، وهذا ما ركّز عليه الرئيس ميشال عون في خطاب القسم والمهم أن يتم وضع ذلك موضع التنفيذ، ونحافظ على لبنان ونحميه من كل المخاطر الماثلة، وبذلك نرنوا الى غد واعد ومستقبل يليق بالتضحيات التي قُدّمت كي يبقى لبنان نموذجاً للعيش المشترك والتكامل بين مكوناته.
رئيس “صنع في لبنان”.. ؟!
للمرة الأولى في ظل إتفاق الطائف، منذ عام 1995، يُنتخب رئيس للجمهورية في ظروف “طبيعية”.
ما يصح على جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أن اللبننة الظاهرة تطغى عليها، إذ يذهب الأفرقاء الى الجلسة 46 من تلقائهم بلا وسيط، بلا وساطات إقليمية ودولية، بلا تسوية دموية طبعت في الغالب معظم الإستحقاقات.
يصح ذلك أيضاً على ما هو اكثر أهمية وهي طريقة طبيعية في انتخاب الرئيس.: في جلسة 31 تشرين الأول، يبدو كل أمر يحوط بها طبيعياً أكثر مما يتصوّره اللبنانيون، مقارنة بالوقائع السياسية في خمسينات القرن الماضي، حيث أنتخب الرئيسان رينه معوض والياس هراوي عام 1989 واتفاق الطائف لما يزل حبراً على ورق. صوّت عليه البرلمان معنوياً في 5 تشرين الثاني، إلا أنه لم يشق طريقه الى التنفيذ إلا متأخراً بعد سنة.
مع أن انتخاب الرئيسين كان دستورياً، إلا أن طيّ صفحة الحرب واتفاق الطائف أوصلهما الى رئاسة الدولة.
في ما بعد كرّت سبحة الإلتواء في إنتخاب الرئيس: مددت ولاية هراوي ثلاث سنوات عام 1995 بتعديل غير مسبوق للفقرة الأولى من المادة 49، لم يقل بإعادة انتخاب الرئيس، بل استمرار ولايته ثلاث سنوات أخرى. بعد ذلك انتخب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية عام 1998، استبقه تعديل الفقرة الثانية من المادة 49 بما يزيل العائق الدستوري من طريق انتخاب موظف كبير. ثم كانت عام 2004 استعادة تجربة 1995 بتعديل دستوري يمدد ولاية لحود ثلاث سنوات أخرى انتهت عام 2007، دونما اقتدائها كما سلفه من قبل بسابقة الرئيس بشارة الخوري عندما ربط استمراره في الولاية بإعادة انتخابه مجدداً عام 1948 فمثل امام المجلس مرة ثانية.
إنتخاب ثالث رؤساء ما بعد اتفاق الطائف كان الطامة الكبرى. لم يصر الى تعديل المادة 49 لإزالة المانع الدستوري من انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان، فإذا هو ينتخب تبعاً للمادة 74 التي تتناول خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة أو الإستقالة أو أي سبب آخر، ما يحتم الإجتماع للحال دونما دعوة من رئيس المجلس حتى.
إثنا عشر رئيساً لبنانياً انتخبوا في ظروف مختلفة، لكنها متماثلة في منسوب التأثيرات الخارجية، عشرة منهم حكموا فعلياً، فيما اغتيل اثنان، الأول الشيخ بشير الجميل الذي انتخب إبان الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان في عام 1982 والذي اغتيل قبل أيام من القسم الدستوري واستلامه السلطة، والثاني الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعد انتخابه بأسبوع والذي اعتبر نتاج تسوية إتفاق الطائف. وحكم بين العشرة الباقين، ثلاثة رؤساء مددت ولاياتهم ثلاث سنوات، إلياس الهراوي وإميل لحود في عهد إتفاق الطائف بين الأعوام 1990 و2006، والثالث الرئيس بشارة الخوري وهو الرئيس الأول بعد الإستقلال. وأيضاً بين الرؤساء العشرة، ثلاثة انتهت ولايتهم بفراغ رئاسي، إذ لم يتمكن المجلس من انتخاب بديل عنهما خلال المدة الدستورية، هما أمين الجميل 1988، إميل لحود 2006، وميشال سليمان 2014، الذي كان انتخابه نتاج تسوية الدوحة في عام 2008.
وما يجمع بين الرؤساء الإثنا عشر، هو حجم التدخل الخارجي في إيصال كل منهم للرئاسة. حتى أن ثمة إجماع بين مؤرخي انتخابات الرئاسة الأولى، أنه لا رئيس صنع في لبنان، وأن هناك دائماً قطبة مخفية توصل مرشح على حساب آخر. فالرئيس الأول بعد الإستقلال بشارة الخوري، انتخب في ظل توافق فرنسي – بريطاني وغطاء عربي، على صيغة الثنائية التي اتسمت بها وثيقة 1943، فيما انتخب كميل شمعون إثر ما سمي بالثورة البيضاء لإنهاء ولاية الخوري الثانية، ورغم الثورة البيضاء التي أوصلته للرئاسة، انتهى عهده بثورة عليه نتيجة انحيازه للسياسات الغربية. ونتيجة لتسوية خارجية أيضاً، مع تأثير واضح للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، انتخب فؤاد شهاب رئيساً، والذي حاول أن يحكم بعد انتهاء ولايته في الظل عبر إيصال شارل حلو للرئاسة بحبكة فرنسية واضحة. ومهما قيل عن لبننة الإستحقاق الرئاسي إبان انتخاب سليمان فرنجية في العام 1970، ثمة الكثير ممن يشككون بوصوله دون تدخل أو ضغط خارجي، وإن يُقال إن الصوت المرجح كان لكمال جنبلاط آنذاك في محاولة لإقصاء مرشح الشهابية إلياس سركيس، والذي انتخب مع دخول سوريا على خط الأزمة اللبنانية في عام 1976 وبغطاء عربي. فيما انتهى عهد الرئيس أمين الجميل في عام 1988 بحكومة عسكرية تقلّد رئاستها العماد ميشال عون، والذي أطيح به بعد اتفاق الطائف وتم نفيه إلى باريس.
واليوم، وأخيراً بعد مئتين وتسعين يوماً بالتمام والكمال من الفراغ والشغور الرئاسي، وبعد خمس وأربعين دعوة إنتخاب رئاسية، وبعد إنسحاب مرشحين رئاسيين من السباق الرئاسي بفعل التعطيل، وبعد حصر المرشحين للرئاسة بمرشح واحد، وبعد مخاض عسير وتنازلات، بات من المؤكد ونتيجة تسوية داخلية خلطت فيها الكثير من الأوراق، مع حبكة خارجية غير معلنة، تمكّن المجلس النيابي من إنتخاب المرشح الوحيد للرئاسة العماد ميشال عون، وأنهى بذلك مرحلة طويلة من الشغور جرّت معها كثيراً من الأزمات، وقد جاء إنتهاء الأزمة بعد تراجع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن دعم حليقه سمير جعجع، ليدعم خصمه سليمان فرنجية، ما دفع جعجع الى إتخاذ قرار بدعم منافسه السياسي العماد ميشال عون، وكلا المرشحين اللذين حظيا بدعم كل من جعجع والحريري هما من فريق 8 آذار وحليفا “حزب الله” الذي إنحاز أخلاقياً الى دعم العماد عون، وهكذا تمكّن فريق 8 آذار من فرض مرشحه العماد ميشال عون في نهاية المطاف على رئاسة الجمهورية عندما وجد الفريق الآخر أن إنهاء حالة الفراغ لن يكون إلا عبر الرابية وانتخاب عون رئيساً وهو ما حصل بعد أن أقدم الحريري على سحب تأييد فرنجية وتأييد ترشيح العماد عون بهدف إنهاء حالة الفراغ السياسي، وسط حديث عن تسوية أوسع تطال أيضاً منصب رئاسة الحكومة.
وشهد البرلمان اللبناني ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الإنتخابات الرئاسية، إذ كرر رئيس البرلمان للمرة الثالثة دورة التصويت الثانية بعد عدم تطابق عدد أوراق الإقتراع مع عدد المقترعين. وفاز عون في الدورة الثانية للتصويت والتي كُررت ثلاث مرات، بـ 83 صوتا، في حين كان هناك 36 ورقة بيضاء وسبعة أصوات لاغية وصوت واحد لستريدا طوق.
وكانت الدورة الأولى قد شهدت حصول المرشح ميشال عون على 83 صوتا مقابل 6 أصوات لاغية و36 ورقة بيضاء، وكانت الحصيلة غير كافية له للفوز بغالبية الثلثين من الدورة الأولى ما اضطر المجلس للتوجه إلى دورة ثانية يمكنه أن يفوز فيها بغالبية الأصوات.
ويُعتبر عون الرئيس رقم 13 للبنان، ويعود إلى قصر بعبدا الرئاسي بعد 26 عاماً على تركه له بعدما اتخذه مقراً له إثر تعيينه على رأس حكومة عسكرية خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1988، في تجربة انتهت بتدخل عسكري مدعوم من الجيش السوري عام 1990.
ولم ينص الدستور اللبناني على وجود “دورة رابعة” ولكن لم يحسم فوز الرئيس هذه المرّة لا من الدورة الثانية ولا حتى من الدورة الثالثة، إذ أنّ أحد النواب قرر أن يصوّت مرتين، أو قرر أحد الوزراء الذين لا يحق لهم التصويت أن يضع ورقته في صندوق الإقتراع، ليحسم رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجدل بوضع الصندوق في منتصف القاعة، ويتوجه كل نائب باسمه للتصويت.
والمفارقة اليوم أن الإنتخابات الرئاسية هذه المرة تجري في مجلس نيابي ممدّد له مرتين، وفي ظلّ حكومة استثنائية تتمتع مجتمعة بصلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ الشغور الرئاسي، برئاسة الرئيس تمام سلام، منذ بداية هذا الشغور مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان في 25 أيار 2014، فتكون حكومة تمام سلام حكمت 39 شهراً وستة أيام بصفة حيازتها مجتمعة لصلاحيات رئاسة الجمهورية. وأول حكومة استثنائية موقتة أعطيت صلاحيات رئيس الجمهورية كانت برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، وكانت لفترة محددة حصراً بـ 12 يوماً فقط، وكان ذلك بتاريخ 18 أيلول 1952. وفي خلال خمسة أيام فقط أنجز اللواء شهاب المهمة من أصل مهلة الـ 12 يوماً المعطاة له، وتمّ انتخاب الرئيس شمعون رئيساً للجمهورية في 23 أيلول 1952.
عون رئيساً… إنعكاس على ميزان القوى في الشرق الأوسط
تَحقّقَ حلم عون، دخل القصر الجمهوري مدعوماً بكتلة نيابية كبيرة وتحالفات صاغَها وشعبيةٍ كبيرة تجلّت بالإحتفالات التي عمّت المناطق. لكنّ العمل الأصعب ورحلة الألف ميل ومشقّاتها تبدأ من اليوم حيث التحدّيات جمّة، وأوّلها تنفيذ خطاب القسَم والمبادئ الإصلاحية التي نادى بها منذ ممارسته العملَ السياسي…
وإذا وضعنا جانباً التنافس بين سليمان فرنجية، المؤيد للمقاومة ضد “إسرائيل” والتكفيريين، والعماد ميشال عون، المؤيد أيضاً للمقاومة ضد الإسرائيليين والتكفيريين على رئاسة الجمهورية، يمكننا أن نرى بوضوح أن انتخاب العماد ميشال عون جاء نتيجة لميزان قوى في الشرق الأوسط لم تفرضه القوى الإقليمية التقليدية كالسعودية ودول الخليج ومصر وسوريا، بل جاء نتيجة ميزان قوى فرضها الصراع الدولي القائم في الشرق الأوسط.
ولذلك يكتسب انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في لبنان أهمية خاصة تفوق بكثير أهمية ذلك على صعيد الساحة اللبنانية.
واللافت أن الولايات المتحدة على الرغم من نفوذها في لبنان لم تستطع حتى أن تقدم اسم مرشح آخر ليكون منافساً لعون مرشح المقاومة المناهضة لـ “إسرائيل” والتكفيريين: “نحن نأخذ هنا بعين الاعتبار أن فرنجية وعون لا يختلفان ولن يختلفا حول تأييد ودعم المقاومة ضد “إسرائيل” والتكفيريين”.
لقد كان التنافس بين أصحاب النهج الواحد، ولذلك ظهر ميزان القوى بشكل أوضح فلم تتمكن القوى الدولية الداعمة لـ “إسرائيل” و”الإرهاب” والدول الإقليمية الدائرة في فلك هذه الدول من إيجاد بديل لمرشح المقاومة العماد ميشال عون.
وإذا كانت الصورة بهذا الوضوح، فهذا يعني أن ميزان القوى على الساحة السورية، وهي الساحة المركزية للصراع، وعلى الساحة العراقية وهي الساحة المحتدمة بالمعارك في آخر معاقل “داعش”، قد بدأ يميل لمصلحة القوى المدعومة دولياً من موسكو وطهران وكل الدول التي تنادي بمحاربة الإرهاب ووحدة الأراضي السورية ووحدة الأراضي العراقية. ولا شك أن ميزان القوى في الساحة اللبنانية الذي ظهر عبر انتخاب ميشال عون سوف ينجم عنه تأثير الوضع الجديد في لبنان على دول عدة في الشرق الأوسط.
أما الإنعكاس الأكبر والأخطر، فهو ذلك الإنعكاس الذي بدأ برؤية آثاره في “إسرائيل”. فمع احتدام معارك الموصل وتلعفر وقريباً الرقة ودير الزور، وكذلك المعارك في حلب في ظل قرار وزراء الخارجية الروسي والسوري والإيراني الذي اتخذ في اجتماعهم في موسكو، أظهر أن ميزان القوى قد تحرك سريعاً لمصلحة التحالف المعادي للتكفيريين وللطامعين في أرض سوريا والعراق والسعودية وقطر.
يدّعي البعض وجود قدرات داخلية خارقة انهت مرحلة الشغور وهو ما يُحتسب تنكراً لأهمية كلّ ما جرى من حراك اقليمي ودولي ديبلوماسي غير مسبوق واكب مهمة الموفد السعودي الذي وصل بيروت زائراً فوق العادة على جميع اللبنانيين مشجعاً على التفاهم الذي تحقق ليتحدّثوا بقوة عن تسويات داخلية فرضت نتائجها على القوى الخارجية، وذلك لأهداف مرحلية وموقتة لإستخدام هذا الإستحقاق واستغلاله في اللعبة الداخلية، ويبدو أن هذه القدرات لم تعطِ ثمارها بعد في تشكيل الحكومة.
طوى لبنان صفحات أليمة من تاريخه الحديث، فقد إنتخب المجلس النيابي في 31 تشرين الأول العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بأغلبية وازنة، كما جرى ما يشبه الإجماع النيابي على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الأولى للعهد رغم أنها ستكون “حكومة إنتخابات” قصيرة العمر، إذا ما صدقت النوايا وصحت التوقعات بأن مجلس النواب سوف يفرج عن قانون الإنتخابات، الذي لا يقل أهمية وحساسية عن إنتخاب رئيس الجمهورية أو تكليف رئيس الحكومة.
في أي حال من الأحوال، Yن أغلبية الأطراف السياسية اللبنانية راغبة في إعطاء الرئيسين عون والحريري فرصاً قوية بداية العهد، فهل ينجح العهد الجديد في حماية لبنان واستقراره ومعالجة مشكلاته الأساسية أم أنه سيغرق في المشاكل والأزمات القديمة والجديدة؟
ليديا أبودرغم